بارونات التعدين يقتحمون العمل السياسي في الهند

رغم تزايد الفضائح وشكاوى الفساد المرتبطة بنشاطهم الصناعي

قرويات يجمعن قطع الحديد الخام لشركة تعدين في منطقة بيلاري جنوب الهند («نيويورك تايمز»)
TT

أصر جاناردهانا ريدي على أنه ليس ملكا، وظل يردد كلمات النفي بينما كان أحد الخدم يقترب منه حاملا كوبا من الماء المثلج، ويقف رجال مدججون بالأسلحة بالخارج. وكان في انتظاره مهندس معماري لمناقشة تصميم قصره الجديد، في الوقت الذي كان يجلس رجل آخر على العشب بالجوار.

وأشار ريدي إلى الرجل الذي وقف وانحنى أمامه ثم سارع بالرحيل، قائلا: «هذا وزير الصحة على مستوى الولاية». ربما لا يكون ريدي ملكا، لكن المؤكد أنه يجسد ظاهرة جديدة في الاقتصاد السياسي الهندي، حيث يعد هو وأشقاؤه أقوى رؤساء شركات التعدين، في وقت تحولت أعمال التعدين غير القانونية إلى فضيحة وطنية، وفي خضم اتهامات بتعرض موارد تخص الملكية العامة وتقدر قيمتها بمليارات الدولارات للسرقة، غالبا على أيدي أشخاص يتقلدون مناصب رسمية في الدولة.

على مدار عقود، تولت المؤسسات المالية إمداد الأحزاب السياسية الهندية بالمال. ومع ذلك، تسبب بارونات التعدين الجدد، أمثال الإخوة ريدي، في خلط المال والسياسة على نحو أكثر فجاجة، في وقت خلق التعطش الشديد لخام الحديد في الهند، وبدرجة أكبر في الصين، ثروات كبرى.

والملاحظ أن فضائح مرتبطة بالتعدين تفجرت في خمس ولايات هندية على الأقل، مع تلقي السلطات أكثر من 20 ألف شكوى بوقوع أعمال تعدين غير قانونية على المستوى الوطني خلال الشهور الثلاثة الماضية. ويواجه سياسيون بولايات متعددة اتهامات بالتربح غير المشروع، بما في ذلك المسؤول الأول السابق عن ولاية جهارخاند، المتهم بالحصول على رشى ضخمة مقابل منح عقود استئجار مناجم.

والأسبوع الحالي، أشارت وسائل الإعلام الهندية إلى أن الحكومة المركزية تنوي فتح تحقيق حول أعمال التعدين غير المشروعة بمختلف أرجاء البلاد، في خطوة جرى اعتبارها الأولى من نوعها على طريق التغلب على إخفاقات سابقة في مجال تنظيم هذه الصناعة. هنا في ولاية كارناتاكا الجنوبية، تحول الجدال الدائر حول الإخوة ريدي إلى دراما سياسية وطنية تهدد بإسقاط حكومة الولاية، إلى جانب إشاعة حالة من الفوضى في أسواق الحديد العالمية.

وقد عمد الإخوة ريدي، الذي يؤكدون براءتهم مما نسب إليهم من اتهامات بإجراء أعمال تعدين غير قانونية، إلى تحويل أنفسهم من نشطاء مغمورين لصالح «حزب بهاراتيا جانات» الهندوسي القومي إلى زعماء سياسيين يتحكمون على نحو مباشر أو غير مباشر في ثلاث وزارات حكومية ويهيمنون على حكومة الولاية بضاحية بيلاري المتمتعة بأكبر مخزونات الحديد على مستوى الولاية.

وعلق راماتشاندرا غوها، المؤرخ الذي يعيش في بنغالور، على هذا الأمر بقوله: «لم يحدث من قبل أن اقتحم بارونات التعدين الحقل السياسي وسيطروا على الحكومة. لقد باتوا أشبه بملوك غير متوجين في المناطق التي يعيشون بها. وينطوي الأمر على قدر من التبجح يعد جديدا حتى بمقاييس الحياة السياسية الهندية».

يذكر أن ما أدى إلى هذا التحول ودفع شخصيات سياسية إلى دخول مجال التعدين، هو الارتفاع المستمر في أسعار خامات الحديد على امتداد العقد الماضي. من ناحيتها، خففت الهند صرامة قيودها على التصدير في الوقت ذاته تقريبا الذي كانت الصين تشهد أكبر موجة ازدهار في مجال التشييد في التاريخ، بلغت ذروتها في دورة الألعاب الأوليمبية عام 2008. وسمحت التطورات التقنية بتصدير مزيد من أنماط خامات الحديد، وشهدت أسعار الحديد بالنسبة للطن المتري ارتفاعا شديدا. وفي المناطق التي كان يجري بيع الطن المتري في يوم من الأيام مقابل نحو 17 دولارا، أصبح الآن يجري بيعه مقابل 130 دولارا تقريبا.

وقال إن سانتوش هيدج، القاضي السابق بالمحكمة العليا الهندية الذي يقود تحقيقا رسميا حول الفساد، يركز على أعمال تعدين غير قانونية في كارناتاكا: «لقد شجع هذا الوضع شتى الأفراد على اقتحام هذا المجال التجاري. وبالتالي، دخل أفراد لم تكن لديهم أي معرفة بالتعدين، لكنهم يتمتعون بالمال أو السلطة - وأي منهم يفلح - بمجال التعدين. لقد تحول الأمر فعليا إلى ما يشبه سباق الفئران». وخلص التحقيق الذي أجراه هيدج إلى أن 10 على الأقل من أعضاء البرلمان الهندي أو مجلس ولاية كارناتاكا يسيطرون على عقود التأجير بمنطقة بيلاري.

بحلول عام 2004، عندما حصل الإخوة ريدي على أول عقد إيجار يخصهم، ظهروا على الساحة كعناصر فاعلة على الصعيد السياسي. يذكر أن والدهم، جاناردهانا ريدي، كان يعمل في الشرطة واثنان من أشقائه كانوا من كبار مؤيدي مرشحة «بهاراتيا جاناتا»، سوشما سواراج، في سباق للانضمام إلى البرلمان المحلي عام 1999، وهو السباق الانتخابي الذي تحول إلى مواجهة ضد سونيا غاندي، زعيمة حزب المؤتمر الوطني الهندي.

وفازت سونيا في السباق، لكن الإخوة ريدي تمكنوا من تحويل معقل حزب المؤتمر في اتجاه حزب بهاراتيا جاناتا، وأصبحت سواراج، الزعيمة الحالية للمعارضة بالبرلمان، النصير الحامي لهم. ومن أجل تحقيق الثراء، تجاوز الإخوة ريدي حدود الاختلافات الحزبية وتحالفوا مع زاي. إي. آر. ريدي (وهو ليس من أقاربهم)، عضو حزب المؤتمر والمسؤول الأول عن ولاية أندهرا براديش. يذكر أن رخام الحديد يمتد على الحدود بين الولايتين، ونجح الإخوة ريدي في الحصول على عقود استئجار في الجانب الواقع داخل ولاية أندهرا براديش.

وبالفعل، ازداد ثراء الإخوة ريدي واشتروا طائرة مروحية، ومن المعتقد أنهم يتولون دفع تكاليف الكثير من الحملات الانتخابية. وفي عام 2008، قاموا بتمويل المرشحين الناجحين التابعين لبهاراتيا جاناتا الذين ساعدوا الحزب في السيطرة على حكومة ولاية كارناتاكا. وكمكافأة لهم، أصبح جاناردهانا ريدي وزير الولاية لشؤون السياحة، وأصبح شقيقه، كاروناكار، وزير شؤون العوائد، وشقيقه سوماشيكار رئيس اتحاد الألبان، وحليفهم الوثيق بي. سريرامولو وزير الصحة.

وخلال العام الماضي، عندما حاول المسؤول الأول عن الولاية، بي إس ييديورابا، فرض رسوم تبلغ نحو 21 دولارا على حمولة شاحنة من خام الحديد، قاد الإخوة ريدي ثورة داخل الحزب، حيث حشدوا تأييد المشرعين الموالين وهددوا بسحب تأييدهم الحكومة.

* خدمة «نيويورك تايمز»