إمام الحرم المكي: خادم الحرمين حفظ لأهل العلم منزلتهم وللمؤسسات الشرعية مقامها.. ومن خرج عن الجادة لا بد من لجمه

وزير العدل: الملك جدد ثقته في مؤسسات الفتوى والاحتساب * د. الغيث: الأمر الملكي عالج قضايا كبرى كانت محل خلاف

الشيخ د. صالح بن حميد و د. محمد بن عبد الكريم العيسى
TT

توالت ردود الفعل على الأمر الملكي السعودي، الذي قنن فيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء – أعلى سلطة دينية في السعودية - بعد 24 ساعة من صدوره، وجاءت متزامنة مع الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارك.

ففي الحرم المكي الشريف، اعتبر إمام وخطيب المسجد الحرام توجيه خادم الحرمين الشريفين القاضي باقتصار الفتوى الشرعية على أعضاء من هيئة كبار العلماء، بمثابة حفظ لمنزلة أهل العلم، وللمؤسسات الشرعية مقامها، ووقف بحزم أمام منع تجاوزها والنيل من هيبتها.

وأكد الشيخ الدكتور صالح بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، أن الخطاب الملكي بما فيه من توجيه راشد، والكلمة الصادقة التي خاطب فيها خادم الحرمين الشريفين العلماء والمسؤولين في الدولة، جاءت من منطلق مسؤوليته الشرعية وإمامته الدينية.

وقال بن حميد: «إن من كان بالله أعرف كان منه أخوف، وملائكة الرحمن هم أعرف بربهم يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون، ورسل الله وأنبياؤه هم سادات الخائفين، ثم يأتي أهل العلم الربانيون، فهم أهل الخشية، وكلما كان العالم مستشعرا مسؤولياته، مستذكرا وقوفه بين يدي مولاه، وعلم عظم المسؤولية وكبر الأمانة وسعى في إبراء الذمة، كان خوفه من الله وخشيته من مولاه على قدر ما يستشعر ويستحضر».

وأكد الإمام بن حميد أن «خادم الحرمين الشريفين كان حازما صارما في منع التجاوز على المؤسسات الشرعية والوقوع فيها وفي حملتها ومسؤوليها، بل وحمى حدود الفتوى وحفظ الشرع المطهر، تعظيما لدين الله من الافتئات عليه، ممن يقتحمون المركب الصعب، ولم يتسلحوا بالعلم ويحملوا آلته المؤهلة، ممن ينتسبون إلى علم أو فكر أو ثقافة أو إعلام».

وأضاف: «لا يجوز أن تكون دائرة الخلاف المسموح بها شرعا سبيلا للتقول على الله أو تجاوز أهل الذكر أو التطاول على أهل العلم، ففرق بين سعة الشريعة ورحمتها وفوضى القيل والقال، والخلاف شر وفتنة، وكل من خرج عن الجادة التي استقر عليها أمر الأمة، مما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من الصحابة رضوان الله عليهم، ثم من تبعهم بإحسان من علماء الأمة، فمن خرج عن الجادة لا بد من لجمه وإيقافه عند حده، فالنفوس ضعيفة والفتنة خطافة وأضواء الإعلام محرقة والمغرض مترقب متربص».

واعتبر بن حميد أن المؤسسات الشرعية قامت بواجبها على الوجه الأكمل، ومن أراد أن يقلل من دورها متعديا على صلاحيتها ومتجاوزا أنظمة الدولة منصبا نفسه لمناقشتها، فيجب الوقوف أمامه بحزم، ورده إلى جادة الصواب والتزامه باحترام الدور الكبير الذي تقوم به هذه المؤسسات الشرعية، وعدم الإساءة إليها والتشكيك في اضطلاعها بمسؤولياتها لإضعاف هيبتها والنيل من سمعتها.

وأعاد إمام وخطيب المسجد الحرام «المقصود من كل ذلك إلى حفظ حمى الدين، سيرا على ما تقتضيه السياسة الشرعية، في اجتماع الكلمة، وتوحيد الصف، ونبذ الفرقة، والاجتماع على أمر الدين ودرء الفتنة، أما الفتاوى الخاصة في أمور العبادات والمعاملات وشؤون الأسرة والأحوال الشخصية، بين السائل والمسؤول، والمستفتي والمفتي، فهذا أمره واسع، ألا فليهنأ أهل العلم بهذا التسديد، ولتقم المؤسسات الشرعية بمسؤولياتها وليخشوا ربهم ولا يخشوا أحدا إلا الله».

في هذه الأثناء، نوه وزير العدل، الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، بالمضامين الشرعية والوطنية التي توخاها الأمر الملكي الكريم بتنظيم شأن الفتوى، والتأكيد على احترام المؤسسات الشرعية وعدم تخطي صلاحياتها بأي أسلوب من أساليب التجاوز في الفتوى أو الاحتساب.

وقال الوزير العيسى: «إن أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تأسس على نصوص الشريعة المطهرة، ومقاصدها السامية التي تتوخى مصلحة البلاد والعباد في المعاش والمعاد، وجاء ليضع الأمور في نصابها الصحيح، ويسير بالجميع على هدى وبصيرة، في مشمول غايات مهمة تحذر من مخاطر الفوضى العلمية وأثرها السيئ في الدين والدنيا». وأضاف: «لقد استشرف خادم الحرمين الشريفين في هذا أبعادا شرعية مهمة، مجددا ثقته واعتزازه بمؤسسات الفتوى والاحتساب ورجالها، وهم القادرون على الاضطلاع بمهامها على أكمل وجه، محذرا من توظيف منبر الجمعة لأغراض تخرج عن أهدافه ومراميه، وأعطى رسائل عدة، في مضامين ذات دلالات تكشف بجلاء عن مستوى المتابعة واليقظة والغيرة الشرعية والوطنية، أعقبها بأمر محمول على أسباب مسددة تؤكد للجميع الحرص التام لولي الأمر، على حمى الدين والوطن، والتصدي بكل قوة وحزم لأي أسلوب أيا كان مصدره ومقصده، قد ينال من وحدة الكلمة والصف، مستغلا ما قد يحسبه مدخلا يفضي من خلاله إلى النيل من تماسكنا، ووحدة صفنا، واحترام مؤسساتنا الشرعية، ومنسوبيها من أهل العلم والفضل، لا سيما مجلس هيئة كبار العلماء، وهم من اختارهم ولي الأمر على بينة وبصيرة، ووصفهم في أمره الكريم بحملة الشريعة وحراسها». ووصف وزير العدل الأمر الملكي بوثيقة تاريخية تضاف إلى سجل خادم الحرمين الشريفين، ومنجزاته الكبرى لخدمة الدين والوطن، في سياق موفق مسدد على هدي الكتاب والسنة، على جادة سواء، تقتبس من مشكاة أهل العلم والإيمان في بيانهم الشافي لهذا الأمر في الكثير من كتبهم ومدوناتهم وعلى الأخص بعد النظر في الاستقراء والتتبع والجمع والفرق وقطع الطريق على من وظف سعة الشريعة لما يخالف هديها ومقصدها.

من جانبه، عد الشيخ الدكتور عيسى الغيث، القاضي في وزارة العدل في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» الأمر الملكي معالجا لثلاث قضايا كبرى، كانت محل خلاف خلال الفترة الماضية. وأسهب الغيث في شرح القضايا الثلاث، ولخصها بقضايا الفتوى والخطابة والحسبة، فالفتوى تم قصر ما يتعلق بالشأن العام على هيئة كبار العلماء، وأما الشأن الخاص فعلى أعضائها عبر وسائل الإعلام والدعوة دون غيرهم، وأما ما سواهم ففي الفتاوى الخاصة الفردية لا الجماعية، التي لا تكون علنية، وبضابط حدده الأمر الملكي، بكونه بين السائل والمسؤول، وغير معلنة، كمن يسأل مواجهة أو عبر الهاتف.

وأضاف الغيث في تفصيله لمضامين الأمر الملكي: «أما الفتاوى في وسائل الإعلام والدعوة فليست إلا لأعضاء الهيئة، وقصرت على ثلاثة أنواع هي: مسائل العبادات، والمعاملات، والأحوال الشخصية، وأما ما سواها كمسائل العقائد والتفسيق والتبديع والتكفير ونحوها فليست إلا للهيئة». وأما من جهة الخطابة طبقا للشيخ الغيث، فتشمل منابر الجمعة ومحاضرات المساجد ودروسها ومناشطها، بحيث لا تخالف في مسألتي الفتاوى والحسبة.

وفيما يتعلق بجانب الاحتساب فهو في ثلاثة أنواع، الأول الميداني، ويختص به جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وينتهي دور المتطوعين بالتبليغ، ولا يجوز لهم الاحتساب على الناس ميدانيا كما هو حاصل، والنوع الثاني الاحتساب القضائي، وتختص به هيئة التحقيق والادعاء العام وينتهي دور المحتسبين بالتبليغ، ولا يجوز لهم رفع الدعاوى الاحتسابية على الأفراد أو المؤسسات مباشرة كما حصل في بعض القضايا.

وسلط الشيخ عيسى الغيث في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» الضوء على النوع الثالث، الذي يتمحور حول الاحتساب عبر البيانات الفردية والجماعية وهذا ممنوع، ولذا وجه الأمر الملكي إلى 9 جهات لتقوم جميعها بدورها في كل ذلك، تجاه من يخالفون من منسوبيها بشأن الفتاوى العلنية الأرضية، أو الفضائية أو الخطب والمحاضرات والدروس أو الحسبة الميدانية والقضائية والبيانات الفردية والجماعية.

واقترح الغيث إضافة جهة عاشرة وهي وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، ويقتصر علمها على مراقبة التزام مواقع الإنترنت وقنوات الجوال بهذه المسائل، خصوصا فيما يتعلق بالفتاوى والحسبة، لأنهما أداتان خطيرتان، وقد شهدت الفترة الأخيرة على كونهما المؤثر الأول في تلك الفتاوى الشاذة والمعتدية على الحقوق الخاصة والعامة، وفي جانب تهييج وتحريض الناس في الحسبة الميدانية والقضائية والبيانات الفردية والجماعية.

وأشار الغيث إلى ما تضمنه الخطاب الملكي القاضي بمنع مشاركة القضاة في ميادين الحسبة وقضاياه وبياناته الجماعية، وهو الذي سبق طرحه في تحقيقات إعلامية وكتابات صحافية، والآن فصل الموضوع وحسم بأمر ملكي صريح، ولم يبق إلا التنفيذ على جميع الجهات التسع ذات الاختصاص.