العراقيون حائرون أمام الإشارات المتضاربة من أميركا

لا يعرفون ما إذا كانت الولايات المتحدة تريد البقاء أم الرحيل

TT

في حين كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يعلن الخميس الماضي أنه قد «حان الوقت لطي الصفحة» داخل العراق، كان محمود عثمان الذي كان يتابع الخطاب في الساعة الثالثة صباحا يشعر بصدمة. فبالنسبة للأميركيين، كانت الرسالة واضحة: لقد انتهت الحرب الأميركية في العراق. ولكن السياسي الكردي كان يسمع شيئا مختلفا؛ فعلى الرغم من الإصرار الأميركي على بقاء الأميركيين ملتزمين تجاه العراق، فإنهم في منتصف الطريق في سعيهم إلى الرحيل.

وقال عثمان: «قرروا أن ينتهوا من ذلك، ولكنهم يعلمون أن الأمر لم ينته بعد. الحرب ضد الإرهاب لا تزال قائمة، والتدخل الإيراني لا يزال قائما. إنهم يكذبون كي يقولوا لمواطنيهم إنهم تركوا وراءهم حكومة قادرة، وإن القوات العراقية ذات كفاءة.. ولكن لا توجد حكومة، ولا يثق الشعب العراقي في القوات الأمنية العراقية، وتتزايد المعاناة العراقية يوما بعد آخر».

ويقول الكثير من العراقيين إنهم لم يكونوا يتوقعون أن إعلان أوباما سيبدو نهائيا، أو أن وزير الدفاع روبرت غيتس سيعترف بأن الحرب انتهت. ويقول عثمان: «أشعر بالإحباط من هذه الإدارة الجديدة، فهم يرغبون في الهرب من العراق».

كما انتقد عثمان زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى بغداد خلال الأسبوع الماضي للإشارة إلى انتهاء المهمة القتالية الأميركية، وتساءل: «لماذا لم يعقد بايدن أي مؤتمر صحافي عندما كان هنا؟» وقال: «هذه أميركا، ومن المفترض أنها تتحلى بالشفافية».

ولكن، حتى في الوقت الذي تعلن فيه الإدارة عن أن الحرب التي استغرقت أكثر من سبعة أعوام قد انتهت، يبعث دبلوماسيون أميركيون وقادة عسكريون في العراق برسالة مختلفة نوعا ما، مفادها أنهم سيبقون هنا، ولو بأعداد أقل، لمدة 16 شهرا أخرى على الأقل.

لقد قضى الأميركيون العام الماضي يطمئنون العراقيين ويقولون إنهم لن يتركوا العراق في الوحل. وقالوا إنهم يعرفون أن ثمة تحديات قائمة، وإنهم سيكونون هنا كي يساعدوا على التعامل معها، وعلى رأسها الخلاف العربي - الكردي بشأن أراض يمكن أن يؤدي إلى معارك، وإصلاحات دستورية حساسة للغاية لم يتم تناولها، وقانون بشأن تقاسم عوائد النفط لم يُمرر وأعمال عنف لا تزال قائمة على الرغم من تراجع وتيرتها.

وفي خطاب الوداع الأربعاء الماضي، خلال الاحتفال بمناسبة تغيير القيادة، طلب الجنرال راي أوديرنو من العراقيين التحلي بـ«صبر استراتيجي». وفي تصريحات سابقة، أشار إلى احتمال وجود علاقة عسكرية أميركية مع العراق بعد 31 ديسمبر (كانون الأول) 2011، وهو الموعد النهائي المحدد للانسحاب الأميركي، وفق ما هو منصوص عليه في اتفاق أمني ثنائي. وأشار السفير الأميركي الجديد، جيمس جيفري، إلى شيء مماثل في أول مؤتمر صحافي له في بغداد الشهر الماضي، وقال: «الشيء الذي نسعى إلى الوصول إليه ألا نتخلى عن العراق، ونحن لن نرحل عن العراق، فأعمال العنف والشكوك والمخاطر التي تتهدد استراتيجيتنا لم تنتهِ حتى الآن». وقد أثار الشعور بوجود رسالة أميركية مختلطة حالة من الشكوك لدى الكثير من العراقيين. ويقولون إنهم لا يعرفون على وجه التأكيد ما الذي يريدونه، ولا يعرفون ما إذا كانت الولايات المتحدة تريد البقاء أم الرحيل، ولا يعرفون يقينا هل سيكون مستقبلهم أفضل من ماضيهم.

ويقول نجاح عبد الرحمن، وهو تاجر كتب في شارع المتنبي ببغداد: «تغير الأمر بالنسبة لهم»، في إشارة إلى الأميركيين. وأضاف: «انتهى ذلك بسبب الخسائر غير المتوقعة في الأرواح والأموال». وداخل متجره توجد صور تظهر الخسائر التي تكبدها عبد الرحمن بصورة شخصية، حيث قُتل شقيق له وقريب آخر في تفجير عام 2007 وقع في هذا الشارع الذي يحمل اسم الشاعر العراقي الشهير، والمعروف بأماكن بيع الكتب. وأضاف عبد الرحمن: «دخلوا من أجل لا شيء، وأطاحوا بنظام حاكم، ولكنهم تسببوا في صراع بسبب الأطراف الكثيرة التي جلبوها معهم، ونجدهم يخرجون قواتهم حاليا. لا نعرف ماذا يريدون، نخشى من أنه بعد انسحابهم سيعود القتل الطائفي، ولكن في نفس الوقت نعرف أن عمليات القتل بدأت عندما جاء الأميركيون إلى هنا. في الواقع، نشعر بالحيرة». وقال: «لا نعرف ماذا حدث، ولا ما يحدث، ولا ما سيحدث، ولكن العراق دولة لا تعرف النسيان».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»