توقيع اتفاقيات استثمارية بين القاهرة وجوبا تشمل الصناعة والزراعة والفندقة

عرمان: الحركة الشعبية ستدرس سيناريو إعلان حكومة وطنية حال عرقلة الاستفتاء

TT

وقعت حكومتا مصر وجنوب السودان على عدد من الاتفاقيات الخاصة بالاستثمار في الجنوب الذي ينتظر إجراء الاستفتاء على تقرير مصيره في التاسع من يناير (كانون الثاني) القادم، ويتوقع أن يختار شعب الجنوب الانفصال، في وقت بدأت فيه وزارة المالية السودانية في وضع ميزانيتين منفصلتين تحسبا لانفصال الجنوب.

إلى ذلك، حث البنك الدولي السودان على تسريع الخطى لاستكمال اشتراطات مبادرة الدول المثقلة بالديون (الهيبك)، في أول زيارة لمسؤول كبير من البنك منذ 20 عاما.

وبحث وزير التجارة والصناعة في حكومة الجنوب ستيفان ديو، مع وفد من وزارة الاستثمار والهيئة العامة للاستثمار ومستثمرين من القطاعين العام والخاص من مصر، آفاق الاستثمار المصري في الجنوب. وقال ديو في تصريحات إن زيارة الوفد المصري تأتي ضمن جهود كبيرة ومقدرة تقوم بها الحكومة المصرية لمساعدة الجنوب وتنميته. وأضاف أن حكومته قدمت تنويرا عن فرص الاستثمار في مجال الصناعة الزراعية والفندقة، مشيرا إلى أن الوفد المصري أكد جاهزيته لتنفيذ مشاريع صناعية وزراعية ومعرض دائم للمنتجات المصرية، بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع في مجال الإنتاج الحيواني وتصنيع اللحوم والسكر والإسمنت في منطقة شرق الاستوائية. وأضاف أن شعب جنوب السودان مدين لمصر لما قدمته للجنوب من مساعدات تنموية.

من جانبه، قال رئيس وفد الهيئة المصرية للاستثمار تامر مصطفى إن الاجتماع بحث تقديم المساعدات المصرية للجنوب في مجال الاستثمار وبميزانيات مفتوحة، وإنها ستستمر بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء، مشيرا إلى أن جنوب السودان يعتبر الأفضل للاستثمار، وقال إن حكومته مستعدة لتقديم الدعم الفني لوزارة التجارة والصناعة في جنوب السودان، مشيرا إلى أن الهيئة ستشيد فندقا عائما في جوبا إلى جانب المشروعات الأخرى في مجال الإنتاج الزراعي والصناعي عبر شركات قابضة في مجال التجارة والصناعة، كاشفا عن زيارة لوزير الصناعة والتجارة بحكومة الجنوب ومستثمرين من الإقليم إلى القاهرة خلال الأيام القادمة، وعن افتتاح فرع لبنك مصر في الجنوب ومعرض دائم في جوبا للمنتجات المصرية عبر شركات قابضة.

من جهته، جدد وزير المالية والاقتصاد السوداني علي محمود التزام وزارته بكل الالتزامات المالية الاتحادية تجاه حكومة الجنوب وفاء لاتفاقية السلام الشامل. ونفى أن تكون وزارته قد بدأت في وضع ميزانيتين منفصلتين، الأولى بموارد نفطية والثانية من غير عائدات النفط، مؤكدا تحسب وزارته جيدا في حال قرر الجنوب الانفصال، في وقت أعلن فيه تطبيق وزارته لسياسة «التقشف» مع بداية الميزانية القادمة، وإيقاف تشييد المباني والأبراج الحكومية، وكشف عن دراسة أعدتها وزارته قبل أربع سنوات لإدارة الاقتصاد إذا قرر شعب جنوب السودان الانفصال، وقال إن عددا من المتغيرات طرأت في الوضع الاقتصادي للدولة تتطلب مراجعة تلك الدراسات، وأضاف «ستكون هنالك إدارة مالية واحدة للبلدين لمدة ستة أشهر». من جهة أخرى حث البنك الدولي السودان على تسريع الخطى لإكمال اشتراطات الاستفادة من مبادرة الدول المثقلة بالديون (الهيبك) للدخول في قائمة الدول المعفاة من الديون، مشددا على أهمية تبني استراتيجية واضحة لخفض معدلات الفقر، وهيكلة الاقتصاد بحيث يستفيد منه عامة الشعب.

وقالت نائب مدير البنك الدولي لشؤون أفريقيا أوبياغلي ايزيكويسيلي إنها جاءت إلى السودان لتتعرف على سير الأوضاع على الأرض، وأقرت بوجود إصلاحات قالت إنها أكثر طموحا للتحول الهيكلي للاقتصاد الوطني، غير أنها نوهت بضرورة تبني الحكومة سياسات مالية تدعم الفقراء وتكافح الفقر من أجل تضمين السودان في قائمة الدول المستفيدة من مبادرة «الهيبك». وأشارت إلى أن غالبية تكاليف الفساد في أفريقيا يتحملها الفقراء، وشددت على ضرورة بناء استراتيجية التنمية على مزايا خفض معدلات الفقر وتقسيم فوائد النمو الناتجة عن النفط بين السودانيين كافة وعلى نطاق واسع، واستغلال موارد النمو غير النفطية، وطالبت بضرورة تنويع الاقتصاد وعدم التركيز على النفط، وإشراك القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني في العملية، وأشارت إلى أن الجهود المشتركة بين الحكومة والمانحين والبنك كفيلة بتحقيق تقدم حقيقي. وأكدت استعداد البنك الدولي لمساعدة السودان، واعتبرت قضية الاستفتاء سودانية بحتة لا يتدخل فيها البنك، إلا أنها عادت وقالت إنه من المحتمل أن يتركز الانتباه بعد الاستفتاء بشكل أكبر على الاقتصاد، داعية ألمانحين للعب دور أكبر.

من ناحية اخرى فجر قيادي رفيع في الحركة الشعبية مفاجأة جديدة بكشفها عن سيناريو تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة بمشاركة كل القوى السياسية في الشمال والجنوب حال عدم إجراء استفتاء تقرير المصير في موعده وانتهاء الفترة الانتقالية، ووضعت ملامح لتلك الحكومة واعتبرت أن الحكومة الحالية سوف تفقد شرعيتها بعد ذلك فيما لم تستبعد سيناريو الاستقلال من داخل برلمان الجنوب. وحذرت الحركة المؤتمر الوطني الحاكم من أن سياسة شراء الوقت قد انتهى أجلها، فيما أكدت أن اجتماع مؤسسة الرئاسة السودانية قبل بضعة أيام فشل في التوصل لاتفاق حول أهم القضايا العالقة المرتبطة باستفتاء الجنوب ومنطقة أبيي الغنية بالنفط.

وقال نائب الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان لـ«الشرق الأوسط» في رد على سؤال حول جدية الحركة الشعبية في إعلان استقلال جنوب السودان من داخل برلمان الجنوب حال عدم إجراء الاستفتاء في موعده المحدد بالتاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل «هذا جسر لم ندركه بعد، وإن الاتفاقية قد قالت بتقرير المصير، عبر الاستفتاء وآليات أخرى، وإن الحركة تعتمد الآن على الاتفاقية والدستور والقانون وقانون الاستفتاء في إجراء هذا الاستحقاق في مواعيده المحددة وهذا هو الطريق الذي لا طريق غيره حتى اليوم كما جاء في قرارات المكتب السياسي الأخيرة التي وجهت بالإسراع في إجراء الاستفتاء». وكشف عرمان عن «سيناريوهات وخيارات أخرى متعددة، ولم يستبعد خيار إعلان الاستقلال من داخل برلمان الجنوب، ومن بين الخيارات الكثيرة قيام حكومة وحدة وطنية عريضة لكافة القوى السياسية التي ترغب في السلام العادل والشامل، وإجراء الاستفتاء واحترام نتائجه، والوصول لتسوية سلمية عادلة للأزمة في دارفور، وإقرار تحول ديمقراطي حقيقي، وإعادة هيكلة الدولة السودانية، واعتماد دستور جديد يقوم على المواطنة والحقوق المتساوية» وأشار عرمان إلى أن «الحكومة المعنية ستشارك فيها كل القوى السياسية في الشمال وفي الجنوب، والشرق والغرب، ويمكن أن يكون مقر الحكومة الجديدة في مدينة جوبا عاصمة الجنوب إذا ما انتهت الفترة الانتقالية، وتمت عرقلة الاستفتاء». وأكد عرمان «أن كل هذه القضايا ستكون عمليا أمام قيادة الحركة الشعبية إذا ما انتهت الفترة الانتقالية، وجاء موعد الاستفتاء وتمت عرقلة قيامه» واعتبر «أن الحكومة الحالية سوف تفقد شرعيتها لأنها تستمد ذلك من اتفاقية السلام ومن الدستور الانتقالي». وأضاف «إذا فشلت الحكومة في إجراء الاستفتاء وانتهت الفترة الانتقالية في التاسع من يوليو (تموز) 2011 فإنها سوف تفقد شرعيتها، ويمكن أن يجري الاستفتاء على أي آلية أخرى، وعلى أي مشروع معترف به من الشعب السوداني أولا، ثم المجتمع الإقليمي والدولي»، إلى ذلك قلل عرمان من نتائج اجتماعات مؤسسة الرئاسة التي ضمت الرئيس البشير ونائبيه الأول سلفا كير ميارديت وعلي عثمان محمد طه، وأشارت الرئاسة إلى أن الاجتماعات خرجت بعدد من الاتفاقات، ومن بينها تشكيل لجنة سياسية للإشراف على ترسيم الحدود، وإجراء الاستفتاء في موعده، لكن عرمان أكد «أن هذه الاجتماعات لم تخرج بما هو مرجو منها، ولم تعط إجابات لأهم القضايا العالقة في تنفيذ الاتفاقية، وعلى رأسها منطقة أبيي، وترسيم الحدود، وتسريع العمل بمفوضية استفتاء جنوب السودان».

وحمل عرمان المسؤولية للمؤتمر الوطني باتهامه بعدم «امتلاك الإرادة السياسية بعد لحل هذه القضايا»، وتابع «من الواضح أن هناك حاجة لاستخدام كل الوسائل السياسية، والعمل الديمقراطي الواسع لكل من له مصلحة في إجراء الاستفتاء في مواعيده وتحقيق التحول الديمقراطي والحريات، والحل العادل لدارفور والعمل معا ووفق برنامج بحد أدنى حتى يتم قيام الاستفتاء في أجواء ديمقراطية سليمة وإلحاق دارفور بفرص السلام العادل والشامل».