مفاوضات بين تل أبيب وواشنطن لإيجاد صيغة توفيقية لمشكلة البناء الاستيطاني

ليبرمان يهدد بالانسحاب من الحكومة ومصادر تتهمه بالتآمر مع نتنياهو

البناء الاستيطاني متواصل في مستوطنة جبل ابو غنيم (هار حوماة) جنوب القدس رغم الحديث عن تجميد البناء، امس (ا ب)
TT

كشفت مصادر سياسية في إسرائيل أن الإدارة الأميركية تجري محادثات مكثفة مع إسرائيل على أكثر من مستوى لإيجاد صيغة توفيقية لموضوع البناء الاستيطاني، حتى لا تنفجر المفاوضات المباشرة بعد 3 أسابيع على استئنافها. فهي تخشى أن تنفذ الحكومة الإسرائيلية قرارها باستئناف البناء الاستيطاني في 26 سبتمبر (أيلول) المقبل، فينسحب الفلسطينيون احتجاجا على ذلك، علما بأن حزب إسرائيل بيتنا هدد في الأيام الأخيرة بالانسحاب من الحكومة إذا لم يستأنف البناء. وانسحابه يعني سقوط الحكومة.

وأكدت هذه المصادر أن المحادثات الإسرائيلية الأميركية الأساسية تتم عبر قناة سرية بمشاركة وزير شؤون المخابرات، دان مريدور، وهو أحد الوزراء السبعة الذين اختارهم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ليكونوا قيادة عليا في الشؤون الاستراتيجية. ومع أنه من حزب الليكود، فهو معروف باعتداله وتأييده لاستمرار تجميد البناء الاستيطاني في سبيل إنجاح المفاوضات.

وفي قناة ثانية، سافر المحامي يتسحاق مولخو، مستشار نتنياهو للشؤون الفلسطينية والمفاوض الرئيسي باسمه مع الفلسطينيين، إلى واشنطن، وهو يجري محادثات هناك. يضاف إلى ذلك اتصالات هاتفية شبه يومية بين مكتب نتنياهو ووزارة الخارجية الأميركية.

وقال الناطق بلسان الخارجية الإسرائيلية، يغئال بلمور، إن موضوع الاستمرار في تجميد البناء الاستيطاني لفترة أخرى بعد مرور الشهور العشرة هو مسألة صعبة للغاية ومن شأنها أن تحدث تعقيدات داخلية بين الحكومة وأحزابها وبين ناخبيها، «خصوصا أن هذا التجميد بدأ منذ 8 أشهر ولم يحظ بالتقدير الإيجابي من طرف الفلسطينيين، ولم يفعلوا شيئا من طرفهم لإظهار تقديرهم له». وأضاف: «كلما تقدمنا باقتراح جديد في إطار إبداء حسن النية، وجدنا الفلسطينيين يطلبون المزيد من دون أن يبادلونا بخطوات مماثلة». واعتمادا على تبريرات مشابهة، ذكرت مصادر في حزب إسرائيل بيتنا بقيادة وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، أن الاستمرار في تجميد البناء في المستوطنات يشكل خطا أحمر وأن هذا الحزب سينسحب من الائتلاف الحاكم وسيصوت مع نزع الثقة من الحكومة إذا لم تعلن جهارة أمام العالم أنها تستأنف البناء في المستوطنات وفي القدس، حالما تنتهي مدة التجميد في 26 سبتمبر. ويعني هذا التهديد سقوط حكومة نتنياهو، لأن هذا الحزب يتمثل في الكنيست بـ15 نائبا من مجموع 120. وانسحابه سيجعل الائتلاف بأقلية، خصوصا أن حزب البيت اليهودي، وهو حزب صغير يدعم المستوطنين، كان قد قرر الانسحاب من الائتلاف إذا لم يستأنف البناء.

ورأت قوى المعارضة اليسارية في هذه التهديدات لعبة يمينية مفضوحة، وادعت أنها تهديدات صورية اتفق نتنياهو حولها مع ليبرمان، حتى يخفف الأميركيون ضغوطهم.

وحسب مصادر مقربة من رئيس الحكومة، فإن الولايات المتحدة توجهت إلى عدد من الشخصيات السياسية النافذة في إسرائيل تطلب منها اقتراحات ونصائح حول الصيغة التي ترضي الفلسطينيين من جهة وترضي اليمين الإسرائيلي الحاكم من جهة ثانية. وأن الغالبية الساحقة من السياسيين والمستشارين الاستراتيجيين الذين توجه الأميركيون إليهم رأوا من الضروري التوصل إلى حل وسط يرضي أو يغضب الطرفين على السواء.

واقترح الوزير مريدور أن يتم إدخال موضوع البناء في المستوطنات كأحد مواضيع التفاوض في المفاوضات المباشرة. فإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حولها حتى 26 سبتمبر، يستأنف البناء، وتستمر المفاوضات. وفي وقت لاحق، يقترح مريدور أن يتم تقسيم المستوطنات إلى قسمين: الكتل الاستيطانية التي تطالب إسرائيل بضمها إلى إسرائيل في أي تسوية دائمة للصراع وتقترح تعويض الفلسطينيين عنها بمناطق أخرى من تخوم إسرائيل، وهذه يتاح فيها استئناف البناء الاستيطاني، والمستوطنات القائمة في قلب الضفة الغربية، التي يتفق على الاستمرار في تجميد البناء الاستيطاني فيها.

واقتنعت واشنطن بفكرة مناقشة التجميد الاستيطاني خلال المفاوضات. وجاء هذا التصريح على لسان فيليب كراولي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ردا على تصريحات عدد من المسؤولين الفلسطينيين بأن استئناف البناء الاستيطاني سيعني وقف المفاوضات المباشرة.

يذكر أن المفاوضات المباشرة ستبدأ في الثاني من سبتمبر المقبل، أي في الأسبوع المقبل، في واشنطن على مستوى القمة. وتبدو هذه المفاوضات بالنسبة لحكومة نتنياهو عبئا ثقيلا، تسعى للتخلص منه شرط أن لا يتهمها العالم بالمسؤولية عن إفشالها. فهي تسعى لإلقاء تبعة الفشل على الفلسطينيين.