مدينة هولندية تسعى لإنهاء «سياحة المخدرات»

ماستريخت تكسب الجولة الأولى من المعركة أمام محكمة العدل الأوروبية

TT

في إحدى الليالي الصيفية القريبة، كان مقهى «إيزي غوينغ كوفي شوب» الذي يملكه مارك جوزمانز يعج بالرواد، وامتدت صفوف الراغبين في شراء الماريغوانا والحشيش حتى ردهة الاستقبال، حيث وقف العملاء خلف حواجز زجاجية. كان غالبية المشترين من الشباب، لكن قليلين منهم كانوا هولنديين.

الملاحظ أن آلاف «سائحي المخدرات» يتدفقون على هذه المدينة الصغيرة الجميلة الواقعة جنوب شرقي هولندا يوميا، وتصل أعدادهم إلى مليونين سنويا، حسبما أشار مسؤولو المدينة. وهدفهم الوحيد هو زيارة مقاهي المدينة الـ 13، حيث يمكنهم شراء أنماط متنوعة من الماريغوانا بأسماء مثل «بيغ بد» و«أمنيزيا» و«غولدن بالم»، من دون خوف من الملاحقة القانونية.

إلا أنه أصبح بمقدور ماستريخت والمدن الهولندية الأخرى الواقعة على الحدود التخلي عن هذا العنصر الجاذب للسياحة الآن. وسعيا لتقليص حدة الاختناقات المرورية ومعدلات الجرائم المرتفعة، تحاول المدينة بجد لجعل الاستخدام المقنن للمخدرات سياسة تقتصر على الهولنديين فحسب، بما يعني فرض حظر على بيع المخدرات للأجانب الذين يعبرون الحدود لشراء المخدرات. أما مسألة ما إذا كانت قوانين التجارة الحرة الخاصة بالاتحاد الأوروبي ستسمح بذلك، فتمثل قضية أخرى.

وتجري مراقبة القضية، المعروضة حاليا أمام المحاكم، عن قرب من قبل خبراء قانونيين باعتبارها اختبارا لما إذا كانت محكمة العدل الأوروبية ستقر استثناء للقواعد التجارية المعمول بها، بحيث تسمح للمخاوف الأمنية لدولة ما بالتفوق على ضمانات الاتحاد الأوروبي بسوق موحدة حرة للسلع والخدمات.

من جانبهم، أكد مسؤولو المدينة أن شعورا بالفزع تملكهم أثناء مشاهدتهم سياسة التساهل حيال تعاطي المخدرات الرامية للحفاظ على سلامة الشباب الهولندي، والتي أقرت قبل فتح الحدود بين الدول الأوروبية بهذه الصورة الكبيرة بفترة طويلة، وهي تتشوه متحولة إلى شيء آخر مغاير تماما، حيث تحولت مدن مثل ماستريخت الواقعة على مسافة قريبة بالسيارة من بلجيكا وفرنسا وألمانيا، إلى مراكز كبرى لإمدادات المخدرات على المستوى الإقليمي.

والآن، تعاني ماستريخت من معدل جرائم يبلغ ثلاثة أضعاف المعدل بالمدن الهولندية الأخرى المشابهة في الحجم. وقال غيرد ليرز، الذي تولى منصب عمدة ماستريخت لثماني سنوات: «يفدون إلى المدينة بسياراتهم ويتسببون في كثير من الضوضاء، لكن الأمر الأسوأ هو أن هذه المجموعة الضخمة تعد هدفا جذابا للمجرمين الراغبين في بيع مخزوناتهم من المخدرات».

في السنوات الأخيرة، تضمنت الجرائم في ماستريخت، المدينة المتميزة بطرقها المغطاة بالأحجار ومبانيها ذات الطرز المعمارية التي تعود للقرون الوسطى، إطلاق نار على طرق سريعة، منها قاتل محترف بلغاري جرى استئجاره لقتل منتج منافس للمخدرات.

من جهته، اعتاد ليرز وصف فكرة حظر بيع المخدرات للأجانب بأنها بعيدة المنال، لكن في الشهر الماضي، فازت ماستريخت بالجولة الأولى على هذا الصعيد، وذلك بإصدار يفيز بوت، المحامي العام لمحكمة العدل الأوروبية، نتيجة مفادها أن «المخدرات، بما فيها الحشيش، ليست سلعا بالمعنى المتعارف عليه ولا يستفيد بيعها من حرية الحركة المكفولة طبقا للقانون الأوروبي». ووصف ليرز الحكم بأنه «مشجع للغاية»، بينما نظر إليه مالكو المقاهي من زاوية مغايرة. وقال جون ديكرز، المتحدث الرسمي باسم «اتحاد مالكي المقاهي في ماستريخت»، إن «من المستحيل أن تصمد هذه الفكرة لما تنطوي عليه من تمييز ضد مواطني الاتحاد الأوروبي الآخرين».

لكن إذا نجحت ماستريخت في الوصول لهدفها، فمن المؤكد أن الكثير من المدن الهولندية الأخرى ستعمد إلى الاحتذاء بحذوها. يذكر أنه العام الماضي، قررت مدينتان هولنديتان صغيرتان، روزندال وبيرغين أوب زوم، إغلاق المقاهي بهما بعد أن كشفت دراسة مسحية أن معظم روادها من الأجانب.

يضم «إيزي غوينغ كوفي شوب» جهاز كومبيوتر عند البوابة للتثبت من أوراق الهوية والتأكد من أن العملاء الذين يبلغون من العمر 18 عاما أو أكثر يجري تفتيشهم وتسجيلهم. ويجري عرض الصور الصغيرة في رخص القيادة على شاشة كبيرة، بحيث يتمكن الحراس من إمعان النظر بها. ووراء نوافذ مسؤولي الحسابات، يعكف عمال على تقطيع الحشيش بسكين مطبخ ضخمة. ويجري تسجيل جميع المبيعات على جهاز كومبيوتر.

ويعد الحكم الذي أصدره بوت الشهر الماضي خطوة مبكرة على طريق تحديد ما إذا كانت ماستريخت ستتمكن من فرض سياسة قصر بيع المخدرات على الهولنديين. ومن المتوقع صدور حكم قضائي نهائي بهذا الشأن بحلول نهاية العام.

إلا أن النتيجة التي خلص إليها بوت، التي كانت أشبه بخطبة مسهبة في شرور المخدرات، جاءت بمثابة مفاجأة للكثير من الخبراء القانونيين الذين توقعوا انتصار قواعد السوق المفتوحة التابعة للاتحاد الأوروبي على أي حجج مناصرة لفرض النظام العام، مثلما حدث في قضايا أخرى. فمثلا، اضطرت السويد، التي تتسم بتاريخ طويل في النضال ضد إساءة استخدام الكحوليات، إلى التخلي عن معظم قوانينها المناهضة للكحوليات والتي تقلص من ساعات افتتاح المتاجر التي تبيع الكحوليات ومبيعاتها، نظرا لأنه جرى النظر إليها باعتبارها اعتداء على التجارة الحرة.

وتكشف استطلاعات الرأي أن غالبية الهولنديين لا يزالون يعتقدون بضرورة وجود المقاهي التي تبيع المخدرات. يذكر أن هولندا كانت تضم في فترة من الفترات 1500 من تلك المقاهي، لكن العدد تراجع إلى قرابة 700 حاليا.

ويشير خبراء إلى أن جزءا كبيرا من الطابع الإجرامي المرتبط بهذه المقاهي يدور حول ما يصفه الناس هنا بمشكلة «الباب الخلفي»، حيث تتولى الحكومة تنظيم من يدخل إلى المقاهي، لكنها لم تقنن قط ولم تنظم كيفية حصول المتاجر على المخدرات التي تبيعها.

في السنوات الأخيرة، شكلت كميات المبيعات الهائلة للأجانب دفعة لزراعة القنب وأنواع المخدرات الأخرى داخل هولندا، والتي يرتبط الكثير منها بالجريمة المنظمة وعمليات غسل الأموال، حسبما أشار خبراء. يذكر أن حجم هذه الصناعة في هولندا يقدر حاليا بملياري دولار سنويا.

ويرى أنصار تقنين بيع المخدرات وأصحاب المقاهي أن محاولة تقييد قدرة الأجانب على شراء المخدرات ستشجعهم على شرائها بصورة غير قانونية من الشوارع، منوهين بأن تلك المقاهي تتسم بجوانب إيجابية أخرى منها أنها تدفع 450 مليون يورو سنويا ضرائب وتوفر الآلاف من فرص العمل. وأوضح ديكرز أن ملاك المقاهي يشعرون بتشكك بالغ حيال إمكانية سماح الاتحاد الأوروبي بفرض قيود على البيع تبعا لجنسية المشتري، وإنهم يشكون في أن حجة بوت ستصمد طويلا. وقال ديكرز: «نعلم أنه خاطئ».

* خدمة «نيويورك تايمز»