المغاربة «ينبشون» قبور ضحاياهم في الحرب الأهلية الإسبانية.. ومركز مغربي يقدر عددهم بربع المليون

تجاوب من ثاباتيرو.. وشركة إسبانية تعتزم إجراء بحث حول مقابر جماعية

TT

تعتزم شركة دراسات إسبانية الشروع في إجراء أبحاث مركزة حول المقابر الجماعية للمغاربة، الذين سقطوا خلال الحرب الأهلية الإسبانية، ما بين عامي 1936 و1939، وذلك بعد أن وافقت، مؤخرا، الحكومة الإسبانية على طلب «مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل» المغربي بإعطائه منحة مالية مهمة من أجل إجراء أبحاث حول هذا الموضوع، وهي مبادرة غير مسبوقة.

وتشير الإحصاءات الإسبانية الرسمية إلى أن عدد الضحايا المغاربة، الذين شاركوا في تلك الحرب يبلغ 80 ألفا، لكن المركز يقدر عددهم بـ250 ألفا من بينهم 10 آلاف طفل، شاركوا في الحرب، معظمهم من المغاربة البسطاء المنحدر أغلبهم من قرى في شمال المغرب.

وقال عبد السلام بوطيب، رئيس المركز إن شركة «كندور جيو» الإسبانية التي تعاقد معها المركز، ستقوم بالتحليلات الجينية للضحايا والتصوير المغناطيسي والجوي للمناطق المشكوك في احتوائها على رفات الضحايا، من أجل تحديد المقابر الجماعية والفردية للمغاربة، الذين شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية، ويبلغ عددها 11 مقبرة، خمس منها مقابر جماعية تم تحديد موقعها، استنادا إلى المصادر التاريخية، وست مقابر أخرى عبارة عن مقابر جماعية وفردية موجودة داخل المقابر الرسمية بإسبانيا.

وأضاف بوطيب لـ«الشرق الأوسط» أن الشركة المذكورة ساعدت المركز في إنجاز ملف تقني ومهني مقنع حول الموضوع، قدم للحكومة الإسبانية، وعلى أساسه وجه المركز رسالتين: الأولى إلى عباس الفاسي، رئيس الوزراء المغربي، والثانية لخوسيه لويس ثاباتيرو، رئيس الحكومة الإسبانية، الذي تلقينا منه جوابا في مدة لا تتعدى شهرا، في حين ما زلنا حتى الآن ننتظر رد الفاسي حول موقف الحكومة المغربية من إقحام عدد كبير من المغاربة في تلك الحرب، دون أن يعرف مصيرهم ولا أين دفنوا؟ مشيرا إلى أن المغاربة لم يشاركوا فقط إلى جانب الانقلابيين بقيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو، بل وكذلك إلى جانب الجمهوريين.

وأوضح بوطيب أنه لا توجد حتى الآن أي مبادرة حكومية لفتح هذا الملف، مضيفا أن الوثيقة الوحيدة حول هذا الموضوع عبارة عن فيلم وثائقي اسمه «الخاسرون» أنجزه إدريس الدباغ، وهو مخرج مغربي مقيم في برلين بألمانيا.

وقدر بوطيب عدد المغاربة الذي سقطوا في تلك الحرب ما بين 200 ألف و250 ألفا، بدليل أن بعض القرى في شمال المغرب لم تجد وقتها، أي عام 1937، رجلا واحدا لذبح أضحية العيد، حسب قوله، حيث كان سكان تلك القرى أمام خيارين، إما أن يذهبوا طواعية أو مرغمين.

وردا على سؤال حول المسؤول عن تشجيع المغاربة، آنذاك، للمشاركة في تلك الحرب، قال بوطيب إن هناك موقفين، الأول واضح وصدر عن الملك الراحل محمد الخامس، الذي أمر بمنع ذلك، والثاني مبهم ويشير إلى أن أفرادا من الحركة الوطنية سهلوا، أو تورطوا، في تلك العملية.

وأضاف أن أولى الخطوات التي يهدف من ورائها المركز لإثارة هذا الملف، هي معرفة الحقيقة، أي الإجابة عن سؤال: من أمر ومن نفذ ومن استفاذ من تجنيد المغاربة في تلك الحرب؟ وأيضا المطالبة بجبر الضرر الفردي، حيث توجد حاليا عائلات هؤلاء الجنود المغاربة ممن يعيشون أوضاعا اجتماعية مزرية نتيجة الفقر في مدن تطوان وطنجة ومليلية. وزاد قائلا إن عددا من الذين شاركوا في تلك الحرب يتقاضون مبلغا زهيدا، عبارة عن 5 يورو في الشهر. أما فيما يخص جبر الضرر الجماعي، فيهدف لضمان عدم تكرار ما حدث وحفظ الذاكرة المشتركة، ثم تأتي المرحلة الأخيرة، وهي: هل نكتفي بقبول تعويض عن الضحايا، أم نرفع القضية إلى المحاكم الدولية، باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، وهذا نقاش آخر، حسب تعبيره. وأوضح بوطيب أنه «عندما بدأنا نحصي الإشكالات التي لدينا مع إسبانيا فيما يخص مجال الذاكرة المشتركة وجدنا أربع قضايا تخص هذا المجال، وتتعلق بإقحام المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية، واحتلال مدينتي سبتة ومليلية، وقصف الريف بالغازات السامة، والدين التاريخي الاستعماري الإسباني للمغرب»، حسب تعبيره، مشيرا إلى أنه في عام 2008 عقد المركز ندوة كبيرة حول موضوع إقحام المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية، كان من أبرز نتائجها، البدء في الخطوات العملية لتنفيذ آلية العدالة الانتقالية، والمتمثلة في البحث عن الحقيقة. وتم إجراء عدة اتصالات مع خبراء ومهتمين بهذا الموضوع. يذكر أن الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي، كان قد كشف في يناير (كانون الثاني) الماضي في البرلمان، أن عدد المحاربين المغاربة الذين سقطوا خلال الحرب الأهلية الإسبانية يعرف تباينا في الأرقام، مشيرا إلى أنه ليس هناك توافق فيما يخص أعداد المحاربين المغاربة، الذين ينحدرون من المنطقة الشمالية ومن الأقاليم الجنوبية الصحراوية، حيث تتحدث بعض المصادر عن 130 ألف شخص، وأخرى عن 100 ألف شخص، في حين تقدر المصادر الإسبانية عددهم بنحو 80 ألف شخص، من بينهم 9 آلاف طفل، حسب بعض التقديرات.

وأضاف الفاسي الفهري أنه، حسب تقديرات الجمعية الوطنية لقدماء المحاربين، فإن من بقي على قيد الحياة من هؤلاء المحاربين في المنطقة الشمالية يقدر بـنحو 1350 شخصا، أما بالمنطقة الجنوبية، فبلغ عددهم 600 شخص.

وتقول روايات إنه لإغراء المغاربة البسطاء للذهاب إلى إسبانيا لخوض حرب لا تعنيهم بالمرة، كان يتم في شمال المغرب تقديم مبلغ مالي للمجند يوازي وزنه، فكلما كان المجند قوي البنية يمنح مبلغا أكبر.