الإسرائيليون يتقبلون وصف نتنياهو لأبو مازن بشريك سلام

«هآرتس»: رئيس الوزراء ممثل بارع.. ولكنه صادق هذه المرة

TT

«ما شاهدناه في البيت الأبيض كان عرضا مسرحيا، من تأليف وإخراج باراك أوباما. وإذا كان الأمر كذلك، فإن بنيامين نتنياهو أدى دوره بشكل ممتاز. ولكن هذه المرة، المسألة كما يبدو ليست تمثيلا فحسب، بل يوجد شيء جديد»، «الغالبية الساحقة من الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو ليس جادا، بل ممثلا بارعا. ولكن خطابه مفاجئ ويحتوي على جديد. تحدث عن سلام لأجيال، وقال إن الشعب اليهودي يدرك أن عليه أن يتقاسم البلاد مع الشعب الفلسطيني، وتوجه إلى الرئيس محمود عباس (أبو مازن) قائلا: أنت شريكي. كل هذا جديد. هل هو كلام من القلب، أشك في ذلك، ولكنه نتنياهو الجديد»، هذان اقتباسان يلخصان جوهر ردود الفعل الإسرائيلية على أداء نتنياهو في واشنطن.

ولكن ليس فقط تجاه نتنياهو، الذي اعتادت الصحافة الإسرائيلية مهاجمته، بل حظي أبو مازن بتعليقات إيجابية؛ فبعد أن كانوا يعتبرونه «رجلا ضعيفا»، و«لن يستطيع تطبيق اتفاق السلام الذي يوقعه»، خرج الإعلاميون الإسرائيليون، أمس وأول من أمس، بسلسلة مقالات وتعليقات تشيد به وبأقواله في واشنطن، وتثني على ما قاله نتنياهو، من أن «أبو مازن شريك حقيقي في السلام».

وراح الكاتب عكيبا إلدار إلى أبعد من ذلك في مقال له في صحيفة «هآرتس»، فقد رفض هجمة اليمين الإسرائيلي على أبو مازن، بدعوى أنه يتحمل مسؤولية العمليتين التفجيريتين الفلسطينيتين، فكتب يقول إن العمليتين نفذتا في شارعين يقعان تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، وليس تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، ولذلك فإن الرئيس الفلسطيني بريء منهما. وأشاد بالاستنكار الواضح الذي أطلقه أبو مازن للعمليتين، وقال: «هذا شريك حقيقي يجب التعاطي معه والتوصل إلى اتفاق».

وكانت الصحافة الإسرائيلية قد أبرزت خطابات الرؤساء الثلاثة؛ الأميركي باراك أوباما، وعباس ونتنياهو، كاملة، على الرغم من أن صور القتلى والجرحى في العمليتين الفلسطينيتين، سيطرت على وجه الصفحات الأولى. ونشرت «هآرتس» نص المقال الذي كتبه الرئيس المصري لصحيفة «نيويورك تايمز»، وفيه يتحدث عن الاحتمالات الكبيرة لنجاح المفاوضات هذه المرة، والدور الذي ينبغي على الدول العربية أن تقوم به حتى تسهم في إنجاحها.

وكتب البروفسور درور زئيفي، المحاضر في موضوع السياسة بالشرق الأوسط في جامعة بئر السبع، مقالا في صحيفة «معاريف»، أمس، يقول فيه إن أبو مازن أثبت مرة أخرى أنه قائد فلسطيني من نوع مختلف عن الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي لم يحبه الإسرائيليون. وقال إن الرئيس عباس هو أفضل شريك فلسطيني حقيقي لعملية السلام. وينبغي أن تعيد حكومة إسرائيل الحالية حساباتها معه، وتحاول أن تفهم إنجازاته الكبيرة والمحترمة، خلال سنوات حكمه.

فالرجل يتكلم بلغة رمادية بعيدة عن الشعارات والهتافات، ويبدو كأنه موظف وليس قائدا جماهيريا، وعندما يخطب لا تشعر بأنه ينتظر من الناس أن يهتفوا «بالروح بالدم نفديك يا أبو مازن، أو نفديك يا قدس»، ولكنه بهدوئه وسكونه يثبت أنه رجل عمل. مصر على السلام.

وتوجه زئيفي إلى نتنياهو داعيا إياه أن يكون صادقا في أقواله المفاجئة عن أبو مازن كشريك. وقال له: «احذر، فأبو مازن ليس قائدا فلسطينيا مهادنا لإسرائيل ولن يكون. إنه رجل وطني يحب شعبه، ومن جهته إنما يكمل طريق الثورة على نمطه وأسلوبه. وهذا هو المطلوب لكي نصنع السلام؛ فالرئيس أبو مازن شريك للسلام، بل أفضل الشركاء».

وكتب آفي سخاروف، محرر الشؤون الفلسطينية والعربية في «هآرتس»، أمس، أن على الإسرائيليين أن يبدأوا في التخلي عن الشعارات التي أطلقوها على الرئيس الفلسطيني وصدقوها بأنفسهم مثل: «قائد ضعيف»، و«عرفات يستطيع ولكنه لا يريد.. بينما أبو مازن مشكوك فيه أنه يريد وبالتأكيد لا يستطيع حتى لو أراد» (عنوان مقال كتبه موشي أرينز وزير الدفاع الأسبق في صحيفة «هآرتس»). فالحقيقة أن أبو مازن رجل قوي. صمد في وجه كل الضغوط، متمسك بسياسة السلام، لم يفوت فرصة إلا وأدان بشدة عمليات التفجير. وفي واشنطن، تحدث بصدق أنه يدين الإرهاب، ويدين الاستيطان، ويريد العيش بسلام مع الجيران اليهود. وصدق نتنياهو عندما سماه «شريكي»، وعليه أن يثبت أنه شريكه.

وأما صحيفة «يديعوت أحرنوت»، فقد أبرزت جهود القادة الثلاثة، أوباما ونتنياهو وعباس، وطلبت عدم الانجرار وراء حماس والعمليتين اللتين نفذتهما في الضفة الغربية، والسعي لمواصلة الجهود السلمية. وقالت إن الأجواء في واشنطن أظهرت القادة الثلاثة كما لو أنهم في نفس الخندق، فإذا تمكنوا من الاستمرار فإنهم من دون شك سيتوصلون إلى السلام. وأبرزت صحيفة «معاريف» بشكل خاص تحذيرات العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، من أن فشل هذه المفاوضات سيؤدي إلى كارثة إقليمية، ولكنها أكدت في الوقت نفسه أن هناك مجالا للتفاؤل.