تركيا تستعد للاستفتاء: استفتاء تركيا: تعديل الدستور يمهد لتغييره.. ومصير «أتاتورك» في صناديق الاقتراع

أردوغان اختار توقيته في الذكرى الثلاثين للانقلاب العسكري عام 1980 كعنوان لنهاية سلطة العسكر

TT

يوم الأحد المقبل، يتوجه نحو 50 مليون تركي إلى صناديق الاقتراع للتصويت بـ«نعم» أو «لا»، كلتاهما ستكون تاريخية في عمر تاريخ تركيا الحديثة، التي تشهد مخاضا، ستولد من بعده صيغة جديدة للحكم في تركيا الطامحة إلى استعادة الدور والنفوذ في الرقعة الجغرافية السابقة لـ«السلطنة العثمانية».

فكلمة «نعم» في الاستفتاء على حزمة التعديلات الدستورية، خاصة إذا أتت قوية، ستطلق يد حكومة حزب العدالة والتنمية في مسعاها الذي أصبح معلنا، حيث العمل لتغيير الدستور التركي في عام 2011، وهو ما أبلغه كبير مستشاري أردوغان، إبراهيم قالن، لـ«الشرق الأوسط» في أولى حلقات ملف «تركيا على مفترق طرق: العلمنة أو الأسلمة» الذي تنشر حلقته الأخيرة اليوم، وقد عاد وأكده أردوغان نفسه أمس في زيارته إلى «ديار بكر». أما كلمة «لا» فمن شأنها أن تطرح أسئلة كبيرة على حكومة أردوغان بعد 7 سنوات في السلطة ظهر في آخرها بعض التراجع في شعبية الحزب الحاكم، مقابل ارتفاع في شعبية رئيسه في تركيا وخارجها.

وفي حين أن مؤيدي الحزب الحاكم يحبون أن يرسموا «نتائج إيجابية» للموافقة على التعديلات الدستورية، بالتركيز على معايير الديمقراطية وحقوق المرأة والعمال وحق الموظفين بالقطاع العام في تشكيل النقابات، يركز معارضوه على مسعى حزب العدالة لـ«التفرد» بالسلطة وتحويل جمهورية «أتاتورك» العلمانية إلى جمهورية إسلامية استنادا إلى الخلفية الدينية لقادة الحزب الحاكم الذي لا يزال يواجه معارضة شديدة من العلمانيين والجيش والمحكمة الدستورية.

فقد حمل بعض المعارضين لافتات تقول «لإعادة تأسيس جمهورية أتاتورك مرة أخرى: لا توجد للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حزب العدالة والتنمية، ودستوره». أما بعض ملصقات حملة «لا» فقد ذهبت إلى حد القول بأن التصويت بـ«نعم» في صناديق الاقتراع، يمحو مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك من صفحات التاريخ، وأن جمهورية تركيا ستسقط.

ومن يزور تركيا يلحظ شبه إجماع لدى معارضي حزب العدالة والتنمية على القول بأن الحزب سوف يزور نتائج الاستفتاء «كما زور نتائج الانتخابات». وتقول زينب، وهي معلمة رياضيات من أنقرة، إن ثمة الكثير من الشكوك حول التزوير في النتائج، متحدثة عن إيجاد الكثير من أوراق التصويت مرمية في ضواح بعيدة من أنقرة في الانتخابات السابقة، مشيرة إلى زميلتها المتدينة، وغير المحجبة، سحر التي لا تؤيد أردوغان رغم التزامها الديني. أما في إسطنبول، فيكرر علي، العامل في إحدى شركات السفر التركية، المخاوف من التزوير، جازما بحصوله.

وهذا التخوف الذي يرده أنصار الحزب الحاكم إلى رغبة مسبقة من المعارضة في الطعن في نتائج الانتخابات، لا يقتصر على الناس العاديين فقط، بل يتعداهم إلى الإعلاميين والسياسيين. وحذر نيكاتي دوغروا، من صحيفة «سوزوا» المعارضة، في مقاله من أن الحزب الحاكم سوف يستخدم «برامج كومبيوتر» للتدخل في نتائج الاستفتاء. كذلك قال خان أتاكلي، من صحيفة «فاتان» اليومية، إن «الغالبية العظمى من الناس يشعرون بأن نتائج الاستفتاء سيتم تزويرها»، معتبرا أن أغلبية الناخبين في المناطق الحضرية، يعتقدون أن «الانتخابات مزورة إلكترونيا».

ويعرب نائب حزب الشعب الجمهوري، تاسيدار سيهان، عن المخاوف نفسها، قائلا: «هناك مناقشات جادة في القطاع العام حول البرامج التي تم استخدامها من قبل المجلس الأعلى للانتخابات وجدارتها بالثقة». مضيفا: «أغلبية ساحقة من الشعب تعتقد أنه سيتم التلاعب من قبل البرنامج مع أطراف خارجية. وهناك مخاوف من أن يتم برمجة برنامج لإنتاج 52 في المائة أو 53 في المائة بـ(نعم)، وأن بعض الذين لا يصوتون سيتم نقل صناديق الاقتراع الخاصة بهم فارغة إلى مربع (نعم)».

أما رئيس الحزب الجمهوري المعارض، كمال قليجدار أوغلو، فقد اتهم الحكومة الحالية بمحاولة إسكات كل الأصوات المعارضة، معتبرا أن هذا الإصلاح الدستوري مساس بدولة القانون، قائلا: «إن الهدف من هذه التعديلات ليس تعزيز الديمقراطية بقدر ما هو تعزيز لسيطرة حزب العدالة على الحياة السياسية التركية ومؤسسات الدولة». مستشهدا بالمادة 35 من الدستور التي تمنح الجيش حق التدخل العسكري لحماية الجمهورية، والتي لم يطرحها الحزب للتعديل أو الإلغاء، وهي مادة ثبتت في دستور عام 1983 إثر الانقلاب الذي قام به الجنرال كنعان ايفرين عام 1980، وهي تقول «إن وظيفة القوات المسلحة هي حماية والحفاظ على الوطن والجمهورية التركية كما هي محددة في الدستور»، وتعطي الجيش صلاحية التحرك بالسلاح حتى لو في مواجهة الداخل، بمعنى بقاء إمكان قيام الجيش بانقلاب عسكري في هذا الظرف أو ذاك.

ومع هذا، فإن حزب العدالة والتنمية، يؤكد أن معركته السياسية هي مع الجيش، من خلال تأكيده على التعديلات التي ستسمح بمحاكمة منفذي انقلاب عام 1983 أمام المحاكم المدنية بعد إسقاط حصانتهم في الدستور، وهم - للمفارقة - ماتوا جميعا، ما عدا ايفرين البالغ من العمر 92 عاما، الذي أكد أنه غير نادم على ما فعل.

وقد اختار أردوغان وحزبه توقيتا لافتا وذكيا لموعد الاستفتاء، وهو 12 سبتمبر (أيلول)، أي في الذكرى السنوية الـ30 للانقلاب العسكري الذي أعدم الجيش إثره المئات واعتقل الآلاف وحظر الأحزاب السياسية، قبل أن يضع دستورا جديدا في عام 1980، وهو ما يراه محللون أنه «محاولة لوضع نهاية سلمية لمرحلة سيطرة النظام العسكري» من قبل حزب العدالة الذي كان قد فتح المعركة مع شبكة «أرغينيكون»، المتهمة بمحاولة الانقلاب على الحزب الحاكم، التي أوقف بسببها عشرات من الضباط الأتراك مطلع هذا العام.

ورغم هذا فإن التوقعات تشير إلى إمكانية كبيرة جدا لتمرير التعديلات الدستورية، بسبب تشتت قوى المعارضة وعدم اتفاقها على برنامج مواجهة موحد. وقد كشف أحدث استطلاع للرأي أجرته شركة «A&G» التركية عن أرقام ونتائج مثيرة، ففي الاستطلاع الذي شمل 2405 أتراك في 33 محافظة تركية، تبين أن نسبة الذين سيصوتون بقبول التعديلات الدستورية 45.2 في المائة، بينما نسبة الذين سيصوتون من أجل رفض التعديلات 44 في المائة، أما نسبة الأصوات المحايدة فكانت 10.8 في المائة. وبتوزيع الأصوات المحايدة على الطرفين تكون نسبة القبول 50.7 في المائة، ونسبة الرفض 49.3 في المائة.

ويعارض حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية المتطرفة، التعديلات الدستورية لأنها «تفتقر إلى البعد الإصلاحي والديمقراطي»، معتبرين «أن هدفها هو سيطرة حزب العدالة والتنمية على مؤسسات البلاد، والتحرر من عقدة إمكان حظره من قبل المحكمة الدستورية العليا بعد أن نجا من دعوى بهذا الخصوص عام 2008». بينما أن حزب السلام والديمقراطية الكردي الممثل في البرلمان (20 نائبا) يعارضها لأنها «أتت خالية من أي بنود من شأنها ملامسة المسألة الكردية». وقد اشترط الأكراد مسبقا دعم التعديلات بخطوات إصلاحية تمس مشكلتهم، وهو ما لم يلحظ. وقد قيل بأن سبب ذلك حرص حزب العدالة على عدم الاصطدام مع الجيش من جهة، ومن جهة ثانية الحرص على ضمان نجاح الاستفتاء.

وتعاني أحزاب المعارضة الكثير في مسعاها لمواجهة الحكومة، وقد بدأ بعضها مواجهة أزمات داخلية على خلفية التصويت في الاستفتاء، إذ أعلن 7300 عضو في الحزب اليساري الديمقراطي استقالتهم الجماعية من حزبهم المعارض للتعديل الدستوري والتصويت للدستور الجديد. ونقل عن قائد المنشقين، محمد إيك، مسؤول الحزب في إقليم موش شرق تركيا، قوله: «بتصويتنا نحن الـ7300 عضو بـ(نعم) سنساهم في وضع أسس تركيا جديدة من دون طعمة عسكرية، ومن دون شبكة (أرغينيكون)، تثمن فيها سيادة القانون ويسودها مستقبل زاهر».

ويرى رئيس قسم الشؤون الدولية في جامعة مرمرة، الدكتور برهان كور أوغلو، أن «تركيا لا تزال تواجه الكثير من المشكلات الكبيرة نتيجة ترسبات الأنظمة المتتالية أو حكم النخب البيروقراطية العسكرية أو المدنية، في الفترات الماضية». معتبرا أن «هذا الاستفتاء إذا نجح سيرفع سلطة النخب العسكرية والقضائية والبيروقراطية من الدستور التركي، لأن هذه الدساتير، منذ البداية، أعدت من قبل إما العسكريون، وإما مدنيون لديهم ذهنية عسكرية. وهذه الدساتير كانت تخدم دائما النخب المتسلطة، خاصة الدستور الذي أعده العسكريون بعد انقلاب عام 1980، وفيه الكثير من العيوب، وهو دستور غير ديمقراطي يعطي الامتيازات للجيش والنخب القضائية. وهذه تجعل الدستور بمقاييس الديمقراطية، دستورا فيه عيوب كثيرة، وتركيا لا تستطيع معه أن ترتفع إلى مستوى دولة ديمقراطية ذات مستوى عالمي، ولا يمكن أن ترتقي اقتصاديا وفكريا وثقافيا».

ويشير كور أوغلو إلى حاجة لتعديل دستوري واسع النطاق، والحكومة حاولت ذلك، لكن النضال السياسي العقيم في تركيا، يجعل المعارضة تعارض من أجل المعارضة، بدلا من دعم الحكومة لرفع العيوب من الدستور، لكن يبدو أنهم ظنوا أن التعديلات ترفع من شأن الحكومة. أما المعارضة اليمينية فهي معارضة تحب أن تكون الدولة أقوى من الشعب، والمعارضة اليسارية شوفينية، لذلك لم يدعموا التعديلات الديمقراطية، فبقي التعديل جزئيا، لم يأت شاملا.

وينفي كوراوغلو أن يكون معنى نجاح التعديلات «بداية نهاية تركيا التي أسسها كمال أتاتورك»، قائلا: «هؤلاء النخبويون يحاولون أن يجعلوا من أتاتورك رمزا لنظرتهم أو لسلطتهم. كمال أتاتورك هو الرجل الذي أسس الدولة وتوفي قبل 50 سنة، فلا يمكن أن نجعله رمزا لكل المصائب التي قام بها البعض من بعده. هو أسس الدولة في ظروف استثنائية صعبة، وبعد موته عام 1939 أنشئ نظام أحزاب متعددة، هو كان عسكريا قاد الجمهورية وحده، لكن بعده عدة مراحل مرت، ولا يمكننا أن نحمله مسؤولية كل شيء، هو كانت لديه أخطاء وإيجابيات». ويضيف: «الاستفتاء وحده لا يمكن أن يغير، لكن أهمية الاستفتاء تكمن في أنه سيعدل نظام حكم العسكر في تركيا، ففي كل 10 سنوات كان العسكر يقومون بانقلاب ويأتون بحكم جديد. لكن العسكر ليسوا على قوتهم السابقة، وهذا التعديل هو بداية لمرحلة جديدة في تقليل قوتهم السياسية، هي بداية جديدة للمسيرة الديمقراطية لكن الطريق أمامنا طويل».

أما الأستاذ في جامعة إسطنبول، الدكتور جنيد منكو، فيرى أن الاستفتاء الحالي «ليس مجرد استفتاء لتغيير مواد في الدستور، لكن قد يكون له منظر آخر، فهو قد يكون استفتاء على الحكومة، فالحكومة الحالية قد ترغب مستقبلا في تغيير النظام من نظام يحكم فيه مجلس الوزراء إلى نظام رئاسي، مستدلا على ذلك بتصريحات عدة أطلقها أردوغان عن نيته في عدم ترشيح نفسه للانتخابات بعد عام 2013، وبما أنه لن ينسحب من السياسة، لذلك أرى أنه سيترشح لرئاسة الجمهورية».

لكن منكو يأخذ على التعديلات أنها «سياسية أكثر من اقتصادية، في حين أن الشعب التركي يحتاج إلى إصلاحات اقتصادية»، ورد التقارب في الأصوات إلى الأوضاع الاقتصادية.

نافيا أن يكون حزب العدالة «يرغب في تحويل تركيا من دولة علمانية إلى دولة دينية، فالحزب مقتنع بأن العلمانية نظام جيد». مشيرا في المقابل إلى أنه «يرغب في الحفاظ على العادات والتقاليد والعلاقات الإنسانية وفق الشريعة الإسلامية».

ويقول الباحث في الشأن التركي، الدكتور محمد نور الدين، إن الانقسام السياسي في البلاد بين سلطة ينفرد بها حزب العدالة والتنمية، ومعارضة علمانية ويسارية وقومية وكردية، جمع أطرافها فقط العداء لحزب العدالة والتنمية، حول أي قضية تطرحها الحكومة أمام البرلمان إلى نقطة نزاع على قاعدة «عنزة ولو طارت». معتبرا أن الأحزاب السياسية في تركيا لم تستطع أن تفصل بين المصلحة العامة لدولة ومجتمع يطمحان إلى التطور والتقدم، وبين تطلعاتها السياسية الخاصة. وهكذا، مثلا، تحول حزب الشعب الجمهوري الذي يوصف بأنه اشتراكي اجتماعي إلى حزب يميني معاد للحريات والديمقراطية.

ويشير نور الدين إلى أن استفتاء 12 سبتمبر سوف يضعف مزاجية المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، ويقيد مجلس الشورى العسكري الأعلى في مزاجية طرده لضباط وجنود بحجة أنهم «رجعيون»، أي لهم أهواء إسلامية. وتتيح الإصلاحات محاكمة عسكريين أمام محاكم مدنية نظرا إلى تحيز القضاء العسكري. كما تتيح الإصلاحات تصفية الحساب ومحاكمة كل من له صلة بانقلاب 1980 رغم أنهم جميعا، باستثناء زعيمهم كنعان ايفرين، قد ماتوا.

مشيرا إلى أنه إذا نجح الاستفتاء في نيل أصوات الأكثرية المطلقة من الأتراك، أي فوق 50 في المائة، فإن تركيا ستكون أمام مرحلة جديدة، ويمكن عندها للبرلمان أن يشرع ويعدل القوانين والدستور عندما يرى ضرورة لذلك، من دون أن تبطل المحكمة الدستورية، من دون وجه حق، هذه التعديلات. وفي إمكان العدالة أن تأخذ مجراها بعيدا عن مزاجية مجلس القضاء الأعلى أو القضاء العسكري.

معتبرا أن حزب العدالة والتنمية سيكون مرتاحا إذا نال الاستفتاء أكثرية معقولة، أي بما يتجاوز 55 في المائة. وفي حال تدني التأييد عن هذه النسبة فإن رجب طيب أردوغان لن يكون مرتاحا كثيرا وقد يلجأ إلى مبادرات لاستعادة ثقة الناخب بشكل أكبر في حكومته. أما إذا أخفقت الإصلاحات في نيل ثقة الناخبين فإن أردوغان سيكون أمام ضغط شديد لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، لأن التصويت في النهاية، وفقا لما هو جار، هو على بقاء أردوغان في السلطة أم لا، وليس على الإصلاحات.

والتعديلات الدستورية التي سيجري الاستفتاء عليها تتألف من 26 مادة، وهي تعديلات في معظمها عادية، لكن ثلاثة منها استغرقت كل الاهتمام، وهي إعادة هيكلة مؤسسات القضاء عبر زيادة عدد أعضاء المحكمة الدستورية من 11 إلى 17، وعدد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والمدعين العامين من 7 إلى 22، فضلا عن تغيير آليات التعيين والانتخاب في هذه المؤسسات، بحيث يصبح لرئيس الجمهورية صلاحية أكبر، بالإضافة إلى محاكمة العسكريين، ويتضمن ذلك كبار قادة الجيش أمام المحاكم المدنية بدلا من العسكرية حصرا.

وكانت محاولة من المعارضة لمنع الاستفتاء عبر المحكمة الدستورية قد نجحت جزئيا في التقليل من حدة التعديلات، فقد رفضت المحكمة الدستورية العليا طلب المعارضة بإلغاء الاستفتاء والتعديلات الدستورية، في شأن تركيبة الهيئة العليا للقضاء التي تشرف على تعيين القضاة والمدعين العامين. لكن المحكمة عدلت مادتين تتعلقان بانتخاب واختيار قضاة الهيئة، من دون أن تلغيهما، مما اعتبر بمثابة حل وسط بين مطالب المعارضة والحكومة.

ويتيح التعديل للحكومة تحقيق هدفها في تغيير شكل الهيئة العليا للقضاء وزيادة أعضائها من 11 إلى 17، لكنه لا يتيح لها التدخل بشكل كبير في انتخاب هؤلاء، مما أحبط آمال حزب العدالة والتنمية (الحاكم) الذي تأجل رهانه على الإمساك بمفاصل السلطة. فالآلية الجديدة ستمكن الحكومة من التدخل في انتخاب مقربين لها ضمن الهيئة، ولكن ليس بالعدد المطلوب، مما يعني أن تغيير جميع أعضاء الهيئة في الشكل الذي تسعى إليه الحكومة، سيستغرق بين خمس وعشر سنوات على الأقل.

وألغت المحكمة أيضا الفقرة المتعلقة بإمكان تعيين أكاديميين من خريجي كلية العلوم السياسية، في الهيئة العليا للقضاء، معتبرة أن ذلك سيؤدي إلى تسييس القضاء، وتعيين غير أهل الاختصاص في مناصب حساسة. جاء ذلك بعدما اتهمت المعارضة الحكومة بالسعي إلى تغيير تركيبة الهيئة، عبر زيادة عدد أعضائها من 7 إلى 22، يعين الرئيس 4 منهم. ورأت أن ذلك سيؤدي إلى تغيير تركيبة المحكمة الدستورية العليا أيضا، بينما تتهم الحكومة الهيئة بتسييس القضاء واتخاذ مواقف آيديولوجية ضد مشاريع الحكومة وسياساتها.