المفاوضات المباشرة تنتقل إلى المنطقة 14 سبتمبر بحضور كلينتون

وزيرة الخارجية الأميركية تطالب المتفاوضين بالتخلي عن الشكوك وتحرير شعوب المنطقة من «أغلال الماضي»

وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تتوسط الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بينما بدا المبعوث الأميركي جورج ميتشل (يمين الصورة) في افتتاح جلسة المفاوضات المباشرة في واشنطن أمس (أ ب)
TT

بعد أكثر من عام ونصف العام من الانقطاع، انطلقت أمس جولة جديدة من المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أمل التوصل إلى اتفاق نهائي لإقامة دولة فلسطينية وإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في غضون عام.

وبرعاية وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، بدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، جولة المفاوضات في مقر وزارة الخارجية، بعد أن التقيا في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبحضور العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس المصري حسني مبارك، حيث أعلنا التزامهما بالسلام.

إلا أن خطابي عباس ونتنياهو أظهرا الخلافات في وجهات النظر والأسس التي يمكن بناء السلام عليها، فبينما طالب عباس باحترام الشرعية الدولية والالتزامات الدولية، أصر نتنياهو على الجانب الأمني وجعل إسرائيل دولة لليهود.

وشدد عباس في الجلسة الافتتاحية صباح أمس على ضرورة أن تكون المفاوضات بهدف تحقيق «سلام القانون الدولي والشرعية الدولية»، مطالبا بالالتزام بقرارات الرباعية الدولية وبيانها الذي نص على أهمية وقف النشاط الاستيطاني، الأمر الذي تعارضه إسرائيل. وقال إن الجانب الفلسطيني متمسك بـ«الشرعية المتمثلة في الأمم المتحدة وقرارتها ولجنة المتابعة العربية»، مضيفا «نحن لا نبدأ من الصفر، هناك جولات من التفاوض استكشفت جميع المواقف».

وأكد عباس التزام الجانب الفلسطيني باتخاذ الخطوات الضرورية لإنجاح السلام، بما فيها الالتزامات الأمنية ومنع التحريض، مطالبا الجانب الإسرائيلي بالالتزام بتعهداته. وقال «أدعو إسرائيل لوقف النشاط الاستيطاني ورفع الحصار عن غزة، ووقف كل أعمال التحريض». وأضاف «الأمن مسألة حيوية وأساسية لنا ولكم، ولا نقبل أن يقوم أي أحد بعمل يسيء إلى أمنكم أو أمننا». وكانت الرسالة الأساسية من عباس هي أهمية دعم قوى الأمن الفلسطينية.

وأكد عباس أن منظمة التحرير الفلسطينية تشارك في المفاوضات «بحسن نية لتحقيق السلام العادل». وأنهى خطابه بالقول «نتمسك بالشرعية الدولية، لا نريد أكثر منها ولا أقل منها». ولفت عباس إلى اتفاق أوسلو، قائلا «في سبتمبر (أيلول) 1993 وقعنا وثيقة الاعتراف المتبادل.. وفيها الكافي لتعرفوا نوايانا الصادقة».

وكان عباس يرد على تصريحات لنتنياهو أمس طالب فيها بـ«الاعتراف المتبادل».

من جهته، طالب نتنياهو بضمانات أمنية، قائلا «السلام الحقيقي يعتمد على الاعتراف بالأمن الحقيقي لإسرائيل».

وطالب أيضا بـ«الاعتراف بإسرائيل كدولة لليهود»، مضيفا أن الاعتراف بدولة للفلسطينيين يعتمد على ذلك. وامتنع عن إعطاء أي التزام بوقف الاستيطان، بينما كرر انتقاده لإيران والمطالبة بـ«مواجهة حرب الصواريخ والتهديدات الحقيقية».

من جهتها، دعت وزيرة الخارجية الأميركية القادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى «تحرير شعبيهما من أغلال الماضي الذي لا يمكننا تغييره.. والتقدم إلى مستقبل كريم فقط أنتم يمكنكم خلقه».

وأقر كل من عباس ونتنياهو وكلينتون بأن المفاوضات ستكون صعبة وتواجه تحديات. وقالت كلينتون «نفهم الشكوك السائدة بعد سنوات من الصراع»، لكنها أضافت أن الصعوبات في التفاوض لن تتراجع خلال المرحلة المقبلة في حال لم يتفاوض الجانبان، داعية إلى إنجاح العملية الحالية. ودعت الجهات التي تنتقد عملية المفاوضات «لكنها تقول إنها تريد السلام أن تنضم إلى جهود التفاوض».

ووجهت كلينتون جزءا من كلامها إلى شعوب المنطقة، قائلة «في النهاية أنتم ستحددون المستقبل، أنتم تحملون المستقبل بأيديكم». وأضافت «كي ننجح، نحن بحاجة لكم ولدعمكم، السلام يحتاج إلى مناصرين في كل زاوية» في المنطقة. وتابعت موجهة كلامها للشعوب في المنطقة «أعلم أنكم أحبطتم في السابق، وأنا أيضا شعرت بالإحباط».

وانطلقت المفاوضات في قاعة «بنجامين فرانكلين» الفخمة في مقر وزارة الخارجية الأميركية، حيث جلس المتفاوضون على طاولة مستديرة، يواجه بعضهم بعضا، بينما جلست على رأس الطاولة وزيرة الخارجية الأميركية تتوسط أبو مازن ونتنياهو، بينما جلس مبعوث السلام الخاص جورج ميتشل إلى يسار الرئيس الفلسطيني.

وبعد انتهاء الجلسة الافتتاحية للمفاوضات وإلقاء البيانات الأولية، انتقل المفاوضون إلى المكتب الخارجي لوزيرة الخارجية. وأفادت مصادر أميركية بأن جزءا من المفاوضات كان بين عباس ونتنياهو بحضور كلينتون، وجزءا آخر في وجود باقي أعضاء الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي. وكان هناك محوران أساسيان للمحادثات، أولا جانب لوجيستي حول مسار المفاوضات خلال الأشهر المقبلة ومواعيد اللقاءات بين عباس ونتنياهو. أما الجانب الآخر فكان حول نقطة انطلاق المفاوضات، إذا كانت عند المرحلة التي وصل إليها عباس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت أم لا.

وكان من بين الحضور مسؤولون أميركيون رئيسيون، كان لهم دور مهم في تمهيد الطريق للمفاوضات المباشرة، منهم مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان، والمسؤولان عن ملف الشرق الأوسط في البيت الأبيض دانيال شابيرو ودينيس روس.

وبينما كان المفاوضون مجتمعين داخل مقر الخارجية، نظم مجموعة من الفلسطينيين الأميركيين المعارضين للمفاوضات مظاهرة، متهمين عباس بـ«بيع» فلسطين. وحمل المتظاهرون لافتات تنتقد المفاوضات وتطالب عباس بالتخلي عنها.

ولكن كلينتون أعربت عن ثقتها بعباس ونتنياهو وإمكانية تحقيق السلام، قائلة «نؤمن يا رئيس الوزراء والرئيس بأنكما قادران على النجاح»، محذرة من أن «هؤلاء المعارضين للسلام سيحاولون بكل السبل تخريبه»، خالصة إلى القول إنها وأوباما والإدارة سيقومون بكل ما يمكن القيام به لإنجاح جهود السلام.

وبعد ساعة ونصف الساعة من المحادثات الثلاثية، انتهت الجولة الأولى من المفاوضات هذه المرة بين عباس ونتنياهو فقط. وبعد انتهاء الاجتماع، التقى ميتشل بالصحافيين ليعلن اختتام الجولة الأولى من المفاوضات بنجاح، مضيفا أنه سيتم العمل على التوصل إلى «اتفاقية إطار عمل» للسلام.

ووصف ميتشل مفاوضات أمس بأنها «طويلة وبناءة»، وشهدت اتفاق الطرفين على التعهد بـ«التوجه إلى المفاوضات بحسن نية». وقال إن العلاقة بين عباس ونتنياهو كانت «ودية». وأضاف أنهما اتفقا على «إدانة كل أنواع العنف»، مع «العمل لتحقيق الهدف المشترك بحل الدولتين لشعبين» وإقامة الدولة الفلسطينية. وتابع أن «الخطوات المنطقية المقبلة هي تحقيق اتفاقية إطار عمل لقضايا الحل النهائي من أجل التوصل إلى معاهدة شاملة لإنهاء الصراع».

وفيما صرح نتنياهو صباح أمس بأنه يأخذ في عين الاعتبار رغبة الشعب (الفلسطيني) في السيادة، فإنه لم يقل مباشرة إنه يعترف بحق الدولة الفلسطينية، وأكد ميتشل أن الطرفين متفقان على أن السلام سيكون مبنيا على حل الدولتين، ولكن ما زالت هناك «خلافات جدية» بينهما.

وقال ميتشل إنه تم الاتفاق على عقد الجولة المقبلة من المحادثات في منطقة الشرق الأوسط يومي 14 و15 سبتمبر (أيلول) الحالي، على الرغم من الموقف الفلسطيني السابق بعدم مواصلة المحادثات قبل موعد 26 سبتمبر، والتأكد من إبقاء إسرائيل سياسة تجميد الاستيطان. ورفض ميتشل الإفصاح عما إذا كان موضوع المستوطنات قد طرح في محادثات أمس، قائلا إن هناك اتفاقا بين الأطراف بعدم الحديث عن تفاصيل المحادثات. يذكر أن كلينتون وميتشل سيحضران لقاء 14 و15 سبتمبر وقال ميتشل ان اللقاء سيعقد في المنطقة ورجح ان يكون ذلك في مصر .

وكرر ميتشل أنه من المتوقع التوصل إلى اتفاق حول كل القضايا النهائية خلال 12 شهرا. وكان نتنياهو قد أشار إلى إيران مرتين خلال اليومين الماضيين في الحديث عن ضرورة التوصل إلى اتفاق سلام. وردا على سؤال حول تأثير إيران في النزاع بالمنطقة، قال ميتشل: «سياسات حكومة إيران الحالية تؤثر في المنطقة والعالم، وهم يزيدون من الدوافع لأهمية حل هذا النزاع، ولكن حتى إن لم تكن موجودة فهناك أسباب كافية للسعي لحلها».