الجنرال أوديرنو يغادر بغداد قلقا.. ويحذر: الأمر لم ينته بعد

القائد الأميركي السابق: سنحتاج 3 إلى 5 أعوام بعد 2011 لنرى أي اتجاه يسير فيه العراق

الجنرال راي أوديرنو (رويترز)
TT

عندما عاد الجنرال راي أوديرنو إلى العراق نهاية 2006 كي يتولى المسؤولية عن القوات الأميركية في أسوأ أيام تمر بها الحرب داخل العراق، حدد فريقه أسباب المشكلات التي يعاني منها العراق في وثيقة أطلق عليها الفريق «مخطط ثغرة».

وحُددت في الرسم البياني المفصل، الذي كان ثمرة كثير من جلسات النقاش استمرت حتى وقت متأخر ليلا بين أوديرنو وأصدقاء مقربين، تطلعات العراقيين واحتياجاتهم، وعجز الحكومة عن الوفاء بين هذا وذاك، علاوة على الجماعات المسلحة التي كانت تستغل ذلك الوضع.

في ذلك الوقت، كانت الميليشيات تتفوق على القوات الأمنية العراقية، وقسمت المعارك الطائفية الأحياء العراقية، وبقيت الحكومة المنتخبة أخيرا عاجزة عن القيام بشيء. وخلص أوديرنو إلى أن الوسيلة الوحيدة لتجنب الهزيمة تتمثل في أن يقوم الجيش الأميركي بملأ الفراغ بسرعة وحسم ليصبح مسؤولا عن الدولة.

وبعد قرابة أربعة أعوام، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما نهاية المهمة القتالية داخل العراق وخفض القوات الأميركية إلى أقل من 50.000 جنديا. وترك أوديرنو، الذي أصبح الجنرال الأميركي الأبرز في الحرب، القيادة في بغداد. وخلال احتفال أقيم يوم الأربعاء الماضي سجل التحول الرسمي من «عملية تحرير العراق» إلى «عملية الفجر الجديد»، تحدث أوديرنو عن أحداث مهمة تبعث الأمل شهدها، وأثنى على تضحيات ومرونة الشعب العراقي الذي «وقف ضد الاستبداد والإرهاب والتطرف وقرر تحديد مصيره كشعب وكدولة ديمقراطية».

ومع رحيل الجنرال ومساعديه عن بغداد الأسبوع الماضي طرحت بعض التساؤلات المهمة نفسها: هل لا تزال المسافة بين احتياجات المجتمع العراقي وقدرات الحكومة واسعة على نحو خطير؟ ومَن سيملأ الفراغ في الوقت الذي يفك فيه الجيش الأميركي ارتباطه بالعراق على مدار العام المقبل؟

قال أوديرنو في مقابلة من بغداد قبل أن يرحل: «سنحتاج إلى ما بين 3 إلى 5 أعوام بعد 2011 قبل أن نفهم فعليا الاتجاه الذي يسير إليه العراق، وإلى أي مدى حققنا نجاحا في دفع العراق إلى الأمام». وبسؤاله عن ما إذا كان في الإمكان أن تتداعى الأوضاع، أجاب «من المحتمل».

لقد خدم أوديرنو في العراق لفترة أطول من أي زميل له (أكثر من أربعة وأعوام ونصف في المجمل)، كما أنه يترك وراءه حربا لم يحدَّد فيها المنتصر والخاسر، بل لم تنته حتى الآن.

وقد قلت الفجوة بصورة واحدة ملحوظة: تزداد القوات الأمنية العراقية المدربة والمجهزة التي أعدها الجيش الأميركي حرفية وكفاءة بدرجة كبيرة. ولكن الطبقة الحاكمة - المكونة بدرجة كبيرة من أفراد كانوا يعيشون في المنفى وعادوا ليتولوا زمام السلطة بعد غزو 2003 - منشغلة باقتتال من أجل الحكم وعاجزة عن تشكيل حكومة بعد مرور ستة أشهر على الانتخابات البرلمانية. ولا تزال الخدمات الرئيسية ضعيفة وفي بعض الحالات متدهورة بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل أعوام قليلة. وتشن مجموعات متمردة هجمات بصورة يومية تقريبا، وثمة صعوبات أمام الوصول إلى تصالح بين المجموعات العرقية والطائفية.

وتقول إيما سكاي، مستشارة أوديرنو السياسية لوقت طويل: «ليست هذه الطريقة التي توقعنا أن ينتهي بها الأمر، فنحن نريد أن يكون العراق في وضع حسن».لقد وصل أوديرنو إلى العراق خلال الغزو عام 2003 كقائد للفرقة الرابعة مشاة. وانتشرت الفرقة داخل ثلاث محافظات في شمال العراق، أصبحت بعد ذلك مهد التمرد السني. واكتسب الجنرال سمعة خلال الأعوام الأول من الحرب كشخص خشن يطلق النار حتى قبل أن يتأكد من الهدف.

ويقول أوديرنو إن القادة الأميركيين في ذلك الوقت كانوا واثقين من أن تدريبهم ومعداتهم تضمن لهم النصر. وأشار إلى أنهم لم يفهموا الخلافات الثقافية والدينية داخل العراق. ويقر قائلا: «في 2003 كنت أخاف الثقافة العربية».

وبعد جولته الأولى في العراق، عمل أوديرنو مساعدا لرئيس هيئة الأركان المشتركة. وعندما عاد إلى العراق عام 2006 ليكون الرجل الثاني في القوات الأميركية هناك، كانت البلاد على وشك الانزلاق إلى حالة من الفوضى. ويقول: «كان الشيعة والسنة يتقاتلون بشكل صريح في الشوارع. وكان الوضع عبارة عن فوضى تامة». وكانت خطة الجيش في ذلك الوقت هي تحويل المسؤولية إلى العراقيين من أجل الرحيل.

ولكن، توصل فريق أوديرنو إلى منهج مختلف حصل في النهاية على دعم البيت الأبيض تحت رئاسة جورج بوش، وكان ينص ذلك على تعبئة 30.000 جندي إضافيين في جبهات الحرب الطائفية والوصول إلى صفقات مع المسلحين المستعدين لتغيير الجانب الذي يعملون من أجله.

ويقول أوديرنو: «في كل ليلة كانت تحدث نقاشات حتى وقت متأخر من الليل للتعرف على السبب. ما الذي يجعل ذلك يحدث؟» وذلك في إشارة إلى جلسات النقاش التي أثمرت هذه الاستراتيجية. وأدت جلسات النقاش أيضا إلى أول «مخطط ثغرة» وصف العراق بأنه «دولة فاشلة يجب بناؤها».

وحتى يحدث ذلك، سيقوم الجيش الأميركي بتحمل قدر أكبر من المسؤولية وضخ ملايين الدولارات في عمليات إعادة بناء وتنمية اقتصادية وتأمين المناطق المتقلبة. وكانت هذه الخطة بمثابة تحول درامي بالنسبة إلى قائد اشتهر في العراق باستخدام القوة بصورة مفرطة.

وكانت الأشهر الأول من عملية زيادة القوات الأميركية داخل العراق، التي بدأت في يناير (كانون الثاني) 2007، تبعث شعورا بالخوف. وزادت أعمال العنف، ووصلت معدلات الهجمات ضد القوات الأميركية إلى مستويات غير مسبوقة. ولم يكن أوديرنو يعقد اجتماعا من دون أن يدخل أحد مساعديه ومعه ورقة فيها آخر إحصاءات القتلى بين القوات.

وحتى نهاية فصل الصيف من ذلك العام بدأت تظهر بعض الإشارات التي تدلل على أن الاستراتيجية تؤتي نتائج طيبة. وبحلول فصل الخريف من عام 2008، عندما أصبح أوديرنو القائد الأعلى، وصفت «مخطط ثغرة» العراق بأنه «دولة هشة يجب بناؤها».

ومع نهاية ذلك العام، وقعت الحكومة العراقية اتفاقا مع الولايات المتحدة ينص على رحيل القوات الأميركية من المدن العراقية بحلول 30 يونيو (حزيران) 2009، ورحيل القوات الأميركية من العراق برمتها في نهاية 2011.

وفي ربيع 2009، وجه أوديرنو أوامر إلى قادته وطلب منهم وقف العمليات الأحادية، وكانت هذه التعليمات تحديا لقادة كانوا ينظرون إلى العراق على أنه «ميدان قتال» خاص بهم. وقال الجنرال: «يشبه الأمر تحويل اتجاه سفينة. وسيستغرق وقتا».

وقام الجيش الأميركي بإخلاء سجونه داخل العراق. وبدأ الجيش ينفصل بشكل كبير عن عمليات إعادة الإعمار والتنمية. وأخذ الجيش الأميركي ينزل عند رغبة القوات الأمنية المحلية على الرغم من أن بعض الجنود الأميركيين كانوا لا يبدون الاحترام اللازم، حيث كانوا يعتبرون التكتيكات العراقية غير فعالة وتعوزها الحكمة.

وستركز القوات الأميركية حاليا في الأغلب على التدريب وتجهيز القوات الأمنية العراقية. وفي العام الحالي وصف «مخطط ثغرة» العراق بأنه «ديمقراطية ناشئة يجب تطويرها».

وفي صيف العام الماضي، احتفل العراقيون برحيل القوات الأميركية من مدنهم ورقصوا في الشوارع ورفرفوا بالأعلام وأطلقوا الألعاب النارية. وفي مارس (آذار) صوتوا بأعداد كبيرة لانتخاب برلمان جديد.

ومنذ ذلك الحين، نجد أن الحالة المزاجية السائدة غير جيدة، فقد بدأ المشرعون العراقيون يحصلون على 10.000 دولار شهريا ولكن لم تظهر إشارة على أنهم يقتربون من تحديد مَن يتولى منصب رئيس الوزراء أو المناصب الحكومية البارزة الأخرى. وقد أدى انقطاع التيار الكهربائي إلى مظاهرات غاضبة خلال الأسابيع الأخيرة. وبرهن المسلحون على قوتهم من خلال تنفيذ هجمات في مختلف أنحاء الدولة ومن بينها هجمات كبيرة داخل بغداد وفي مدن جنوبية كانت من أكثر المدن العراقية أمنا.

ويقول أوديرنو: «الوضع الأمني حاليا في حال يمكنهم من التحرك قدما. إنهم في حاجة إلى حكومة جديدة». وخلال أيامه الأخيرة داخل العراق، شاهد أوديرنو ومساعدوه أعمال العنف بحالة من الخوف وكانوا يراقبون الصفقات السياسية بحثا عن أية إشارة على تحقق اختراق. ويخشى الجنرال أن ترفع الولايات المتحدة يديها عن العراق سريعا. وشعر بالقلق في وقت مبكر من العام الحالي عندما ضغط مشرعون أميركيون ضد طلبات إدارة أوباما الخاصة بتمويل العراق خلال العام المقبل.

قبل أشهر قليلة شاهد أوديرنو «حرب تشارلي ويلسون»، وهو فيلم عن حرب أميركية بالوكالة ضد الروس في أفغانستان خلال الثمانينات. ويتناول الفيلم السعي الأميركي إلى تسليح المقاتلين الأفغان الذين كانوا يقاتلون الروس والذين طردوهم في نهاية المطاف. وجاء هذا الفوز بتكلفة، فبعد أن تراجع الروس، بدا المشرعون الأميركيون غير راغبين في الموافقة على طلبات لضخ أموال في الدولة الأفغانية التي أتت عليها الحرب. وبعد أعوام، سيطرت حركة طالبان على مقاليد الأمور داخل أفغانستان.

وتقول سكاي إن الفيلم بقي يتردد في ذهن أوديرنو، وكان يقتبس منه عندما كان يناقش مستقبل العراق مع مساعديه البارزين. ويقول أوديرنو: «سيكون العراق جزءا مني لباقي حياتي. وفي حين أرحل، أشعر بالفخر نوعا ما لما تمكنا من إنجازه. ولكن لم ينته الأمر بعد».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»