على خطى فرنسا.. إيطاليا تسعى إلى إغلاق مخيمات الغجر

النقاش العلني حول هذه القضية يكتسب نبرة عنصرية تحمل كرها للأجانب

TT

قبل نحو 20 عاما، انتقل ماركو دراغنا، وهو غجري تعيش عائلته داخل إيطاليا منذ عشرات السنين، إلى حقل في ضواحي مدينة ميلان الحضرية وبنى له منزلا هناك. وفي الوقت الحالي، يُعد منزله - المطلي باللون الأصفر الزاهي - جزءا من منطقة تضم منازل نظيفة يعيش فيها نحو 120 غجريا مع خيولهم وكلابهم ودجاجهم وطواويسهم. ولكن أيام هذا المخيم معدودة.

وتخطط حكومة ميلان لإغلاق كثير من المخيمات المرخص لها داخل المدينة البالغ عددها 12 مخيما. ومن المقرر أن تصبح المستوطنة التي يعيش فيها دراغنا مخيما مؤقتا للغجر المرحلين، ليبقوا فيها 3 أعوام على الأكثر.

ويقول دراغنا إنه مع العائلات الأخرى التي عاشت هناك لنحو 20 عاما لم يحصلوا على بدائل مقبولة بعد أن قيل لهم إن عليهم الرحيل. ويقول: «هذه المنازل هي ثمرة أعوام من العمل هنا، وتريد (إدارة) المدينة الآن ترحيلنا من دون تقديم حل. ليس معنا شيء، فإلى أين سنذهب؟».

وقد اكتسبت طريقة التعامل مع الغجر أهمية في فصل الصيف من العام الحالي داخل فرنسا حيث قامت حكومة الرئيس نيكولا ساركوزي بترحيل المئات من الأفراد. ولكن أثار الخلاف نقاشا مماثلا داخل إيطاليا. ويقول بعض المنتقدين إن حكومة رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني كانت في طليعة مَن مهد لهذه القضية داخل الاتحاد الأوروبي.

ويقول بيترو ماساروتو، رئيس «ناغا»، وهي مؤسسة داخل ميلان تقدم مساعدات للمهاجرين والغجر: «يتبع ساركوزي نهج برلسكوني على وجه التحديد، فقد ابتكرت الحكومة الإيطالية فكرة ترحيل مواطني الاتحاد الأوروبي إذا لم يمكنهم إثبات أنهم يكسبون ما يعيشون عليه».

وداخل عشرات المدن الإيطالية، تتبع إدارات محلية سياسيات مماثلة من أجل التعامل مع الغجر والسينتي، وهم سكان آخرون من الغجر يعيشون في مختلف أنحاء إيطاليا (يتراوح عددهم بين 150.000 إلى 300.00 على الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية عن ذلك). وتقوم الإدارات الحكومية المحلية بتفكيك المخيمات المرخص لها، بينما تقوم بهدم المخيمات غير المرخص لها مع ترحيل السكان.

وعندما يتم بناء مخيم مرخص له من البلدية، يكون في الأغلب في ضواحي المدينة ومنفصلا عن باقي السكان. ويقول منتقدون إن الظروف المعيشية داخل كل المخيمات - سواء كانت قانونية أم غير قانونية - لا تكون مناسبة في الأغلب. ويقول ماساروتو: «ثمة سوء فهم مقصود يتصور أن الغجر عبارة عن بدو»، وقال إن ذلك ساعد الحكومات على تجنب قضية الاندماج، وهي عملية يمنح من خلالها الغجر إقامة دائمة ويتاح لهم الذهاب إلى المدارس. وأشار إلى أنهم «يجبرون على أن يكونوا مثل البدو».

وتمثل المخيمات المؤقتة مبعث خطر. وفي الأسبوع الماضي داخل روما مات طفل غجري يبلغ من العمر 3 أعوام حرقا عندما شبت النيران في كوخ كان يعيش فيه مع عائلته داخل مخيم غير قانوني بالقرب من مطار فيوميتشينو. وبعد ذلك قال عمدة روما جياني أليمانو إن المدينة ستبدأ في تفكيك 200 مخيم غير قانوني خلال الشهر الحالي. ودائما ما يكتسب النقاش العلني حول هذه القضية نبرة عنصرية تحمل كرها للأجانب.

ويقول لورينزو موناستا، رئيس مركز «أوسرفازيون» البحثي داخل تريستا الذي يقوم برصد التمييز ضد الغجر والسينتي: «توجد مشاعر متزايدة ضد الغجر والسينتي، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى وسائل الإعلام التي أزكت هذه القضية، وإلى استخدام الحكومة لها كوسيلة لكسب التأييد». ويقول المنتقدون إن القوانين الفيدرالية الصادرة مؤخرا جعلت الحياة أيضا أكثر صعوبة للغجر والسينتي هنا، على الرغم من أن أكثر من نصفهم إما مواطنون إيطاليون أو من مواطني الاتحاد الأوروبي. وفي 2007، مررت الحكومة قرارا يسمح بترحيل مواطني الاتحاد الأوروبي بعد ثلاثة أشهر إذا كانوا يفتقرون إلى مصادر للعيش. وبعد ذلك منح قرار عام 2008 السلطات القدرة على طرد مواطني الاتحاد الأوروبي لأسباب تتعلق بالأمن العام.

ويقول منتقدون إن هذه القرارات أدت إلى زيادة حادة في عملية تحديد هوية الغجر وتعقبهم، بالإضافة إلى غارات على المخيمات وعمليات إخلاء وترحيل قسري. ومع ذلك، يعتقد أن العدد الفعلي لعمليات الإخلاء لا يزال منخفضا نسبيا. وقال وزير الداخلية روبرتو ماروني الأسبوع الماضي إن فرنسا وإيطاليا اتبعتا نهجا مماثلا إزاء قضية الغجر. وقال: «تعد سياسات الدمج داخل إيطاليا من أفضل النظم داخل أوروبا. نحن لا نكره الأجانب ولكننا رجال جادون نريد احترام القوانين».

وتبذل إيطاليا جهودا قليلة من أجل دمج الغجر في المجتمع الإيطالي، وتركز بدلا من ذلك على تحقيق الأمن. وتقول ماريولينا مويولي، التي تدير مكتب السياسات الاجتماعية والأسر والمدارس في ميلان: «يعد إغلاق المخيمات بالصورة التي هي عليها حاليا مطلبا ملحا بسبب انتشار القاذورات وأعمال العنف هناك، وهذا أول معوق يقف أمام الاندماج والحصول على صفة قانونية». ويسعى مكتبها من أجل الوصول إلى بدائل للمخيمات؛ ومن بينها تقديم مساعدات مالية إلى الغجر الذين يقررون العودة إلى رومانيا. ولكن، تقول منظمات مناصرة للغجر إن المشاعر المعادية للأجانب داخل إيطاليا تمثل في الأغلب عقبات أمام العثور على العمل والحصول على مكان للسكن. ولدى دراغنا، الذي يعيش في مخيم داخل ميلان سيغلق قريبا، مخاوف عملية بدرجة أكبر؛ إذ يقول: «لو أرسلت إلى مدينة صغيرة أخرى، أعلم أن الناس سينظرون إليّ بصورة سيئة».

* خدمة «نيويورك تايمز»