جنرال أميركي يشتكي من الأمية وسط الجنود الأفغان

واشنطن وكابل تتبادلان اتهامات الفساد

TT

بينما تبادلت الحكومتان الأميركية والأفغانية اتهامات الفساد في أفغانستان، شكك مسؤولون أميركيون في قدرة القوات الأفغانية على المحافظة على الأمن بعد بداية انسحاب القوات الأميركية في السنة القادمة. واشتكى جنرال أميركي من انتشار الأمية وسط الجنود ونتائج ذلك على قدراتهم العسكرية. وقال سياسيون أفغان إن القوات الأفغانية لن تقدر حتى على حماية الانتخابات القادمة، ناهيك بحماية أفغانستان. وأمس قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن حكومة أفغانستان «تتحدى الحكومة الأميركية بأن توقف الفساد الذي قالت إنه استشري في عقودات الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع الأميركية مع شركات أفغانية وأجنبية».

وأشارت الصحيفة إلى تصريحات وحيد عمر، المتحدث باسم الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، أول من أمس، التي قال فيها إنه من بين كل مائة مليون دولار دخلت أفغانستان، تسيطر الحكومة الأميركية وحكومات حلف الناتو على ثمانين في المائة منها. وقال: «لهذا، على هذه الحكومات أن توقف الفساد الذي تتهم حكومة أفغانستان به». وقال المتحدث: «استشرى الفساد في عقودات مع أفغان صاروا أثرياء بصورة لا تصدق». وأضاف: «نريد من المجتمع الدولي أن يعمل معنا، مع حكومة أفغانستان، لوقف هذا الفساد من جذوره، وأن نستهدف مصدر الفساد. صار واضحا أن جزءا كبيرا من الفساد سببه العقودات الأجنبية». ولاحظ مراقبون في واشنطن أن هذه التصريحات جاءت بعد أيام قليلة من اجتماع بين الرئيس الأفغاني كرزاي والسناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي. وقد شدد كيري على أهمية وقف ما سماه «الفساد الذي استشرى والذي تتحمل حكومة أفغانستان مسؤوليته».

مع تبادل هذه الاتهامات حول الفساد بين الحكومتين الأميركية والأفغانية، أكد مسؤول عسكري أميركي أن القوات الأفغانية لن تكن قادرة على تسلم المهام الأمنية من القوات الأميركية وقوات حلف الناتو هناك. من جهته أوضح بيل كلادويل، الجنرال الأميركي المسؤول عن تدريب قوات الشرطة والجيش الأفغاني، أنه من غير المتوقع أن تكون هذه القوات جاهزة لتسلم المهام الأمنية في أكتوبر (تشرين الأول) في العام المقبل، حيث تأمل قوات الناتو أن يرتفع عدد القوات الأفغانية إلى أكثر من ثلاثمائة ألف جندي.

وأضاف كلادويل، في مؤتمر صحافي نقل عبر الأقمار الفضائية من العاصمة كابل، أن القوات الأفغانية لا تزال قيد الإعداد والتدريب عددا وعتادا. وحدد كلادويل عقبات رئيسية تواجه برامج إعداد وتدريب القوات الأفغانية، مثل: ارتفاع الهروب من صفوف هذه القوات، وانتشار الأمية بين الجنود. وقال إن نسبة الهروب خلال سنة واحدة بلغت 23% في صفوف الجيش و16% في صفوف الشرطة. ولأسباب كثيرة، أهمها الشكوى من الخدمة، وعدم الترقي، وأن معظم الهاربين يجدون أجورا مغرية في الشركات الأمنية.

وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن تصريحات كلادويل تعزز ما سبق وأشار إليه مسؤولون أميركيون قللوا من احتمال تنفيذ انسحاب كبير للقوات الأميركية من أفغانستان في الموعد الذي أعلن عنه الرئيس باراك أوباما، وهو صيف السنة القادمة لبداية الانسحاب. وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي، كان أشار إلى أن عدد القوات التي سيتم سحبها من أفغانستان سيكون متواضعا. لكنه أشاد بقيام القوات الأفغانية بدور أمني أساسي في بعض «الجيوب المعزولة». وتعهد بدعم لوجيستي وميداني للمساعدة على تثبيت الأمن والنظام.

وفي نفس الوقت عبر نواب أفغان عن خشيتهم من أن الوضع الأمني الراهن قد لا يساعد على إجراء الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في الشهر القادم. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية تصريحات النائب فضل الله مجددي أنه «ليس ممكنا إجراء الانتخابات دون استقرار أمني يكفل نجاح هذه العملية السياسية».

وقالت مصادر أميركية تعليقا على تصريحات الجنرال كلادويل إن التصريحات «تؤكد التحدي الذي يواجه الرئيس أوباما، وهو يحاول أن يغير اتجاه حرب استمرت تسع سنوات، وتدهورت على أرض المعركة، وصارت غير مقبولة تماما وسط الشعب الأميركي».

لكن نقلت الصحيفة الأرقام التي أعلنها الجنرال كلادويل، ومنها أن قوة القوات المسلحة الأفغانية وصلت إلى 130 ألف جندي، ويتوقع أن تصل إلى 170 ألفا بعد سنةـ وأن قوات الشرطة وصلت إلى 115 ألف شرطي، ويتوقع أن تصل إلى 130 ألفا في السنة القادمة.

لكن ركزت الصحيفة على جوانب سلبية من تصريحات الجنرال كلادويل، قال فيها: «لا نريد أن نخرج جنودا وشرطة في مستوى المدرسة الثانوية. نريدهم أن يقدروا على أداء واجباتهم العسكرية». وقال إن الأمية مشكلة كبيرة تواجهه، وإن أغلبية الجنود لا يعرفون القراءة والكتابة، وبالتالي لا يعرفون حتى أرقام البنادق التي صرفت لهم. لهذا بدأت القوات الأميركية برنامجا لمحو الأمية وفيه الآن ثلاثون ألف جندي، ويتوقع أن يزيد العدد إلى مائة ألف جندي في السنة القادمة. وقال الجنرال كلادويل: «نريد أن نعطي كل جندي أربعة قمصان وثلاثة بنطلونات وزوجين من الأحذية، ونكتب له ذلك على ورقة. لكنه لا يستطيع أن يقرأ ذلك». واشتكى الجنرال كلادويل من مشكلة صرف رواتب الجنود، التي، حسب القوانين العسكرية الأميركية، تصرف إلكترونيا عن طريق بطاقة تأمين وحساب إلكتروني في بنك. وقال إن راتب الجندي ارتفع مؤخرا إلى مائة وسبعين دولارا. وإلى ضعف ذلك تقريبا للذي يحارب فعلا في المعارك ضد طالبان و«القاعدة».

وقال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أول من أمس أمام محاربين قدامى إن مهمة دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة في النزاع الأفغاني لا تزال واعدة، معتبرا أنه من المبكر للغاية وصفها بالفشل. وأضاف بايدن في كلمة له في إنديانابوليس بولاية إنديانا، أمام متطوعين للحروب الأميركية في الخارج، أن تاريخ يوليو (تموز) 2011 المحدد لبدء انسحاب القوات الدولية من أفغانستان لا يعني أن الولايات المتحدة ستترك البلاد، بل إن الصلاحيات سيتم إيكالها تدريجيا إلى قوات الأمن الأفغانية.

وتابع: «لا تصدقوا التصريحات القائلة إننا فشلنا في أفغانستان. بدأنا لتونا في الانطلاق مع الجنرال الجيد والعدد الجيد من الجنود نحو تحقيق أهدافنا»، في إشارة إلى القائد الأميركي الجديد للقوات الدولية في أفغانستان الجنرال ديفيد بترايوس. وأشار بايدن إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما رفع عدد الجنود الأميركيين في أفغانستان بواقع ثلاثة أضعاف منذ دخوله البيت الأبيض مطلع عام 2009، مما زاد عديد هذه القوات إلى 100 ألف جندي حاليا. وأكد أن الولايات المتحدة تحقق «تقدما ملحوظا» في سبيل تحقيق هدفها بتفكيك شبكة القاعدة في أفغانستان، بفضل تعزيز الوجود العسكري في البلاد.

وفي معرض حديثه عن مهلة يوليو 2011 المحدد للبدء بالانسحاب، أوضح بايدن أن تحديد مهلة زمنية كان ضروريا ليعي المسؤولون الأفغان أن عليهم تولي زمام الأمور في ما يتعلق بالمسؤوليات الأمنية. وأشار الجنرال كلادويل إلى أن تجنيد الشرطيين والعسكريين الأفغان تم في وقت أسرع من المتوقع، إلا أن الجهود لتعزيز الأمن تواجه عقبات مردها إلى التآكل المستمر لعديد هذه القوات ومعدل الأمية الذي يتخطى الـ80% لدى الجنود. وقال: «إذا كان جندي لا يجيد القراءة، فكيف سيمكنه معرفة نوع التجهيز الذي يجب عليه امتلاكه وكيفية صيانته؟ إذا كان شرطي لا يحسن قراءة الأرقام فكيف سيمكنه معرفة الرقم التسلسلي للسلاح الذي بحوزته؟».

ومنذ استلامه مهامه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، وضع الجنرال كلادويل في تصرف المتطوعين الأفغان برامج تعليمية تهدف إلى تلقينهم مفاهيم أساسية، منها كتابة أسمائهم ومعرفة قراءة أرقام متسلسلة. وأشار إلى أن تآكل عديد قوات الأمن الأفغانية بفعل مغادرة البعض، أو بسبب الوفيات، أو لكون البعض لا يجددون عقودهم، يشكل «عدوا متأصلا» ويعتبر التهديد الأول لاستمرارية هذه القوات. ولفت إلى أن معدل التراجع في عديد القوات الأفغانية بين مارس (آذار) 2009 ومارس 2010 وصل إلى 23% في صفوف الجيش، و16% بالنسبة للشرطة.