تبرئة سجين بعد 17 على إدانته خطأ تهز اليابان

تحول إلى رمز مناهض لسوء استخدام السلطة ويحذر خصوصا من «اعترافات الإكراه»

TT

في صباح أحد أيام ديسمبر (كانون الأول) 1991، استيقظ توشيكازو سوغايا، الذي يقطن في هذه المدينة الهادئة شمال طوكيو، فجأة على صوت طرقات عنيفة على بابه. كان على الباب أفراد الشرطة يرغبون في استجواب سوغايا، الذي كان حينها يبلغ من العمر 45 عاما ومطلقا ويعمل سائق حافلة وليس لديه أصدقاء، وذلك بشأن جريمة قتل مروعة لطفلة عمرها 4 سنوات، عام 1990. وبعد 13 ساعة من التحقيقات، التي قال سوغايا إنه تعرض خلالها للركل والصراخ في وجهه بصوت عال، اعترف باكيا بأنه قتل فتاتين أخريين، لكنه أدين بجريمة قتل واحدة وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

غير أن المفاجأة وقعت العام الماضي بعد أن وجد المدعون العامون أن اعترافه تم الحصول عليه تحت الإكراه وأن تحليل الحمض النووي الذي استخدم كدليل كان خاطئا، وبذلك أطلق سراح سوغايا، وبرأته المحكمة لاحقا.

الإعلان بأن سوغايا سجن خطأ لأكثر من 17 عاما خلق صدمة في اليابان أكثر من الإعلان عن إدانته كمتورط في جرائم قتل متتالية. ولقي الإفراج عنه الكثير من التغطية الصحافية، ما هز ثقة الشارع الياباني في الشرطة والقضاء في الوقت الذي أثار فيه التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه اليابان الشكوك حول المؤسسات الوطنية اليابانية بشكل عام.

بعد إطلاق سراحه، تحول سوغايا إلى رمز وطني، وألف أو شارك في تأليف 3 كتب أحدها بعنوان «أدنت ظلما»، وجاب اليابان متحدثا عن تجربته. وقال سوغايا: «أريد أن أقول للناس: لا تصدقوا الشرطة».

يبدو الرجل، بأكتافه المنحنية وحركاته المرتجفة التي تثير في الأذهان صورة حيوان مذعور من الأضواء الأمامية للسيارة، ناشطا غير متوقع ضد التعسف في استخدام القوة بصورة غير متوقعة. لكن صوته يغص بثقة كبيرة قال إنه اكتسبها داخل السجن حيث تعلم أن يحمي نفسه. وأشار إلى أنه خلال تلك السنوات التقى مدانين آخرين أبلغوه أنهم أدينوا بسبب اعترافات كاذبة، وقال إن الرغبة في مساعدتهم وآخرين هو السبب في كل الشهرة التي هبطت عليه بمحض الصدفة، على الرغم من أنه لا يبدي ارتياحا لكل الإعلام المسلط حوله.

وقال سوغايا: «أريد أن أعود إلى حياتي الهادئة السابقة، لكني عندما أرى الآخرين وقد عانوا من المعاملة نفسها التي خضعت لها أرغب في العمل لمساعدتهم».

وصف سوغايا نفسه قبل محنته بأنه رجل خجول كان يتجنب الحديث مع الآخرين، ونادرا ما كان ينطق بضع كلمات، وبعد زواج استمر 3 أشهر كان يقسم وقته بين العيش مع والديه وإنفاق آخر أيام الأسبوع بمفرده في بيت صغير استأجره. ظلت الشرطة تراقب سوغايا، دون علم منه، عاما قبل اعتقاله. وقال شاهد لهم إن سوغايا كان في صالة ألعاب بوتشينكو في الوقت نفسه الذي كانت فيه الضحية مامي ماتسودا موجودة هناك.

بعد اعترافه الأولي واعتقاله فيما بعد قضى سوغايا الأسابيع التي تلت ذلك ينسج روايات معقدة حول كيفية قتله مامي وفتاتين أخريين قتلهما في الثمانينات. وأشار سوغايا (قال إنه لم يلتق أيا من الفتيات) إلى أنه كان يخشى الوقت الذي تكتشف فيه الشرطة أنه يكذب وسيبدأون بالصراخ عليه مرة أخرى.

تعترف الشرطة الآن بأنها لم تنتبه إلى التناقضات الواضحة بين الروايات التي نسجها سوغايا عن القتل والأدلة الجنائية. وقال سوغايا في التحقيقات إنه أخذ الطفلة على دراجته، فيما روى شاهد عيان أن الرجل أخذ الطفلة وانطلق بها سيرا على الأقدام. كما فشل سوغايا في تحديد الأماكن التي دفنت فيها الجثث.

بيد أنه عندما بدأ سوغايا في الإعلان عن براءته خلال المحاكمة لم يلتفت إليه القضاة أو الادعاء أو محاموه هو شخصيا، اعتقادا منهم أن اعترافه الأول كان صحيحا. ويرى خبراء القانون أن ذلك يعكس الأهمية البالغة التي يوليها الادعاء العام والمحاكم اليابانية إلى الاعتراف.

ويقول سوغايا إن أكثر سؤال يطرح عليه الآن يتعلق بسبب اعترافه السريع بجرائم لم يرتكبها. وقال ردا على ذلك «إن عزيمته انهارت بعد الساعات الطوال التي قضاها في التحقيق والتي كان رجال الشرطة يصرخون فيها عليه بشدة لدرجة أن آذانه لا تزال متأثرة بتلك الصرخات على الرغم من انقضاء 19 عاما على ذلك». وقال إنه اعترف بالجرائم الثلاث حتى تنتهي هذه المعضلة.

ويرى هيروشي ساتو، محامي الدفاع الذي تولى قضية سوغايا بعد ذلك، أن المشكلة الأخرى كانت في الثقة الخاطئة في التحليل البدائي للحمض النووي الذي طابق السائل المنوي لسوغايا الموجود على جثة إحدى الفتيات. وبعد سنوات من الالتماسات غير المجدية للمحاكم من أجل إعادة المحاكمة، تمكن سوغايا من التمتع بحريته بعد تقدم التحليل الجيني الذي ناقض النتائج السابقة.

ويقول أكيرا كيتاني، القاضي السابق الذي يدرس القانون في جامعة هوسي في طوكيو: «كانت لدينا قضايا اعترافات كاذبة من قبل، لكن الأدلة لم يثبت خطؤها بشكل واضح كحالة سوغايا». وقالت الشرطة إن الأخطاء ارتكبت لأنهم كانوا يقعون تحت ضغط لحل لغز مقتل الفتيات الثلاث، الذي صدم هذا المجتمع الهادئ. ولم يتم العثور على القاتل الحقيقي ولن يتمكنوا من مقاضاته لأن اليابان تسقط قضايا القتل بالتقادم.

وقال كيتاني إن إطلاق سراح سوغايا شجع على عقد محاكمات جديدة في عدد من القضايا المشابهة بينها إحدى القضايا التي وقعت عام 1967 لجريمة قتل وسرقة والذي سجن فيه شخصان بناء على اعترافات تراجعوا عنها فيما بعد.

وكجزء من جهوده لجذب الانتباه إلى الاعترافات الكاذبة، قال سوغايا إنه حضر تلك المحاكمة التي تجري الآن، حتى يدفع وسائل الإعلام إلى الاقتناع بإمكانية براءة الرجلين.

بيد أنه يقول إنه لا يستطيع الفرار من الشهرة التي تحيط به، ففي ظهيرة أحد الأيام، وبينما كان يسير في موقف للسيارات أوقفه عدد من المارة وسأله أحدهم: «أأنت سوغايا؟ أهو أنت حقا؟». فرد عليه بعد لحظات: «في السابق كنت مشهورا لكوني مجرما، لكني الآن مشهور لكوني بريئا».

وقال إن أصعب اللحظات التي عاناها كانت محاولة التأقلم مع ما فقده خلال السجن، خاصة أنه قال إنه لم يعد قادرا على لقاء والديه مرة أخرى. فوالده بائع الأدوية توفي عقب القبض عليه بأسبوعين، من الصدمة على الأرجح. أما والدته التي رفضت زيارته في السجن، فتوفيت قبل 3 سنوات من إطلاق سراحه. وقال سوغايا، بصورة حزينة: «وددت لو شرحت لها ما حدث فعلا».

ويقول سوغايا إنه شعر بغضب عارم وإنه بدأ يعاني من مشكلات في النوم بسبب وقائع الاستجواب وإنه رغب في رفع دعوى جنائية ضد المحققين اللذين استجوباه وأجبراه على الاعتراف لكن محامييه ومناصريه نصحوه بعدم القيام بذلك لأنه قد يسبب له صدمة انفعالية. وقال: «في النهاية، أنا ما زلت ألوم نفسي، لو كنت أقوى قليلا أمام الشرطة لما حدث أي من ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»