ساركوزي يبحث مع مبارك جهود السلام وسط حنق فرنسي من استبعاد فرنسا والاتحاد الأوروبي من رعاية المفاوضات

الرئيس المصري: مواقف باريس والقاهرة متطابقة بشأن التوصل إلى اتفاق سلام خلال عام

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في حديث ودي مع نظيره المصري حسني مبارك خلال استقباله له في قصر الإليزيه أمس (رويترز)
TT

حملت تصريحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أمس، عقب لقائه الرئيس المصري حسني مبارك في قصر الإليزيه نوعا من «الحنق» الفرنسي بسبب استبعاد باريس ومعها الاتحاد الأوروبي عن رعاية معاودة إطلاق المفاوضات المباشرة الفلسطينية - الإسرائيلية في واشنطن غدا الأربعاء.

وعاد ساركوزي في المؤتمر الصحافي المشترك الذي أعقب المحادثات، أكثر من مرة، إلى التأكيد على الحاجة لجهود «الجميع» من أجل إنجاح جهود السلام والوصول إلى نتائج إيجابية «سريعا».

واستعان ساركوزي بكلام الرئيس المصري أكثر من مرة لتدعيم موقفه والإلحاح على أهمية أن تضم فرنسا وأوروبا جهودهما إلى الجهود الأميركية.

وفي مسعى واضح للعودة إلى الساحة الشرق أوسطية، اقتنص ساركوزي قمة مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط المقررة منذ الربيع الماضي أن تعقد في برشلونة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ليجعل منها رافعة فرنسية - مصرية - متوسطية «لتشجيع المفاوضات وتفحص الوسائل الملموسة لدعم جهود السلام وحل الدولتين».

غير أن اللافت هو أن ساركوزي لم يشر إلى فكرته الداعية إلى عقد مؤتمر «باريس 2» لتوفير الدعم المالي والاقتصادي للفلسطينيين في بناء اقتصادهم ومؤسساتهم الوطنية، وهو ما أشار إليه في خطابه أمام السفراء الفرنسيين عبر العالم الأسبوع الماضي، وقبلها في البيان الرئاسي الذي صدر في 20 أغسطس (آب) الماضي، عقب إعلان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن استئناف المفاوضات المباشرة في واشنطن.

وكان وزير الخارجية برنار كوشنير أول من عبر عن «غيظ» فرنسا من استبعادها، واستبعاد الاتحاد الأوروبي من قمة واشنطن، ومن رعاية المفاوضات، وهو ما ردت عليه «وزيرة» خارجية الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون بأنها دعيت إلى واشنطن لكنها لن تستطع تلبية الدعوة نظرا لأنها ستكون موجودة في الفترة نفسها في بكين. غير أن المصادر الفرنسية الرسمية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن باريس ليست منزعجة فقط من إبعاد الاتحاد الأوروبي بل أيضا من «تهميش» دور الرباعية الدولية، ومن «عدم إعطائها الأهمية الكافية» في تحركها الدبلوماسي والسياسي.

وكان الرئيس المصري الذي عرج على باريس في طريقه إلى واشنطن يصطحبه وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، ومدير المخابرات الوزير عمر سليمان، قد بدأ نهاره بلقاء رئيس الوزراء الفرنسي في مقر إقامته في أحد الفنادق الباريسية ثم تلاه اجتماع مع ساركوزي دام نحو الساعة. وحضر من الجانب الفرنسي الوزير كوشنير، وأمين عام الإليزيه كلود غيان، ومستشار ساركوزي الدبلوماسي جان دافيد ليفيت، ومستشاره الخاص هنري غينو، والسفير الفرنسي في القاهرة جان فليكس باغانون. وحضر من الجانب المصري الوزيران أبو الغيط وسليمان، والسفير المصري في العاصمة الفرنسية ناصر كامل.

وقال مبارك إن المحادثات تناولت الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط ومفاوضات السلام بشكل خاص، مبينا أن مواقف باريس والقاهرة متطابقة بشأن التوصل إلى اتفاق سلام خلال عام «ينهي الاحتلال ويقيم الدولة الفلسطينية».

ونوه مبارك بجهود بلاده التي «كانت وستظل في قلب الجهود الرامية لإحلال السلام والاستقرار» في الشرق الأوسط، معتبرا أن السلام «مطلب حيوي وعاجل لا يحتمل الفشل أو التأجيل». وحذر الرئيس المصري من أن بدء المفاوضات «ليس نهاية المطاف»، وربط تقدم عملية السلام بـ«احترام مرجعياتها وبالتجاوب مع الشرعية الدولية واستحقاقات السلام».

ودعا مبارك، الذي سيرعى مع الملك عبد الله الثاني، إلى جانب الرئيس الأميركي، إطلاق المفاوضات المباشرة، إلى اقتناص فرصة السلام، وحث واشنطن وأطراف الرباعية على تحمل دورها ومسؤوليتها، وهو ما ينطبق أيضا على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

وكشف مبارك عن اتفاقه مع ساركوزي على العمل من خلال قمة برشلونة على «توفير الزخم السياسي» لمفاوضات السلام لتعزيز فرص نجاحها.

ورأى الرئيس المصري، في معرض رده على سؤال حول قدرة واشنطن على الضغط على الطرفين لدفعهما إلى تحقيق السلام، أن الإدارة الأميركية «تحتاج لمساندة الاتحاد الأوروبي» بالنظر إلى أن «المشكلة صعبة ومعقدة وعويصة»، وهي إن نجحت في إطلاق المفاوضات، فإنها بحاجة إلى «المساندة القوية» من الاتحاد الأوروبي «من أجل أن تستمر عملية السلام». ورفض مبارك الخوض في ما إذا كان العرب سيلجأون إلى الأمم المتحدة للمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين فيما إذا فشلت المفاوضات، معتبرا أن «الوقت غير مناسب» الآن «وعلينا أن ننتظر انتهاء المرحلة التي نحن فيها لنرى ما سيكون عليه الموقف».

وشكر مبارك الرئيس الأميركي الذي «يبحث عن حلول للقضية الفلسطينية منذ أن تولى الرئاسة». وقال مبارك إنه كان يتمنى «لو كانت معنا الرباعية وبعض رؤساء الدول الأوروبيين لمساندة هذه العملية». وجدير بالذكر أن توني بلير سيكون وحده من يمثل الرباعية في واشنطن.

وربط مبارك بين استمرار المفاوضات المباشرة والاستمرار في تجميد الاستيطان، وهو ما لم يلتزم به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علنا. وقال الرئيس المصري إن «المساعي الأميركية» لحفز إسرائيل على الاستمرار في تجميد الاستيطان «تحتاج إلى مجهودات أكبر وإلى مساندة أوروبية حتى نقنع إسرائيل بوقف الاستيطان ومن أجل أن تستمر المحادثات المباشرة».

وهذا الموقف يتطابق مع ما قاله ساركوزي، الذي دعا الإسرائيليين إلى أن «يفهموا» أنه عندما يكون هناك أمل في السلام «يجب القيام بكل شيء من أجل تدعيمه».

وأردف الرئيس الفرنسي قائلا: «من يستطيع أن يفهم كيف أن تجميد الاستيطان قد تقرر في غياب مفاوضات مباشرة، وأن الاستيطان يعود فيما هناك مفاوضات مباشرة؟».

وتتبنى باريس مطالبة الجانب الإسرائيلي بتجميد العمل بالاستيطان شرطا لاستمرار المفاوضات، من جهة، ولوجود فرصة ما من أجل تحقيق نتائج.

وفي كلمته، وصف ساركوزي استئناف المفاوضات بأنه «بزوغ أمل جديد»، وأعرب عن ارتياح فرنسا للجهود الأميركية لكنه دعا إلى استمرارها في إطار «جهد جماعي متوافق عليه» إذ إن هناك «حاجة للجميع». وقال ساركوزي إنه يشارك الرئيس المصري رؤيته في أن «لا أحد يستطيع أن يجلب السلام وحده للشرق الأوسط».

وأضاف أن الدور الأميركي «بالغ الأهمية لكن لا يمكن أن يكون وحيدا»، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي هو «الممول الأول» للفلسطينيين، وأنه ستكون هناك حاجة للجميع لإقناع الإسرائيليين بالسير في السلام.

وحدد ساركوزي العشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل موعدا للقمة المتوسطية في برشلونة، مشيرا إلى أن الدعوة إليها ستتم بالتوافق مع رئيس الحكومة الإسبانية خوسيه لويس ثاباتيرو.

وفيما أشار ساركوزي إلى أن عناصر الحل النهائي معروفة لدى الجميع بعد سنوات من المفاوضات والعديد من المشاريع، وربط التوصل إلى الحل المنشود بوجود «إرادة سياسية» لدى الجميع. واغتنم الفرصة لينبه إلى أن «الزمن لا يعمل لصالح دعاة السلام بل لصالح المتطرفين».

وفي السياق ذاته، حذر ساركوزي من غرق المفاوضات في متاهات المناقشات التي لا تنتهي، معتبرا أن «المفاوضات الجيدة هي المفاوضات السريعة». وتتبنى فرنسا مثل مصر مهلة العام.

وفي تصريحات صحافية قبل اجتماع الإليزيه، قال وزير خارجية مصر إن محادثات باريس غرضها التنسيق بين باريس والقاهرة، وهي «تهدف إلى تأمين إنجاح المفاوضات المباشرة حتى تصل إلى النتائج المرجوة رغم وجود العديد من الصعوبات والعراقيل». وبحسب أبو الغيط، ، فإن اجتماع برشلونة يهدف إلى «توفير الزخم للمفاوضات» فضلا عن إعادة تنشيط الاتحاد من أجل المتوسط.

وأشار الوزير المصري إلى أن العودة إلى المفاوضات المباشرة «جاءت بعد تقديم تطمينات أميركية»، كما دعا إلى الاستمرار في المفاوضات «لأنه لن يتم فرض أي شيء على الفلسطينيين»، مؤكدا أن مصر «لن تترك الشعب والقيادة الفلسطينيين حتى تنتهي معاناتهما».

وكان لافتا أن الوزير المصري اعتبر أن سورية «لا تعيق المفاوضات المباشرة» رغم أنها تستضيف مجموعات فلسطينية معارضة لهذا النهج.