ماذا لو نظر الأجانب إلى أميركا على أنها دولة مصدرة للإرهاب؟

وثيقة سرية جديدة ينشرها «ويكيليكس».. و«سي آي إيه» تقلل من أهميتها باعتبارها ورقة تحليلية لـ«الخلية الحمراء»

TT

قللت أمس متحدثة باسم وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) من أهمية تقرير سري كشفه «ويكيليكس»، موقع الإنترنت الذي كشف في الشهر الماضي أكثر من تسعين ألف وثيقة سرية تابعة للقوات الأميركية في أفغانستان. وقالت المتحدثة: «هذا نوع من التقارير التي نسميها (ريد سيل) (خلية حمراء)»، إشارة إلى أنها تقارير ليست رسمية، ولا تعبر عن رأي الوكالة.

وكان موقع «ويكيليكس» كشف تقريرا عنوانه «ماذا لو نظر الأجانب إلى الولايات المتحدة على أنها دولة تصدر الإرهاب؟»، وقال إن مصدره هو رئاسة «سي آي إيه» في ماكلين، ضاحية قرب واشنطن، في ولاية فرجينيا.

وحسب التقرير، حلل خبراء احتمالات انطلاق حركات إرهابية من داخل الولايات المتحدة. وقالوا إنهم يتوقعون أن تزيد. وأشاروا إلى حالات سابقة قليلة، منها ما حدث في السنة الماضية عندما اعتقلت الشرطة الأميركية ديفيد هيدلي، أميركي باكستاني (من ناحية أمه)، وكان يزمع السفر إلى أوروبا للتخطيط لانفجارات هناك.

في بداية هذه السنة، اعترف هيدلي بأنه تعاون مع منظمة العسكر الطيبة الكشميرية، التي تضعها الحكومة الأميركية في قائمة الإرهاب، وتدين عملياتها العسكرية ضد القوات الهندية في كشمير.

وحسب أوراق محاكمة هيدلي، فقد اشترك في التخطيط لهجوم سنة 2008 في مومباي، في الهند، الذي قتل فيه 160 شخصا. واستغل جواز سفره الأميركي، وتنقل بين دول كثيرة من دون الشك في هويته.

وأشار التقرير السري إلى ما حدث سنة 1994، عندما سافر باروخ غولدشتاين، طبيب أميركي يهودي، من نيويورك إلى إسرائيل. وفي نفس سنة وصوله إلى إسرائيل انضم إلى منظمة «كاخ» اليهودية المتطرفة، وقتل 29 شخصا كانوا يصلون في المسجد الإبراهيمي في الخليل. في ذلك الوقت، وبسبب ذلك، عمت الأراضي المحتلة مظاهرات وأعمال عنف، زادت من أسهم منظمة حماس، التي كانت جديدة وصغيرة.

وحسب التقرير، يريد المسؤولون الأميركيون أن يحتاطوا لمثل هذه النشاطات الإرهابية التي يقوم بها مواطنون أميركيون، بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية.

ولم يشر التقرير إلى حوادث أخرى، منها خطة الأميركي الباكستاني شاه زاد لتفجير سيارة قرب نيويورك، ومنها دور الأميركي اليمني أنور العولقي في تدريب وتشجيع النيجري عمر الفاروق عبد المطلب. وذلك لأنهم كانوا يخططون لتفجيرات داخل الولايات المتحدة.

ولا يعرف إذا أشار التقرير إلى زيادة عدد الأميركيين الصوماليين الشباب الذين سافروا إلى الصومال، وانضموا إلى منظمة الشباب، التي تضعها الحكومة الأميركية في قائمة الإرهاب.

وحسب التقرير، «إذا زاد عدد الأميركيين الذين يشتركون في أعمال إرهابية في الخارج، سيزيد الاهتمام بهم، وستزيد محاولات تقليدهم، والاستفادة من خبراتهم». وأضاف: «ربما ستطلب حكومات من الحكومة الأميركية تسليمها ما تصفهم بالإرهابيين. وإذا رفضت الحكومة الأميركية، فلا بد أن تتوتر علاقاتها مع هذه الحكومات».

وأضاف: «إذا حدث هذا، فربما ستخطط حكومات أجنبية لخطف مواطنين أميركيين ترى أنهم إرهابيون»، وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إنه في سنة 2001، بعد هجوم 11 سبتمبر (أيلول)، أمر جورج تينيت، مدير «سي آي إيه» بتأسيس ما سماه «ريد سيل» (خلية حمراء)، وهو عبارة عن قسم للخبراء الذين يجب ألا يلتزموا بآراء ومعلومات «سي آي إيه»، بهدف تقديم دراسات محايدة أو شبه محايدة.

وأمس، قالت المتحدثة باسم «سي آي إيه»: «كان الهدف هو التفكير خارج الصندوق، خارج التفكير التقليدي». وقالت إن من بين هذه الوسيلة ظهرت فكرة توقع أن تصدر الولايات المتحدة الإرهاب عندما يقوم مواطنون أميركيون بأعمال إرهابية في الخارج، بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية.

في السنة الماضية، أعلنت وزارة العدل الأميركية اعتقال شخصين في شيكاغو بتهمة التخطيط للسفر إلى الدنمارك والهجوم على جريدة «يلاندز بوستن» التي نشرت، في سنة 2005، رسوما كاريكاتورية فيها إساءات للنبي محمد، منها رسم له يحمل قنبلة داخل عمامته. وكان الشخصان هما: ديفيد هيدلي، مواطن أميركي، وتحاور حسين رانا، مواطن كندي من أصل باكستاني ويعيش في شيكاغو.

كان هيدلي يغادر مطار شيكاغو في طريقه إلى باكستان عندما اعتقل. وكان الباكستاني الكندي اعتقل لأنه ساعده على ترتيب سفره إلى باكستان، وناقش معه الأماكن التي تستهدفها الخطة.

بعد ذلك، طلبت الهند من الحكومة الأميركية تسليمها هيدلي بتهمة الاشتراك في الهجوم على السفارة الأميركية في مومباي، أو السماح للشرطة الهندية بالتحقيق معه. لكن رفضت الخارجية في ذلك الوقت، وقد صدرت تصريحات لهنود تنتقد الولايات المتحدة، منهم لاليت مانسنغ، السفير السابق في واشنطن، الذي قال: «توجد في الهند شكوك قوية بأن الأميركيين لا يتعاونون معنا تعاونا كاملا في هذا الموضوع الإرهابي الكبير».

والوثيقة التي نشرتها «ويكيليكس» لورقة بحثية سرية مؤلفة من ثلاث صفحات أعدتها في شهر فبراير (شباط) الماضي مجموعة «ريد سيل»، وهي مجموعة بحثية تابعة لوكالة الاستخبارات شكلها عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 مدير الوكالة آنذاك جورج تنيت، وتحمل عنوان «ماذا لو نظر الأجانب إلى الولايات المتحدة على أنها دولة مصدرة للإرهاب». وتتضمن إشارة إلى أنه عام 1994، هاجر باروخ غولدشتاين، طبيب يهودي أميركي، من نيويورك إلى إسرائيل، وانضم إلى الجماعة المتطرفة التي تسمى «كاخ» وقتل 29 فلسطينيا أثناء تأديتهم الصلاة في مسجد الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل. وأشارت الورقة إلى أن هذا الحادث ساعد على اندلاع موجة من التفجيرات في الحافلات قامت بها حركة حماس الفلسطينية عام 1995.

وفي الوقت الذي تستمر فيه اكتشافات «ويكيليكس»، تتضاءل أهمية هذه الورقة مقارنة بالإصدارات الأخيرة للمنظمة. ففي الشهر الماضي، أطلق هذا الموقع 76 ألف وثيقة سرية للجيش الأميركي متعلقة بالحرب في أفغانستان. وأثار هذا النشر الانتقاد بأن هذه المعلومات تعرض القوات الأميركية والعملاء الأفغان للخطر، إلى جانب مطالبات من البنتاغون بعودة هذه الوثائق. ويقول موقع «ويكيليكس» إنه يعتزم إطلاق 15 ألف وثيقة أخرى حول الحرب في أفغانستان كان يراجعها، لحذف الأسماء وغيرها من المعلومات التي قد تتسبب في الأضرار.