النخبة السياسية العراقية التي مكنتها أميركا تنظر للمستقبل بقلق مع استمرار الأزمة

سياسي عن حوار مع ضابط كبير عن انقلاب: سألني إن كنت سأعينه وزيرا للدفاع إذا أصبحت رئيسا

حارس وحيد يجلس عند مدخل مبنى البرلمان العراقي الفارغ («نيويورك تايمز»)
TT

بدأت النخبة السياسية العراقية، التي مكنها الغزو الأميركي واستأمنها على مستقبل البلاد، في توجيه النقد الشديد لنفسها، وهذا نذير شؤم للبلاد التي أصبح يسيطر عليها الخوف من حدوث أزمات وصراعات وحتى انقلابات جديدة بعد انسحاب القوات الأميركية.

وفي هذا السياق، يقول نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي، الذي كان يعيش في المنفى سابقا وأحد أبرز السياسيين العراقيين: «يجب أن نخجل من الطريقة التي نقود بها هذا البلد».

وهذا الرأي، الذي غالبا ما يردده أقران عبد المهدي بين صفوف معارضة المنفى، التي عادت إلى العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، ومنذ ذلك الحين تقود البلاد، يسلط الضوء على ما أصبح عليه عراق اليوم، والذي لا يزال من غير حكومة بعد خمسة أشهر من الانتخابات العامة التي كانت من المفترض أن تأتي بحكومة جديدة.

كما هو الحال مع أمور كثيرة جدا هنا، فإن عواقب هذا الأمر لا يمكن التنبؤ بها. وعلنيا على الأقل، فإن المسؤولين الأميركيين كانوا يأملون في التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة والذي من شأنه أن يجنب البلاد أزمة أكثر خطورة، ولكن المفاوضات الخاصة بهذا الاتفاق انهارت هذا الأسبوع. وقد بدأ الأميركيون يشعرون بالقلق إزاء الآثار المترتبة على هذه الأزمة. ويقول كريستوفر هيل، سفير الولايات المتحدة السابق في العراق، الذي كان يدفع باتجاه إبرام هذا الاتفاق قبل مغادرته العراق في الأسبوع الماضي: «إحساسي هو أن صبر الشعب العراقي على السياسيين بدأ في النفاد».

وبالنسبة للعديد من العراقيين، لا سيما الذين لديهم ذكريات عن الأربعة انقلابات التي وقعت في العقد الذي تلا سقوط النظام الملكي عام 1958، فإن المخاوف المتعلقة بالمستقبل تنطوي على مجموعة خطيرة من القوى التي سممت الشرق الأوسط طويلا: جيش مفكك بشكل صعب التنبؤ به وزيادة في الإحباط الشعبي من الطبقة السياسية المعزولة والتي تبدو في بعض الأحيان بلا وجهة ولا حيلة.

وفي النهاية، يتوقع العديد من المسؤولين التوصل إلى اتفاق على تشكيل حكومة توافقية شاملة والتي ستكون ضعيفة بصورة يرثى لها وغير قادرة على تأكيد ذاتها ومعرضة للتعثر والأزمات عند مناقشة وتمرير القوانين اللازمة لتحديد شكل العراق في ما بعد الانسحاب الأميركي. ولكن فشل النخبة التي ساعدت الولايات المتحدة في اختيارها قد يكون بمثابة إرث دائم للولايات المتحدة هنا، وهو ما يثير تساؤلات جوهرية حول الهيكل السياسي الذي تتركه بعد مغادرة القوات الأميركية بحلول عام 2012.

ويتساءل رايان كروكر، الذي سبق هيل كسفير للولايات المتحدة في العراق: «أعتقد أنه من الجائز لنا أن نسأل: هل هذا النظام سيعمل من أجل صالح العراق، بالنظر إلى تاريخه وخصائصه المميزة وغير ذلك؟ ليس لدي جواب. ولكن هذا سؤال ستكون هناك حاجة ملحة للتعامل معه في المستقبل».

وإلى درجة كبيرة لا يزال العراق مطاردا من القرارات التي اتخذت في الأيام الأولى للاحتلال عام 2003، حيث غلبت المصلحة على التبصر. ولا تزال المناقشات محتدمة في العراق حول القرارات التي أخذتها الولايات المتحدة: تفكيك الجيش العراقي والتخلص من أعضاء حزب البعث الذي كان يتزعمه الرئيس السابق صدام حسين وقرار احتلال العراق بدلا من تشكيل حكومة عراقية انتقالية. ولكن ربما يكون الإرث ذو الدلالة الأكبر هو السلطة التي سيطرت عليها شخصيات المعارضة العراقية في المنفى والأحزاب الكردية منذ عام 2003، والتي ملأت الفراغ الذي خلفه زوال نظام صدام حسين الذي كان يقضي على أي معارضة.

وعند سؤال السفير كروكر عما ما إذا كانت الولايات المتحدة هي السبب وراء بروز هذه الشخصيات، رد قائلا: «لا أعتقد ذلك. ولكن يمكنك أن تسأل عما إذا كان هذا الأمر برمته خطأ؟ أنا لا أضيع الكثير من الوقت في مناقشة هذه الأمور. ولكن إذا لم يكونوا هم فمن يكون؟».

وقد بدأت المؤامرات تتحول إلى السمة المميزة لنمط النخبة السياسية هنا منذ توليها السلطة، ولا يزال يسيطر على الكثير من العناصر الفاعلة الصورة القديمة لبغداد التي نادرا ما تكون منعكسة على شوارعها غير المستوية والمتعرجة. ولا يزال معظمهم أصدقاء، على الأقل أمام الناس. ولكن الطبيعة السرية للمنفى بما فيه من تآمر لا نهاية له ومناورات مزدوجة لا تزال تشكل تعاملهم مع بعضهم البعض. في ذلك الحين كان البقاء هو الهدف، وبطرق أخرى كثيرة، لا يزال هذا هو نفس الهدف. ويقول عبد المهدي: «الكثير منهم، كما أفهم، لا يزالون يتصرفون كما لو كانوا في المعارضة، لا أنهم يحاولون بناء دولة. وأنا لا أستثني نفسي ولا أحد غيري من ذلك».

وخلال سلسلة من الاجتماعات، وصف سياسي بارز آخر زملاءه بأنهم غير فعالين وأن زخارف السلطة تسيطر عليهم وأن جشعهم «يقترب من حدود الفساد. وأنهم يقدمون الأمور الآنية على القضايا المهمة والأمور التكتيكية على الأمور الاستراتيجية»، وذلك وفقا لكلام السياسي الذي كان مترددا في الموافقة على تسجيل الحديث، خشية أن يثير غضب حلفائه المحتملين.

وأعرب محمود عثمان، النائب الكردي الذي كان عضوا في مجلس الحكم الذي عينته أميركا في عام 2003، عن أسفه لهذا الوضع قائلا: «إنها نفس الشخصيات تذهب وتعود من جديد. إذا توفي شخص لم يعد موجودا بينهم هذا هو الاستثناء الوحيد».

وبينما كان عثمان يتحدث، توقف مولد الكهرباء الذي لديه عن العمل، ليترك منزله في حرارة صيف بغداد الخانقة. وقد ظل يعاني من انقطاع الكهرباء وتوقف المولد لبضع ساعات، وذلك مثلما يعاني الكثير من سكان بغداد، حيث لا تستمر الكهرباء سوى بضع ساعات ويكون الماء ملوثا في بعض الأحيان وأكوام القمامة متراكمة في الشوارع والبنية التحتية متداعية. وأضاف: «لقد فشلنا على مدى السنوات السبع الماضية».

ويعطي اعترافه هذا بالفشل انطباعا ما عن بلد في بداية عصر ما بعد الديكتاتورية، كما أن ذلك سيجعل النخبة المتحجرة في مصر وسورية تستبعد التفكير في فعل نفس الشيء. وفي الواقع فإن بعض الساسة والمحللين يقولون إن الطبقة السياسية تواجه مهمة مستحيلة، فهي تعاني من ضعف المؤسسات والفساد وتغيرات ما بعد نظام صدام حسين والثقافة السياسية التي تحتفي بغنائم النصر.

والدول المجاورة للعراق، خاصة تركيا وإيران، وهما غير متعاونين في كثير من الأحيان، تتدخل بشدة في الحياة السياسية هنا. ولكسر الجمود، دفع المسؤولون الأميركيون باتجاه التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة من شأنه أن يبقي المالكي رئيسا للوزراء ويسلم الملف الأمني لعلاوي. ولكن مسؤولين عراقيين يقولون إن الإيرانيين يعارضون علاوي، في حين أن الأتراك لديهم تحفظات على المالكي.

ويعلق مثال الألوسي عضو البرلمان السابق على ذلك قائلا: «يجب أن نلوم أنفسنا لأننا كسياسيين سمحنا لتلك البلدان أن يكون لها تأثير كبير في السياسة العراقية». وخيبة الأمل واضحة للغاية، وفي الواقع، فإن العديد من الزعماء يعتبرون أن التمرد الضعيف والمستمر أقل تهديدا من شيء لا يمكن التنبؤ به، يصفه عبد المهدي بأنه «مغامر» يسعى لاستغلال أزمات العراق المزمنة.

ويحكي سياسي بارز حوارا جرى مؤخرا بينه وبين جنرال عراقي بارز، حيث سأله السياسي عن احتمال وقوع انقلاب فقام الجنرال، والذي أخذ الكلام على محمل الجد بحسب السياسي، بإخراج خريطة للعاصمة العراقية وقدم خطة مفصلة مثيرة للقلق لتنفيذ هذا الانقلاب: وتتضمن قلب عدد من الشاحنات لسد الطريق بين القاعدة الأميركية الرئيسية والمنطقة الخضراء والاستيلاء على محطات التلفزيون ومحاصرة البرلمان إلى آخر الخطة.

وقال، مقتبسا كلام الجنرال: «عندما تكون رئيسا، هل ستجعلني وزيرا للدفاع؟»

* خدمة «نيويورك تايمز»