ساركوزي يستعد لمواجهة الخريف الحار ويستغل مسائل الأمن والهجرة لاستعادة شعبيته

مشاريعه الأمنية تواجه انتقادات واسعة.. وزعيم الخضر يتهمه بتسخيرها لأغراض انتخابية

TT

تعود الحياة لتدب مجددا في شرايين الدولة الفرنسية مع مطلع الأسبوع القادم، بحيث تنتهي عطلة رئيسي الجمهورية والحكومة ويعود الوزراء إلى مكاتبهم واهتماماتهم. وبخلاف السنوات السابقة، فإن «العودة» الحالية تحل في ظروف «صعبة» سياسيا واقتصاديا واجتماعيا للرئيس نيكولا ساركوزي وحكومته وللأكثرية النيابية التي تدعمه. فمن جهة، من المنتظر أن يعمد ساركوزي إلى تغيير حكومي واسع ينتظر أن يطال رئيس الحكومة فرنسوا فيون الموجود في منصبه منذ انتخاب ساركوزي في ربيع عام 2007. ومن جهة أخرى، يتوجب عليه مواجهة الانتقادات الحادة التي تنصب على مشاريعه في ميدان الأمن والهجرة. وأخيرا، يتعين على الحكومة أن تتعامل مع الاحتجاجات الواسعة على مشاريعها الإصلاحية، وأولها إصلاح نظام التقاعد، حيث من المنتظر أن تدعو النقابات والاتحادات العمالية وهيئات أخرى كثيرة للتظاهر والنزول إلى الشارع والإضراب وذلك على خلفية ارتفاع معدلات البطالة وتجميد الرواتب واستمرار خفض أعداد الوظيفة العامة والآثار الاجتماعية لسياسة التقشف، فيما فضائح وزير العمل الحالي والمالية السابق اريك فيرت تسمم الأجواء وتنسف مصداقية الحكومة.

وفي الموضوع الحكومي، تتضارب التوقعات لجهة اسم رئيس الحكومة القادم بعد أن أخرج فيرت من المنافسة. وفي حال قرر ساركوزي تغيير الرئيس الحالي، فأكثر الأسماء المطروحة اليوم اسم ميشال اليو - ماري، وزيرة العدل الحالية وزيرة الداخلية والدفاع السابقة، ووزير البيئة جان لوي بورلو. ويتوقع أن تطال التعديلات وزاراتي الدفاع والخارجية، وأن تعكس نهاية مرحلة الانفتاح على اليسار والخضر التي مارسها ساركوزي في سنوات عهده الأولى، وبالتالي تشكيل حكومة تدير البلاد حتى الانتخابات الرئاسية في ربيع عام 2012، وتمكن ساركوزي أن يكون في وضعية تؤهله لخوض الانتخابات الرئاسية مرة ثانية والفوز بها.

ويريد ساركوزي أن يوفر له التغيير الحكومي انطلاقة جديدة تعيد إليه شعبيته الضائعة. وتفيد استطلاعات الرأي بأنه إذا أجريت الانتخابات غدا فإنه سيخسرها في الدورة الثانية لصالح المرشح الاشتراكي سواء كان سكرتيرة الحزب مارتين أوبري أو مدير صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس كان. لكن ساركوزي يعتمد خصوصا على خطابه اليميني المتشدد، وعلى «توجهاته» الجديدة في موضوعي الهجرة غير المشروعة والأمن، من أجل إعادة تعبئة معسكر اليمين واستعادة الأصوات التي تركته في الانتخابات الأوروبية والإقليمية الأخيرة، والعودة إلى «الأساسيات» التي وفرت له الفوز المرة الماضية.

ويمثل خطاب مدينة غرونوبل الذي ألقاه ساركوزي في 30 يوليو (تموز) الماضي برنامجا أوليا لحملته الانتخابية القادمة، إذ أكد أنه يريد خوض «حرب قومية» على اللاأمن بكل مظاهره، مطلقا رغبته في نزع الجنسية الفرنسية عن قتلة رجال الأمن أو ممثلي الدولة من الحاصلين الجدد على الجنسية الفرنسية. وجاء هذا الخطاب الذي ربط عمليا بين المهاجرين والإجرام عقب قراره إزالة أكثر من 300 مخيم غير مرخص به للغجر الذين درجوا منذ قرون على التنقل بين رومانيا، موطنهم الأصلي، والدول الغربية وأخصها فرنسا. وجاءت مواقف ساركوزي عقب أعمال عنف واسعة في غرونوبل ضد رجال الأمن حصلت بعد مقتل سارق صغير من أصول مغاربية، فيما جاء استهدافه الغجر بعد حادثة مشابهة.

وأمس، رحلت فرنسا جوا إلى رومانيا 93 غجريا، وهو أول إجراء من نوعه منذ طلب ساركوزي التشدد مع هذه المجموعة التي تتهم بالسرقة والتسول والإخلال بالأمن بشكل عام. وقال بريس هورتفو، وزير الداخلية، إن 700 غجري (من أصل نحو 15 ألفا موجودين على الأراضي الفرنسية) سيرحلون حتى نهاية الشهر الحالي. غير أن وزير الهجرة والهوية الوطنية بريس هورتفو نبه إلى أنه لا شيء يمنع هؤلاء من العودة إلى فرنسا لأن رومانيا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي ولمواطنيها الحق في التنقل الحر داخل الاتحاد. وكان لافتا أول من أمس بيان المفوضية الأوروبية الذي دعا فرنسا إلى التأكد من احترام كل المعايير في مجال حقوق الإنسان وحقوق الغجر تحديدا. ودعا هورتفو الاتحاد الأوروبي إلى «تعبئة قواه وموارده» لتنفيذ برنامج أوروبي لاستيعاب الغجر تعليميا واجتماعيا.

غير أن النائب الأوروبي وأحد قادة حزب «أوروبا - البيئة» دانيال كوهين بنديت شن هجوما عنيفا على ساركوزي متهما إياه بالقيام بـ«سياسات استعراضية»، وأنه «يستغل الموضوع الأمني لغايات انتخابية»، مذكرا بأنه مسؤول عن الأمن في فرنسا منذ ثماني سنوات. وندد كوهين بنديت بالحكومة التي «تلوح بعصا سحرية لا مفعول لها». أما بخصوص مشروعه الداعي لنزع الجنسية، فقد وصفه بأنه «عبثي» و«لا يمكن تطبيقه» واتهمه بـ«المزايدة الأمنية لتغطية عجزه السياسي».

وفي السياق عينه، انتقد رئيس الوزراء السابق آلان جوبيه السياسة الأمنية للحكومة خصوصا دعوات وزير الصناعة كريستيان أستروزي، وهو مع هورتفو أحد أقرب المقربين من ساركوزي، لمعاقبة رؤساء البلديات الذين لا يقومون بما يتوجب لمعالجة الملف الأمني. ورأى كثيرون في هذه الأقوال محاولة لتحميل السلطات المحلية تدهور الحالة الأمنية الداخلية التي تسمم حياة المواطنين. أما الحزب الاشتراكي الذي يبدو أن تركيز ساركوزي على موضوع الأمن يسبب له الإحراج، فقد ندد بالطلاق بين خطب الرئيس المتشددة وما يجري على الأرض، حيث تراجعت أعداد قوى الأمن بالآلاف. وتأتي كل هذه التعقيدات في أجواء من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب فرنسا والتي ستفرض نفسها الشهر القادم من خلال الإضرابات والمظاهرات المنتظرة. واستباقا لما سيجري، دعا ساركوزي إلى اجتماع طارئ اليوم في المقر الصيفي للرئاسة على المتوسط، للتباحث في الحالة الاقتصادية والمالية لفرنسا، بعد أن صدرت تنبيهات من مؤسسة التصنيف العالمية «موديز» للحكومة الفرنسية تحذرها من تخفيض تصنيفها بسبب الوضع الاقتصادي والعجوزات في صناديق المرض والتعويضات والميزانية، وتشدد على الحاجة الماسة لإصلاح نظام التقاعد الذي نقل إلى البرلمان الفرنسي. ولذا يراهن ساركوزي على الإسراع في إقرار المشروع المذكور الذي سيناقشه مجلس النواب في الأيام الأولى من سبتمبر (أيلول)، مما سيمكنه عقب ذلك من إجراء التعديل الحكومي. ويراهن ساركوزي كذلك على رئاسته لمجموعة العشرين ومجموعة الثماني الاقتصادية بدءا من نوفمبر (تشرين الثاني) القادم التي ستوفر له المنصة التي عبرها سيطل على المسائل العالمية. وبالطبع، يتوقع أن يتيح له كل ذلك استعادة شعبيته المفقودة، وأن يقارب الانتخابات القادمة من موقع قوي.