مدينة زراعية قرب قندهار تتحول إلى مدينة أشباح بعد أن تركتها طالبان

تحمل بداخلها ألغاما وعبوات ناسفة وتخلو من حقول القمح والذرة

TT

عندما قدم حاكم إقليم قندهار إلى هذه المدينة، التي تحررت حديثا من قبضة طالبان، بدا أن عدد أعضاء حاشيته المسلحين يفوق ما تبقى من السكان.

ووجه الحاكم توريالاي ويسا القليل من كبار السن الذين أقدموا على الخروج من منازلهم قائلا: «لا تقلقوا، لقد رحلت طالبان، ولن تترككم قواتنا الأمنية بمفردكم، إنكم في مأمن الآن».

في الوقت الراهن، بدت هذه المدينة، التي يشتغل أهلها بالزراعة ويبلغ تعدادهم قرابة 60 ألف نسمة، وتقع على أطراف مدينة قندهار، أقرب بمدينة أشباح، حيث أبواب المنازل والنوافذ مغلقة، ويكاد لا يوجد أي مارة بالشوارع. ونظرا لما تحمله بداخلها من ألغام وعبوات ناسفة مخبئة، فإن حقول القمح والذرة المجاورة تخلو من المزارعين.

كانت وتيرة العمليات بمختلف أرجاء الضواحي المحيطة بقندهار في تزايد، خلال الأسابيع الأخيرة، لكن هذه الظاهرة تتجلى في أقوى صورها داخل هذه المدينة ومنطقة داند المحيطة بها.

في الوقت الذي لا تزال فيه الكثير من العمليات داخل أفغانستان مشتركة بين حلف «الناتو» والقوات الأفغانية، فإن عبارة «بقيادة أفغانية» التي تصفها تعد مجرد خيال، أكثر منها واقع. لكن هذه العملية كانت استثناء.

وبينما أعلن قادة أميركيون أن العملية رسمت الطريق نحو مستقبل أفغانستان، فإن النتيجة - وهي عبارة عن مدينة تعج بالعبوات الناسفة والألغام وتخلو في معظمها من السكان أو المقاتلين - كشفت عن مدى صعوبة تأمين المنطقة والفوز بتأييد السكان. ويبدو أن الأسباب التي دفعت الأفغان لتولي القيادة تتعلق أكثر باعتبارات سياسية محلية، وليس جهود بناء تحالف.

عندما قتل محمد رسول، رئيس الشرطة في ضاحية دامان، الواقعة شرق المدينة، وثلاثة ضباط على يد انتحاري في 18 أغسطس (آب) الماضي، اشتعل الغضب في نفس أحمد والي كرزاي، رئيس المجلس المحلي القوي، واشتكى لشقيقه، الرئيس حميد كرزاي، حسبما ذكر مسؤولون أميركيون.

وأصدر الرئيس كرزاي أمرا غير مسبوق يمنح سلطات القائد الأعلى للقوات المسلحة لحاكم إقليم قندهار، ويسا. كما أمره بعقد «مجلس شورى عسكري» طارئ لمناقشة كيفية الرد على الهجوم. يذكر أن ويسا يعد حليفا وثيقا لشقيق الرئيس.

وبصورة عامة، اشتهرت مهلاجات بكونها منصة لشن هجمات الاغتيال التي نفذتها «طالبان»، وفي غضون الأسابيع الثلاثة الماضية فحسب، لقي 10 أشخاص مصرعهم. وأصدرت محكمة محلية تابعة لـ«طالبان» أحكاما بالإعدام ضد أي شخص يشتبه في صلته بالحكومة. وبالفعل، جرى شنق أربعة من الضحايا في أعمدة إنارة، بينما تدلت جثة آخر من شجرة. ونسب تفجيران وقعا باستخدام عبوات ناسفة العام الماضي والكثير من أعمال الاغتيال في قندهار، التي تحدث الآن بمعدل اثنين أو ثلاثة يوميا، إلى أعضاء في جماعة «طالبان».

وقرر مجلس الشورى العسكري ضرب مهلاجات وبسرعة. وتولي قيادة العملية الكولونيل عبد الرزاق، وهو إحدى الشخصيات المثيرة للجدل، وحليف لأحمد والي كرزاي، الذي يقود وحدة من قوات شرطة الحدود داخل الإقليم. كما ضمت العملية قواتا من الجيش ووحدات أخرى من الشرطة، عملت جميعها تحت لواء الحاكم.

وأخطر الأفغان قادة «الناتو» بأنهم سيضمون في تنفيذ العملية في غضون أسبوعين، وهي فترة قصيرة على نحو ملحوظ بالنسبة لعملية كبرى تتضمن ما ذكر الأفغان أنه 1700 من ضباط وجنود الشرطة.

من ناحيته، قال لفتنانت كولونيل فيكتور غارسيا، نائب قائد قوة العمل التابعة للجيش الأميركي التي ساندت الأفغان: «تمت العملية بسرعة إلى حد ما. وكانت أشبه بمفاجأة سارة».

إلا أنها لم تكن مفاجأة بالنسبة لـ«طالبان» التي انقسم أعضاؤها لفريقين أحدهما فر والآخر اختبئ بحلول وقت بدء العملية، حسبما أشار سكان محليون. وخلال العملية أصيب شرطيان جراء انفجار عبوة ناسفة زرعت على جانب الطريق، لكن لم تسقط ضحايا. من جهته، قال الكولونيل عبد الرزاق: «قمنا بسد جميع سبل الدخول والخروج أمامهم»، مستطردا بأن السلطات ألقت القبض على 100 فرد مشتبه في انتمائهم لمقاتلي طالبان.

وأكد قائد في طالبان، أجرينا اتصالا به عبر الهاتف، أن بعض مقاتلي طالبان ألقي القبض عليهم أثناء محاولتهم الفرار، لكنه أضاف أن معظمهم تمكن من الفرار. وأشار إلى أن طالبان اتخذت قرارا بعدم الدفاع عن المنطقة.

وقد فر قرويون مفزوعون من مهلاجات خلال الأيام الأولى من العملية، وشرعوا في تكديس مقتنياتهم وأطفالهم في شاحنات وتوجهوا إلى قندهار لما تتمتع به من أمان نسبي. واشتكى الفارون من أن الحكومة وقوات «الناتو» أقدمتا على تفتيش المنازل والقبض على أفراد، بينما استمرت طالبان في زرع ألغام.

وعن ذلك، قال أحد سائقي سيارات الأجرة، ويدعى عيد الولي أثناء انهماكه في إجلاء أسرته عن المدينة الخميس الماضي: «الحكومة عاجزة عن توفير الأمن، بينما تقتل طالبان الناس وتزرع الألغام. إنها حياة مريعة».

وجاءت زيارة الحاكم ويسا لمناشدة سكان المدينة العودة إليها. إلا أن قليلين منهم استمعوا إليه. ووجه الحاكم حديثه لثلاثة من كبار سكان المدينة خرجوا من منازلهم بحذر، للإنصات إليه.

وقال الحاكم: «أصبحت المنطقة خالية من طالبان الآن، وبإمكان الأسر التي رحلت عن منازلها بسبب الخوف وغياب الأمن، العودة لمنازلها».

ووعد الحاكم بقدوم فريق أميركي إلى المدينة قريبا للتخلص من الألغام والقنابل المزروعة على جوانب الطرق، التي تتسبب في توقف نشاط الزراعة تقريبا بالمنطقة.

* خدمة «نيويورك تايمز»