تركيا تستعد للاستفتاء توجه تركيا نحو العالم العربي بدأ خجولا أواخر التسعينات

سفر توران مدير القناة العربية التركية: نحن نريد أن نزيل الوسيط من بيننا في عملية التواصل

سفر توران
TT

بدأ الاهتمام التركي بالعالم العربي في وقت متأخر من التسعينات، مع محاولات خجولة لـ«النطق» بالعربية من قبل بعض المؤسسات الإعلامية العامة والخاصة في البلاد. وكان لوصول الأحزاب الإسلامية إلى السلطة أثر واضح في هذا الاتجاه الجديد، فكانت فكرة في التلفزيون الرسمي التركي ترجمت ببث نشرة بالعربية في وقت متأخر من الليل، في غير أوقات الذروة، في القناة السابعة من التلفزيون في العام 1997، أما «جيهان» العربية فقد تأسس القسم العربي فيها خلال ولاية حكومة أربكان في العام 1997 بشكل تجريبي قبل أن ينطلق العمل الرسمي في العام 1998 واستمرت رغم الأجواء «غير المشجعة» التي رافقت إطاحة العسكر بحكومة أربكان عبر «المحكمة الدستورية» في العام 1997، والتي أدت حينها إلى جعل القناة السابعة في التلفزيون التركي تعدل عن المضي في النشرة العربية «لأن الوقت غير مناسب» كما تم إبلاغ المشاركين فيها.

في الحلقة الرابعة من ملف: «تركيا على مفترق طرق: العلمنة أو الأسلمة» تسلط «الشرق الأوسط» الأضواء على تجربتين تركيتين للتوجه الإعلامي نحو العالم العربي، الأولى خاصة، بدأت في العام 1998 عبر وكالة «جيهان»، والثانية رسمية بدأت العام الحالي مع قناة «تي آر تي» التي تحمل اسم المحطة الفضائية الحكومية التركية الضخمة، لكن بصوت عربي.

على تلة تتحكم بالنظر على كامل مضيق البوسفور، وقرب أحد الجسرين العملاقين على المضيق، تتربع القناة العربية التركية الحديثة، محاولة أن تكون جسرا بحد ذاتها بين تركيا والعالم العربي.

تقيم المحطة في مبنى واسع وأنيق مع نحو 50 موظفا أو أقل يتكلم معظمهم العربية، ويتحدر بعضهم من أصول عربية، أو إعلاميين عرب استخدمتهم المحطة الناشئة الطامحة إلى منافسة الفضائيات العربية وسلاحها الأبرز «المسلسلات التركية» المدبلجة باللغة العربية.

مدير المحطة، سفر توران، تركي عمل صحافيا في العديد من الدول العربية، وتعلم اللغة، شرح أهداف انطلاقة المحطة التي يراها «أتت متأخرة»، شارحا أسباب اختيار إنشاء محطة غير إخبارية للنطق باسم تركيا في العالم العربي.

* لماذا الآن، تنطلق فضائية تركية تنطق باللغة العربية؟

- فكرة المشروع كانت موجودة قديما لدى المسؤولين الأتراك، لكن مع هذا فإن المشروع أتى برأيي متأخرا مقارنة بالدول التي أنشأت محطات فضائية باللغة العربية. وبعد أن انطلقنا بالفكرة وجدنا ترحيبا كبيرا لدى الرأي العام التركي.

* ألا توجد علاقة بين انطلاق المحطة وتطور العلاقات التركية العربية؟

- التطورات في العلاقات بين الطرفين لها تأثير، لكني أعتقد أن التأثير غير مباشر. فالفكرة كانت موجودة أصلا، كما أن دولا لا يوجد لديها مصالح في المنطقة ولا تشاركها في التاريخ نفسه والجغرافيا والثقافة، قد انطلقت منها فضائيات ناطقة بالعربية، وكان الأولى بتركيا أن تخطو الخطوات باتجاه إطلاق المحطة.

* كم احتجتم من التحضيرات قبل الانطلاقة؟

- استمرت مرحلة التأسيس ما يقرب من السنة ثم انطلقنا.

* ماذا تريدون من هذه المحطة؟

- تعرضت العلاقات التركية - العربية في المائة سنة الماضية إلى الكثير من السلبيات، وحصلت هناك شبه قطيعة بين الطرفين. فكل طرف كان يتعرف على الطرف الآخر من خلال الوسيط الغربي، وهذا كان يتسبب في زيادة المشاكل وتعقيدها. فالأتراك كانوا يقرأون ما يكتبه الغرب عن الأحداث التي تجري في العالم العربي، ويعرفون هذه الأحداث من خلال وجهة النظر الأوروبية، والعكس صحيح بالنسبة إلى العرب. وهذا كان يؤدي إلى التباعد لا إلى التقارب. ولذلك فإن أهمية هذه المحطة تكمن في إعطاء الفرصة للمجتمع العربي لكي يتعرف على تركيا بشكل مباشر، نحن نريد أن نزيل الوسيط من بيننا في عملية التواصل. وهذه النقطة تكفي بحد ذاتها للتعبير عن أهمية هذه المحطة.

* كيف كانت ردود الفعل في الشارع العربي؟

- عمل التلفزيون في حد ذاته أمر عرضة للنقد، والناقد يكون أحيانا طفلا، وأحيانا أخرى أستاذا جامعيا، أو بقالا أو رجلا عجوزا، فالتلفزيون يخاطب الجميع. النقد مطلوب من قبل المشاهدين لتحسين الأداء وتصويبه، وإذا لم تصدر ردود فعل – سلبية أو إيجابية – فهذا معناه أنك غير ناجح. تلقينا ردود فعل إيجابية، وأخرى سلبية. وكانت هناك بعض الانتقادات، لكن ما لفتني هو أن بعض هذه الانتقادات أتى مبكرا جدا، بحيث لم يكن قد مر على انطلاقة المحطة سوى أيام معدودة. أعتقد أنه كان من المبكر الحكم على المحطة في هذه الفترة القصيرة جدا والتي لا تكفي لتكوين رأي متكامل عن عمل المحطة سواء كان الحكم سلبيا أو إيجابيا. بشكل عام هناك إقبال جيد وملاحظات أكثرها إيجابي. لكن مشكلتنا أن المشاهد ينتظر منا عملا ضخما، لذلك مكتوب علينا أن ننجح، فالمشاهد لا يتوقع منا محطة غير ناجحة رغم وجود منافسة ضخمة بسبب وجود عدد كبير جدا من المحطات الناطقة بالعربية والتي تزيد على 700 محطة. لقد دخلنا في معترك قوي جدا، لأن كلا منا يسعى وراء المشاهد، مسؤوليتنا كبيرة ومهمة للغاية.

أنا شخصيا أؤمن بالتقارب العربي – التركي، لذلك ستكون الرسالة المهمة التي تحملها المحطة الناطقة بالعربية التي تنطلق من اسطنبول، وهذه الرسالة هي تقريب وجهات النظر التركية – العربية، ثم بعد ذلك تقديم تركيا بشكل صحيح ومباشر إلى المشاهد العربي.

* لماذا اخترتم عدم تقديم قناة إخبارية؟

- ما يتشارك به العرب والأتراك كبير جدا، سواء على المستوى الثقافي أو التاريخي، وفي كثير من المجالات الأخرى. وانطلاقا مما نتشارك فيه اخترنا هذا النوع من التلفزيون، ولم نختر محطة إخبارية لأن هناك الكثير من البرامج التي يمكن أن نقدمها، كالبرامج السياحية والثقافية والدينية والتي تعطي لنا المجال والفرصة ليتعرف كل منا على الطرف الآخر بشكل معمق وصحيح. عندما نرى رد فعل المشاهدين على البرامج غير الإخبارية التي اخترناها، نلمس أن اختيارنا كان صائبا. فأحيانا نقدم عملا موسيقيا نجد صداه في أي بلد عربي، ونجد لها مثيلا في إحدى الدول العربية. هناك مسيسون أمثالنا، يطالبون المحطات الفضائية بالتركيز على الأخبار، لكن الأوجه الأخرى الثقافية والاجتماعية مهمة جدا أيضا.

* التعريف هو في اتجاه واحد فقط، تركي – عربي؟

- نحن سنسجل برامج باللغة العربية وسنبثها باللغة التركية، وقد سجلنا الكثير من البرامج بالعربية وبثثناها بالتركية. أمامنا مهمة مزدوجة إزاء الشعب التركي والشعوب العربية.

* ماذا عن البرامج السياسية؟

- حاليا نعمل على بعض البرامج الجديدة السياسية، قسم منها يتم إعداده في الدول العربية. ولدينا برامج للقيام ببرامج كبيرة في الدول العربية لا أريد أن أتكلم عنها الآن، لكنها سوف تحدث ضجة، ولا أريد أن أتكلم عنها. نحن في بداية الطريق، وهذه الطريق طويلة وشاقة، لكن المشي فيها ممتع جدا.

*ما هو الحجم التقني لقناتكم؟

- عدد الموظفين قليل جدا، إذ يبلغ بين 50 و60 موظفا، لأننا نعتمد على الإنتاج الخارجي في الكثير من برامجنا. لكن تقف خلفنا مؤسسة «تي آر تي» الكبيرة جدا التي تضم أكثر من 7 آلاف موظف.

* الموظفون من جنسيات عربية؟

- الأغلبية من الأصول العربية، لأننا في النهاية تلفزيون ناطق بالعربية، والعمل في التلفزيون صعب جدا ويحتاج إلى بعض الكوادر. وهناك كوادر انضمت إلينا من الأتراك الذين يجيدون اللغة العربية. وإن شاء الله هذا التلفزيون كما يعمل فيه العرب والأتراك يخدم العرب والأتراك.

* ما هي موازنتكم؟

- نحن نأخذ من الموازنة العامة للمحطة الأم..

* لا أرقام محددة؟

- نأخذ ما نحتاجه، فلا ضرورة لموازنة محددة.

مديرها يشكو قلة تجاوب وسائل الإعلام العربية معها «جيهان» العربية.. «جسر» من القطاع الخاص بين العرب وتركيا في مايو (أيار) الماضي، احتفلت وكالة أنباء جيهان التركية – العربية بمرور 18 عاما على بدئها في البث للأخبار المكتوبة والمصورة باستمرار طوال الأربع والعشرين ساعة. وهي تعرض يوميا نحو 400 خبر مكتوب، 250 خبرا مصورا و100 خبر مرئي تشمل ميادين مختلفة كالسياسة، قضايا الساعة، الأخبار العالمية، الاقتصادية، الفنية والرياضية.

وتقدم وكالة أنباء جيهان خدمات إخبارية إلى 73% من القنوات التلفزيونية والصحف المحلية الصادرة في تركيا، كما أن لديها العديد من المشتركين من صحف وقنوات تلفزيونية محلية وإذاعات ومواقع على شبكة الإنترنت. وإلى جانب وسائل الإعلام المحلية والعالمية تقدم «جيهان»، التي تعد نشرات إخبارية باللغة العربية أيضا، خدمات إخبارية للسفارات الأجنبية والمؤسسات الاقتصادية والجامعات والهيئات والشركات العامة والخاصة إضافة إلى 22 مؤسسة إعلامية من 8 دول.

وتضم «جيهان» كادرا مؤلفا من 520 شخصا يعملون في 81 مركزا و284 ولاية كبرى في تركيا، وتمتلك البنية التحتية والتجهيزات التقنية اللازمة للحصول على الأخبار بسرعة من جميع أنحاء تركيا. كما تؤمن «جيهان» أخبارها عبر شبكة أونلاين للاتصالات، وآلات التصوير وكاميرات الفيديو الديجيتال. وتصل هذه الأخبار إلى المشتركين عبر سكاي - ستريم والأقمار الصناعية.

وينتشر مراسلو «جيهان» في مختلف أرجاء العالم كآسيا الوسطى، الشرق الأوسط، دول البلقان، أوروبا، أميركا الجنوبية، أفريقيا، الشرق الأقصى، وغيرها. وقد افتتحت مكاتب في 15 دولة يعمل فيها 59 مراسلا. كما أن لوكالة «جيهان» أيضا مكاتب ثابتة في المناطق الساخنة من العالم مثل غزة وبغداد وهي تقدم عبر هذه المكاتب إمكانية البث الحي للمؤسسات الإعلامية المحلية والعالمية أما مدير وكالة «جيهان» عبد الحميد بيليج فهو يؤكد أن لا ارتباط بين التطورات الأخيرة في العلاقات بين تركيا والعالم العربي، وبين عمل النشرة العربية التي بدأت قبل 15 سنة ولم تكن مرتبطة بالتطورات الأخيرة، مشيرا إلى أن لـ«جيهان» خدمات بلغات أخرى منها الروسية والإنجليزية.

ويقول بيليج «إن فكرة إيجاد وكالة يمكن أن تقدم منظورا جديدا عن تركيا كانت قد تبلورت قبل فترة طويلة، فنحن كنا نعرف ما يجري في العالم العربي من خلال وكالات الأنباء الأجنبية، والعكس صحيح، فرأينا أنه لا بد من طريقة لنفهم بعضنا مباشرة، وهناك عناصر موضوعية جعلتنا نفعل ذلك، وبعد سيكولوجي أيضا»، ويبرر ذلك بـ«إننا نحتاج إلى علاقات مباشرة بين تركيا والعالم العربي، في المجتمع والإعلام وغيرهما، لكن حاجزا لغويا كبيرا يمنع ذلك، فحاولنا أن نكون جسرا بين الطرفين»، معتبرا أنه «حتى لو كان لبعض وسائل الإعلام العربية مراسلون في تركيا، فهم غير قادرين على الإحاطة بكل ما يجري فيها»، موضحا أنه «قبل الأجواء الإيجابية، كنا ننظر إلى العواصم العربية على أنها مناطق للحصول على الأخبار، لكن مع قدوم الجو النفسي الإيجابي كان لا بد من طريقة لنقل الأخبار بالاتجاهين»، ويقول: « نحن نركز على ما يجري في الغرب، ولم نكن ننظر إلى بعضنا مباشرة، والآن بدأنا بذلك».

ويتحدث بيليج عن «فرصة حقيقية» موجودة الآن مع «الأجواء الإيجابية» لتعميق التعاون، مشيرا إلى «خطط لفتح علاقات واسعة مع وسائل الإعلام العربية، خصوصا مع الدول التي تمتلك وسائل إعلام قوية، وسوف نرى النتائج في المستقبل القريب»، معتبرا أنه «وقت اختبار لمعرفة مدى تحول الجو الإيجابي إلى تعاون حقيقي، وبالنسبة إلينا هو اختبار لمعرفة مدى قدرتنا على توفير هذه المادة»، معتبرا أن المسلسلات التركية وانتشارها في العالم العربي «أمر جيد، لكننا نحتاج إلى معرفة أدق».

ويوضح أن وكالته تحاول جاهدة تقديم نفسها إلى وسائل الإعلام العربية وتطوير خدماتها، موضحا أن هناك علاقات شراكة مع وكالات أنباء عربية ومحطات تلفزيون في سورية والسعودية في القطاع التقني.

ويقول، كمال البياتلي، رئيس القسم العربي في «جيهان» إن السبب الرئيسي الذي دفع لانطلاقة النشرة العربية من «جيهان» كان محاولة «إيجاد جسر بين تركيا والعالمين العربي والإسلامي»، ويضيف: «لم تكن هذه الحكومة القريبة من العالم العربي والإسلامي (حكومة أردوغان) موجودة آنذاك، لكن الاهتمام التركي بالعالم العربي كان قد بدأ يتبلور».

أما الأسباب التي أدت إلى انطلاقة النشرة فهي كثيرة، كما يقول البياتلي، الذي يشير إلى أن «العرب لم يكونوا يعرفون أخبار تركيا إلا من خلال وكالات الأنباء الأجنبية، ونحن قريبون من بعضنا، فلماذا لا تكون هناك نشرة لأهم أحداث تركيا بالعربية».

ولا يربط البياتلي الاتجاه لتأسيس القسم العربي بالحكومات ذات الطابع الإسلامي، مشيرا إلى قيامه في العام 1997 بالمشاركة في إعداد أول نشرة إخبارية تلفزيونية عربية من القناة الخامسة في التلفزيون التركي، لكنه أشار إلى أنه «بعد سقوط حكومة أربكان رأت المحطة ضرورة التريث في المضي بالنشرة لأن الأجواء لم تكن مواتية»، أما النشرة العربية من جيهان فقد استمرت رغم هذه الأجواء.

ويعترف البياتلي بعدم تحقيق النشرة العربية النجاح المتوقع منها، ويرد ذلك إلى أن «وسائل الإعلام العربية تأخذ أخبار تركيا من (رويترز) و(أسوشييتد برس) وغيرهما، ويبدو أنهم اعتادوا ذلك ولا يريدون التبديل»، مشيرا إلى أن هذه هي العقبة الأكبر أمامنا. ويتابع: «نحن الآن نسعى إلى تجاوز هذه العقبات وبدأنا بالتواصل المباشر عبر زيارات إلى خارج تركيا لشرح برامجنا وخدماتنا». معترفا في الوقت نفسه بالحاجة إلى «المزيد من الوقت» لمنافسة وكالات الأنباء الكبرى «فلا يمكن أن نصل إلى مستواهم مرة واحدة».