التكية الطالبانية في كركوك تجمع قومياتها

حتى اليهود والمسيحيون كانوا يترددون عليها

TT

رغم خلافاتهم ثمة معلَم واحد يجمع بين قوميات كركوك من أكراد وعرب وتركمان، وهذا المعلم هو التكية الطالبانية التي تم تشييدها قبل قرابة ثلاثة قرون وتتبع إحدى الطرق الصوفية المعتدلة الداعية إلى التسامح.

ويقول الشيخ يوسف علي طالباني إمام وخطيب التكية إن الملا محمود زنكنه شيدها قبل 270 عاما، في حين شيد المسجد ابنه أحمد طالباني الذي ولد في منطقه طالبان الواقعة قرب قضاء جمجمال، شمال كركوك باتجاه السليمانية. ويضيف لوكالة الصحافة الفرنسية أن «نهجنا في تكيتنا ومسجدنا هو اعتماد الصوفية المعتدلة والانفتاح ثقافيا وسياسيا، لأن مريدي التكية كانوا منذ تشييدها من المسلمين والمسيحيين واليهود والعرب والأكراد والتركمان». ويتابع «إنهم نسيج كركوك، لأن رسالتنا هي خدمة الجوانب الثقافية والروحية لمختلف الأجناس. فعندما تجول في التكية تسمع المريدين والمصلين والمتبركين بالقبور والفقراء يتحدثون باللهجات المحلية كما كان بعض المريدين وخدامها يأتون من الهند».

ويشير طالباني إلى «بناء قبة الحرم الكبير إبان عهد السلطان العثماني عبد المجيد، وأطلق على المسجد في وسط التكية المجيدية تيمنا بالسلطان الذي قدم هديتين: الأولى شعرة من الرسول محمد، فضلا عن مخطوطة نادرة من صحيح البخاري». ويؤكد أن مساحة التكية لا تتعدى الألفي متر مربع تضم قاعة للحرم ومصلى وديوانا وقاعة مناسبات ومكتبة ضخمه تحوي آلاف الكتب النادرة وغرفا للضيوف والمسافرين والفقراء ومكانا للنساء ومراقد لرجال الدين.

وقد تعرضت التكية قبل أكثر من عامين لعملية تفجير أمام مدخلها ألحقت بها أضرارا جسيمة. لكن الرئيس جلال طالباني أمر بإعادة إعمارها وتطويرها وتوسيعها على نفقته الخاصة بمبلغ 800 ألف دولار! كما وجه بإعادة إعمار وترميم جامع خانقا التراثي.

وتقع التكية بين حيين شعبيين قديمين شمال كركوك هما إمام قاسم والإسكان، على تلة مرتفعة بمناراتها الشاخصة وهي مطرزة بالحجر والنقوش المميزة الجميلة بشكل يجذب الناظرين إليها. وجد الرئيس طالباني مدفون في التكية، وهو ابن أحمد طالباني.

ويقول رجل الدين إن «أبرز أنشطتنا اليوم التي نسعى إلى تقويتها هي تقديم الطعام وإقامة حلقات الذكر والنصائح والإرشاد (...) رسالتنا هي التسامح، والاعتدال هدفنا، فهذه هي الصوفية المعتدلة».

من جهته، يقول أرجان خضر محمود، وهو تركماني يعمل مدرسا (54 عاما)، «نأتي إلى هنا بشكل دائم في نهاية كل أسبوع لزيارة التكية والتبرك، لا نشعر بأي خجل أو خوف لأنها موقع كردي، بل ما يجمعنا هو الاعتدال والرغبة في لملمة خلافات السياسيين». ويضيف أن «الزيارة أمر تعودناه من والدي وجدي وأحاول نقلها لأولادي وأحفادي (...)، فهي المكان الوحيد الذي يجمع العرب والتركمان والأكراد في كركوك دون حديث سياسي سوى التبرك والعبادة».

بدوره، يؤكد خالد علي جاسم العبيدي، وهو مزارع (47 عاما)، جلب عائلته إلى التكية للصلاة، موضحا أن «هذا المكان هو بمثابة القوة التي توحد أهالي كركوك».

ويشير شيرزاد عبد الله زنكنه، وهو صاحب متجر في سوق شعبية مجاور للتكية، إلى الأسواق القديمة مثل القيصرية وأحياء بولاق والمصلى، التي كانت تضم يهودا غادروا قبل نحو ستين عاما. ويتابع أن «يهود كركوك وفقا لما يذكره أبناء المحلة، كانوا يترددون إلى التكية للتبرك وتأكيد التسامح التاريخي بين أهالي كركوك».