الجنود الأميركيون الباقون في العراق يشكون الملل.. وبعضهم يعتبر خدمته «مجرد وظيفة»

أحدهم عاد مؤخرا للمرة الرابعة إلى العراق ويقول: المهم أن مجموعتي لم تفقد أي جندي

جنود أميركيون على متن طائرة «سي - 17» في طريقهم إلى الولايات المتحدة من العراق (أ.ف.ب)
TT

شق السرجنت لوكاس سي تراميل، جندي المدفعية على إحدى الدبابات في الفرقة الثالثة مشاة الأميركية، طريقه إلى بغداد عام 2003. وعاد عام 2005، تاركا الدبابة ليشارك في دوريات المشاة في منطقة غير آمنة على الإطلاق في الرمادي، وعاد مرة أخرى عام 2007 كحارس شخصي لقائد إحدى الكتائب في بغداد. شارك تراميل في القتال وفقد بعض أصدقائه. وسعى إلى العلاج من اضطراب الضغط النفسي بعد الصدمة.

عاد تراميل إلى العراق للمرة الرابعة، كجزء من قوة مكونة من 50 ألف جندي فقط، التي لن تنخرط في القتال اعتبارا من 31 أغسطس (آب). ويعد تراميل من بين آلاف الجنود والضباط، الذين أصبح إرث العراق، مثل أفغانستان، بالنسبة إليهم بمثابة إعادة تقويم لما يعنيه أن يكون المرء أميركيا في الحرب في هذه الأيام.

وقضت الفرقة الثالثة مشاة أكثر من أربع سنوات في حرب استمرت سبع سنوات ونصف، وقد لا تكون انتهت بعد. ويتحمل هؤلاء الجنود بعيدا عن غيرهم من الأميركيين الأعباء الشخصية والمهنية لصراع فقد التأييد الشعبي الذي كان يحظى به في الداخل. وبالنسبة للذين يخوضون الحرب، فإن هذه الحرب في العراق ليست قضية مجد أو مغامرة، كما ذكر الإعلان القديم.

وفي هذه الأيام لم تعد هذه الحرب جدلا وطنيا في أميركا يثير الخلاف مثل فيتنام. إنها وظيفة. بل وحتى مع الإيقاف الرسمي لعمليات القتال في الشهر الحالي، فإنها وظيفة لا تزال غير منتهية - حيث إن عشرات الآلاف من القوات سيمكثون في البلاد لعام آخر على الأقل - وتعتبر أيضا وظيفة، شأنها شأن كثير من الوظائف، تثير عاطفة كبيرة فقط بين الذين يقومون بها.

ويقول السرجنت تريفينو لويس، الذي كان يجلس خارج صالة للألعاب الرياضية في «كامب ليبرتي»، وهي قاعدة تقع بالقرب من مطار بغداد: «لقد تعب كثير من الأميركيين من هذه الحرب.. أما بالنسبة لي فهي وظيفتي. إنها مهنتي». وسرد لويس المبررات المتغيرة للحرب، بداية من أسلحة الدمار الشامل التي لم تكن موجودة للإطاحة بصدام حسين من الحكم إلى إرساء الديمقراطية.

لقد خلف الغزو نظاما ديمقراطيا لكنه نظام ناشئ ومضطرب مع غياب السيطرة المؤكدة على أمنه ومصيره.

وفي إحدى الليالي في قاعدة «كامب كربلاء»، التي تقع خارج مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة، تساءل تراميل: «هل أعتقد أن الأطفال الذين يلهون حولنا هنا ينتظرهم مستقبل أفضل؟»، وقال: «بصراحة، إنني لا أبالي.. وفي نهاية المطاف، عندما أعيد النظر إلى الأمر، فإنني لم أفقد أي جندي في مجموعتي. وهذا هو الأمر المهم بالنسبة إلي».

وبالنسبة للجنود والضباط في الفرقة الثالثة مشاة بالجيش، أصبحت الحرب في العراق شيئا لم يتصوره في الحقيقة أحد عندما عبرت الفرقة الحدود الكويتية ليلة 19 مارس (آذار) عام 2003.

ومن بين عشرات الجنود الذين أجريت معهم مقابلات بشأن مسار نشرهم ضمن القوات، قال كثيرون إن الحرب تستحق التضحيات الشخصية التي قاموا بها، أو التضحيات الكبرى للجرحى والقتلى. وبالنسبة للبعض، فقدت الحرب بمرور الوقت حس الهدف الوطني، أو التضحية الوطنية، التي قد تكون ساعدت على تخفيف الصعوبات التي واجهت الأفراد الذين طلب منهم خوضها.

«لم أحضر ميلاد طفلي»، هكذا قال السرجنت كريستوفر شيرمر في حين كان واقفا في الحراسة خارج مبنى البلدية المحصن في قرية الشورة شمالي العراق، التي لم تتوقف فيها أعمال التمرد على الإطلاق. وقال أيضا إنه خسر زواجه.

ويرتدي شيرمر شيئا يذكر بالثمن الأكبر الذي دفعه آخرون: سوار محفور عليه اسم السرجنت بول سميث والتاريخ الذي مات فيه، وهو 4 أبريل (نيسان) عام 2003، والتاريخ الذي حصل فيه على وسام الشرف. وكان شيرمر هناك في ذلك اليوم وتحدث إليه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. وقال شيرمر: «أريد حياة طبيعية والاستمتاع بالأشياء التي دفع العراق ثمنها».

ومن شدة القتال أثناء الغزو والسنوات المضطربة التي أعقبته، تعد المهمات في العراق في هذه الأيام أكثر سلما، مما يعكس التحول من القتال إلى الدور الاستشاري الذي سيقوم به 50 ألف جندي حتى نهاية عام 2011. وفي حين لا يزال الجنود ينظفون الطرق من العبوات الناسفة ويجوبون المناطق الريفية بحثا عن المتمردين، فإن المهمات في هذه الأيام تنطوي في الغالب على اجتماعات مع ضباط محليين أو موظفين في الدولة.

وقال السرجنت رودني مارتن، وهو عضو في مجموعة شيرمر: «إنها لا تستحق الرحلة تقريبا. إن الأمر الآن متعلق أكثر بالسياسة».

وحاول السرجنت مارتن ترك الخدمة بعد فترة عمله الثانية في العراق، لكنه أجبر على البقاء نظرا للسياسة المعروفة باسم «إيقاف الخسائر». وكانت الكتيبة الأولى في الفرقة الثالثة مشاة في الحقيقة الوحدة الأخيرة في الجيش التي تم استثناؤها من هذه السياسة، التي تم إلغاؤها في الوقت الذي خفت فيه ضغوط الجنود على الجيش مع خفض عدد القوات في العراق من 170 ألف جندي. ومع ذلك، وبحلول الوقت الذي كان من الممكن للسرجنت مارتن المغادرة فيه، تمت إعادة تجنيده، والآن يعود مرة أخرى. وفسر ذلك قائلا: «الأمور المالية لم تكن جيدة على الإطلاق». وأضاف: «أعتقد أننا قمنا بكل ما نستطيع القيام به الآن. أشعر بالإرهاق إلى حد ما من كثرة العمل».

كما يشتكي بعض الجنود الأصغر سنا، علما بأن نصف أعضاء أي كتيبة من كتائب الفرقة الثالثة مشاة تقريبا من الجنود المستجدين، حيث يأتون إلى العراق للمرة الأولى. البعض يتوق توقا شديدا إلى أعمال الغزو أو رفع عدد القوات، ويسأمون الهدوء النسبي في العراق في هذه الأيام. وقال السرجنت مارتن: «لقد أخبرتهم بكيفية وصولنا إلى هذه النقطة وأنه لم يكن أمرا سهلا».

*خدمة «نيويورك تايمز»