فشل مشاورات تشكيل حكومة في كل من هولندا وبلجيكا

انسحاب زعيم اليمين الهولندي المعادي للإسلام من المفاوضات.. ومحاولة أخيرة لملك بلجيكا مع مؤيدي الانفصال

TT

«إذا أمطرت السماء في لاهاي فلا بد أن تسقط الأمطار في بروكسل»، هذه المقولة تنطبق على ما جرى بالأمس في كل من هولندا وبلجيكا الدولتين الجارتين. وبعد أن جرت الانتخابات التشريعية في نفس التوقيت تقريبا خلال يونيو (حزيران) الماضي، انتهت المشاورات التي جرت بين الأحزاب المختلفة إلى نفس المصير، وهو الفشل في التوصل إلى اتفاق حول حكومة ائتلافية في البلدين.

ففي هولندا، انهارت المفاوضات الرامية لتشكيل الحكومة بإعلان زعيم حزب الحرية اليميني المعادي للإسلام عن انسحابه من المفاوضات التي كان يخوضها مع الحزب الليبرالي والحزب المسيحي الديمقراطي. وقال فيلدرز في مؤتمر صحافي أمس، إن التطورات التي حدثت مؤخرا داخل الحزب المسيحي الديمقراطي تجعل من الصعب ضمان الأغلبية في البرلمان بعد الشكوك القوية التي أثارها الوزير اب كلينك الرجل الثاني في الحزب المسيحي الديمقراطي حول إمكانية تشكيل حكومة يدعمها حزب الحرية اليميني.

وعقدت الملكة بياتريكس لقاءات مع مستشاريها لبحث سبل تشكيل ائتلاف حاكم جديد. وعقب المشاورات قال ايفو اوبستلتين، المكلف بالإشراف على المفاوضات، إنه سيقوم بمحاولة أخيرة مع قيادات الأحزاب الثلاثة، وسيقدم تقرير إلى الملكة حول نتائج اللقاءات. ومرت حتى الآن ثلاثة عشر أسبوعا منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في التاسع من يونيو الماضي، لكن ذلك ليس بالأمر الغريب في هولندا. فمنذ الحرب العالمية الثانية استغرق تشكيل الحكومات الائتلافية ثلاثة أشهر في المتوسط. لكن نتائج الانتخابات الأخيرة جعلت من الصعب على الحزب الفائز وهو الحزب الليبرالي تشكيل ائتلاف حاكم عقب فوزه بواحد وثلاثين مقعدا في البرلمان بفارق مقعد واحد من منافسه حزب العمال فيما فاز حزب الحرية اليميني بأربعة وعشرين مقعدا من مقاعد البرلمان الـ150.

وحسب تقارير إعلامية أوروبية، على الرغم من صعود حزب فيلدرز إلى المرتبة الثالة وطنيا، فإن مواقفه المتطرفة في معاداة الإسلام نفرت منه كل الحلفاء المحتملين فهو يطالب بحظر القرآن في هولندا ووقف بناء المزيد من المساجد وإغلاق المدارس الإسلامية وهي مطالب مخالفة للدستور الهولندي والمواثيق الأوروبية يتعذر على الأحزاب التقليدية الكبيرة القبول بها.

وقد قبل الحزب الليبرالي والمسيحي الديمقراطي تشكيل حكومة يؤيدها خيرت فيلدرز دون أن يشارك فيها إلا أن ذلك أيضا تعذر بسبب انسحاب فيلدرز. وحسب العديد من المراقبين، قد يعيد انسحاب فيلدرز من مفاوضات تشكيل الحكومة بعض التماسك والوحدة المظهرية للحزب المسيحي الديمقراطي إلى حين، لكن الخلاف الذي نشب بين ماكسيم فيرهاخن الزعيم الحالي للحزب والرجل الثاني فيه اب كلينك، سيترك شرخا عميقا في الحزب الذي خرج من الانتخابات الأخيرة مثخنا بالجراح بعد خسارة نصف مقاعده.

وقال فيلدرز إنه لا يثق في نية بعض أعضاء الحزب الديمقراطي المسيحي - أحد الأحزاب الثلاثة المشاركة في المفاوضات - التمسك بأي اتفاق قد يتم التوصل إليه. ومضى السياسي اليميني للقول: «هولندا بحاجة إلى حكومة مستقرة، وفي رأينا لا يتمكن الحزب الديمقراطي المسيحي من توفير الضمانات الكافية لتشكيل حكومة مستقرة.» وقال: «كنا نرغب بصدق في أن نكون قادرين على دعم حكومة مستقرة، ولكننا سنلعب بدل ذلك دورنا كأكبر حزب معارض.» وكان عدد من زعماء الحزب الديمقراطي المسيحي قد عبروا عن تحفظات جدية إزاء عقد صفقة مع فيلدرز وحزبه بسبب آرائه المتطرفة المعادية للإسلام والمهاجرين. يذكر أن هولندا تفتقر إلى حكومة منذ انهيار الائتلاف السابق في شباط (فبراير) الماضي. وأعلن نبأ فشل المفاوضات مارك روتيه زعيم الحزب الليبرالي (يمين الوسط) في مؤتمر صحافي عقده في لاهاي. وكان الحزب الليبرالي قد حقق فوزا ضئيلا في الانتخابات الأخيرة، إلا أنه لم يوفق في الفوز بأغلبية تخوله تشكيل الحكومة. وكان الليبراليون يأملون بأن تتيح لهم المفاوضات فرصة تشكيل حكومة ائتلاف يمينية مع حزب فيلدرز والحزب الديمقراطي المسيحي. ويقول المحللون إنه أصبح من غير المرجح تشكيل ائتلاف يدير شؤون البلاد قبل موعد تقديم الميزانية الجديدة في الحادي والعشرين من الشهر الجاري.

وفي بلجيكا، أجرى الملك ألبرت الثاني مشاورات مع قادة الأحزاب الكبرى التي شاركت في المشاورات الرامية لتشكيل ائتلاف حكومي. وبدأ الملك مشاورات مع حزب التحالف الفلاماني الذي يطالب بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة وإعطاء المزيد من الصلاحيات للمقاطعات. كما التقى الملك مع زعيم حزب الديمقراطي المسيحي الفلاماني الحليف السابق للتحالف الفلاماني. وجاءت المشاورات بين الملك والقيادات الحزبية، بعد استقالة اليو ديروبو زعيم الاشتراكي الوالوني المكلف بتشكيل ائتلاف حكومي.

وقرر الملك عدم البت في الاستقالة لكسب مزيد من الوقت، والانتظار لما ستسفر عنه مشاورات مع قادة الأحزاب. وقال اليو ديروبو إن تنحيه عن مهمته كوسيط سياسي لتشكيل ائتلاف حكومي مقبل يعد تنحيا نهائيا ولا رجعة عنه وإن جهوده التي بذلها طلية اثنين وثمانين يوما بشكل مستمر باءت بالفشل. وقال الزعيم القومي الفلمنكي بارت ديوفر الذي وجهت إليه وسائل الإعلام المختلفة تهما بأنه وراء إحباط المفاوضات إن كافة المشاركين في الاتصالات السياسية يتحملون بشكل أو بآخر جزءا مما آلت إليه الأوضاع في البلاد. ويحظى القوميون الفلمنكيون المطالبون بحكم ذاتي واسع لمقاطعتهم بدعم القوى المحافظة والمسيحية أيضا في مقاطعة الفلاندر مما يجعل هامش تحرك القوى الفرانكفونية أكثر من محدود. وتقول وسائل الإعلام البلجيكية إن المفاوضات بين الطائفتين أخفقت بسبب وجود خلاف جوهري بينهما بشأن معاينة حجم الإصلاحات المؤسساتية الواجب إجراؤها على هياكل الجولة الاتحادية ونظرا لعدم التزام الأطرف الفرانكفونية بخطة عمل واضحة لتقليص النفقات العامة للدولة الاتحادية مستقبلا والقبول بآلية صارمة لتمويل العاصمة بروكسل.

ودعت الصحف البلجيكية الصادرة أمس السبت إلى التزام الحذر والتحلي بالهدوء وتجنب إثارة النعرات الطائفية بسبب الطابع الحرج للوضع الذي تمر به البلاد. وقالت صحيفة «ليبر بلجيك»، إنه لا يوجد أي بديل سوى التوصل إلى اتفاق بين الطائفتين عبر تقديم تنازلات جوهرية من الطرفين هذه المرة حتى وإن كانت هذه التنازلات شاقة ومريرة وصعبة. وأسفرت الانتخابات الأخيرة في بلجيكا، عن فوز التحالف الفلامنكي، والاشتراكي الوالوني بأغلبية المقاعد، وتتألف بلجيكا من قسمين رئيسيين، وهما القسم الفلاماني القريب من الحدود مع هولندا ويتحدثون نفس اللغة تقريبا ويشكلون ما يقرب من 58% من سكان البلاد. وهناك القسم الوالوني أو الفرانكفوني القريب من الحدود مع فرنسا، ويتحدث الفرنسية ويشكلون 40% تقريبا من السكان. وهناك جزء صغير على الحدود مع ألمانيا يتحدثون الألمانية.