أوباما يتشاور مع قادة دول حليفة لدعم المفاوضات ويعول عليها لكسب ثقة الناخبين

نجاح متواضع للإدارة الأميركية بإطلاق مفاوضات السلام في الشرق الأوسط

TT

ساد جو من الارتياح في واشنطن أمس بعد نجاح الجولة الأولى من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ومع مغادرة الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي واشنطن، تتجه الأنظار إلى الاستعدادات للجولة الثانية من المفاوضات يومي 14 و15 من الشهر الحالي التي ستشارك فيها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون والمبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل. وتعول الإدارة الأميركية على دعم عربي ودولي للمفاوضات لإنجاحها، بالإضافة إلى تسليط الضوء على دور أوباما فيها لاستغلالها على الصعيد الداخلي وكسب الثقة في قدراته على تحقيق إنجازات خارجية في وقت يواجه فيه تراجعا في شعبيته.

وعلى الرغم من الشكوك حول إمكانية نجاح مفاوضات السلام في تحقيق اتفاق نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بحلول سبتمبر (أيلول) العام المقبل، فإنه كان هناك إقرار بين المحللين والمراقبين في واشنطن بأن إطلاق المفاوضات والجولة الأولى منها كان نجاحا لإدارة الرئيس الأميركي أوباما الذي جعل السعي إلى السلام في الشرق الأوسط من أولويات سياسته الخارجية.

وجاء لقاء أوباما بالرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، بعد أكثر من عام ونصف العام من الجهود الأميركية لتحقيق هدف إطلاق المفاوضات الذي حدده أوباما فور وصوله إلى البيت الأبيض.

واعتبر مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن مارك لينتش أن المفاوضات «ناجحة من حيث المعايير التي وضعتها الإدارة لنفسها». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «أشك في أن المفاوضات ستصل إلى نتيجة، ولكنها تشكل ما قالت الولايات المتحدة إنها تريده، ولذلك تعتبر نجاحا في الإطار المحدود هذا».

واتفق مدير قسم الشرق الأوسط في «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» جون ألترمان مع هذا التقييم، قائلا: «لقد سارت المفاوضات بطريقة جيدة من حيث الهدف الذي حددته الإدارة الأميركية».

من جهتها، قالت ميشيل دان، الخبيرة في قضايا الشرق الأوسط في معهد «كارنيغي للسلام الدولي» والمسؤولة السابقة في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية، إن «نتنياهو وأبو مازن جاءا هنا بسبب علاقاتهما بأوباما والحفاظ عليها، بدلا من إيمانهم القوي بإمكانية التوصل إلى حل سلمي». وأضافت: «بسبب موقعه الداخلي الضعيف، يعتمد عباس بشكل شبه كامل على الدعم الدبلوماسي والمالي الخارجي، لم يكن بمقدوره أن يرفض طلب أوباما (بإطلاق المفاوضات) على الرغم من أنه حاول تأخيرها». وأضافت: «نتنياهو كان يواجه عزلة دولية ولذلك جاء إلى واشنطن بأسلوب يدعو في الظاهر إلى السلام».

ويعول أوباما على دعم دولي للمفاوضات؛ إذ كان قد اتصل يوم الثلاثاء الماضي بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وأفاد البيت الأبيض أن أوباما اتصل بالملك عبد الله «لبحث الوضع في المنطقة بما فيه المحادثات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ونهاية العملية القتالية الأميركية في العراق».

وكان أوباما قد دعا الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني واستضافهما مع عباس ونتنياهو في البيت الأبيض مساء الأربعاء الماضي ضمن جهود إعطاء دعم عربي للمفاوضات. وكانت مشاركة ممثل الرباعية الدولية توني بلير ضمن سعي واشنطن للحصول على دعم دولي للمفاوضات. كما أن أوباما اتصل بساركوزي أول من أمس «لشكره على دعمه للسلام الشامل في الشرق الأوسط وللتشاور على الخطوات المقبلة لتشجيع مزيد من التقدم في المحادثات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية».

ولفت ألترمان إلى المأزق الذي يواجه الرئيس الفلسطيني، قائلا: «محمود عباس أقل شخص يستفيد من المفاوضات في الوقت الراهن. لدى الولايات المتحدة وإسرائيل أسباب ومصالح في بدء المفاوضات الآن، ولكن الوضع مختلف بالنسبة لعباس». وأضاف: «خطابه في واشنطن أظهر ضعفا أكثر من قوة»، في إشارة إلى تأكيد عباس على المصاعب التي تواجه فرص السلام وعدم اعتباره هذه لحظة «تاريخية» مثل ما فعل نتنياهو. وتابع أن الولايات المتحدة حرصت على إطلاق المفاوضات لأن «تفكيرهم هو حتى وإن لم يكن الوقت مناسبا، فمن الأفضل أن تتحرك الأمور على صعيد السلام حتى وإن لم يتم تحقيق انفراج، لأنها ستمنع انهيارا كاملا» في جهود السلام.

وفي ما يخص الأوضاع الداخلية الأميركية، حرص أوباما على عقد المفاوضات في واشنطن قبل شهرين من انتخابات الكونغرس كي يظهر نجاحا دبلوماسيا بعد أن استغل الحزب الجمهوري عدم قدرة الرئيس على تحقيق إنجاز في السياسة الخارجية، خاصة في الملف النووي الإيراني. وقالت دان: «كان من المهم أن يظهر أوباما أنه متفق مع نتنياهو قبل انتخابات الكونغرس، بالإضافة إلى الإعلان عن نجاح في أحد أهم ملفات السياسة الخارجية». وأضافت أن تحديد عام للتوصل إلى اتفاق مهم بالنسبة للأجندة الأميركية حيث سيكون أوباما يستعد للانتخابات الرئاسية بعد عام، ويعول المسؤولون في البيت الأبيض على نجاح في المفاوضات قبل الانتخابات. ولفتت دان إلى التوافق بين أوباما وكلينتون خلال المفاوضات، موضحة: «كان من الظاهر التوافق بينهما والعمل كفريق حول هذه القضية». وأضافت: «كلينتون معروفة بدعمها لإسرائيل ولكن عندما ضغط أوباما على نتنياهو وكان هناك فتور بينهما، لم تظهر كلينتون أية علامات عدم اتفاق مع أوباما».

وفي حين يؤكد البيت الأبيض اهتمام أوباما بمفاوضات السلام، فإن كلينتون هي التي رعت المفاوضات في مقر وزارة الخارجية وستشارك في الجولة المقبلة من المفاوضات. وقامت أمس بمقابلة صحافية مشتركة بين التلفزيونين الفلسطيني والإسرائيلي لتأكيد أهمية العمل على التوصل إلى حل سلمي للنزاع بين الطرفين.

وأفاد مسؤول في وزارة الخارجية أن مسؤولين أميركيين سيشاركون في اجتماعات لجان العمل استعدادا للمفاوضات، ولكنه امتنع عن تحديد الدور الأميركي في الاجتماعات التحضيرية خلال الأسبوعين المقبلين استعدادا لجولة المفاوضات يومي 14 و15 سبتمبر (أيلول) الحالي.