تدهور مستوى التعليم في البرازيل يحد من طموحاتها

30% عدد الأميين في مدينة الرئيس الذي لم يكمل تعليمه

مدرسة في مسقط رأس الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (نيويورك تايمز)
TT

عندما أدى الرئيس لولا دا سيلفا اليمين الدستورية كرئيس للبرازيل بداية عام 2003، صاح متأثرا أنه حصل أخيرا على أول شهادة عليا له عندما أصبح رئيسا للبلاد. تحول لولا دا سيلفا، أدنى رؤساء البرازيل تعليما (لم ينه سوى الصف الرابع من التعليم) إلى أحد أكثر الشخصيات شعبية في البرازيل، بعدما أسمهت خططه الاقتصادية في رفع الملايين من تحت الفقر وحافظ على استقرار الاقتصاد البرازيلي وحاز مكانة شبة أسطورية سواء في الداخل أو الخارج. لكن رغم تغلب دا سيلفا على بداياته المتواضعة، فإن بلاده لا تزال تعاني من تواضع مكانتها التعليمية، حيث يشكل التعليم عقبة في سعيها لتحفيز نموها الاقتصادي ووضع نفسها في مصاف الدول الكبرى، أكثر من أي عقبة أخرى. ويقول البنك الدولي في تقريره عام 2008: «لسوء الحظ، فإن الوضع الحالي للتعليم في البرازيل، في زمن المنافسة العالمية يعني إمكانية أن تتخلف عن ركب الدول النامية الأخرى في البحث عن استثمارات جديدة وفرص نمو اقتصادي». جدير بالذكر أن الطلبة البرازيليين سجلوا خلال العقد الماضي أدنى الدرجات بالنسبة لطلاب الدول الذين تقدموا للامتحانات الدولية للمهارات الأساسية مثل القراءة والرياضيات والعلوم وحلوا في مرتبة تالية لنظرائهم في أميركا اللاتينية مثل تشيلي وأوروغواي والمكسيك، فقد حصل الطلاب البرازيليون على المستوى التاسع والأربعين من بين 56 دولة في اختبار القراءة في برنامج تقييم الطالب الدولي، حيث أحرز أكثر من النصف أدنى درجات اختبار القراءة عام 2005، وكانت درجاتهم أكثر سوءا في الرياضيات والعلوم. تقول إيلونا بيسكازي، المدير التنفيذي لمؤسسة ليمان ومقرها سان باولو والمهتمة بتطوير التعليم في البرازيل: «يجب علينا أن نخجل من أنفسنا، فهذا يعني أن الطالب البالغ من العمر 15 عاما في البرازيل يملك نفس المهارات التي يملكها طالب يبلغ من العمر 9 أو 10 سنوات في دول مثل الدنمارك أو فنلندا».

المهمة التي تواجه الأمة ـ وإرث دا سيلفا ـ مروعة. فهنا في هذه المدينة الفقيرة الواقعة شمال شرقي البلاد، حيث عاش دا سيلفا سنوات عمره الأول، يشكل السكان الأميون نحو 30 في المائة من سكان المدينة، وهو رقم يفوق ثلاثة أضعاف مستوى الأمية على مستوى البرازيل. ويقول دنيس بارانا، مؤلف السيرة الذاتية للرئيس: «عندما كان دا سيلفا طفلا هنا، اعتاد والده على ضرب إخوته عندما كانوا يذهبون إلى المدرسة بدلا من العمل». أما اليوم فيرسل الآباء الأبناء إلى المدارس لأنه شرط للحصول على إعانة برنامج بولسا فاميلي الذي رعاه دا سيلفا ويمنح العائلة 115 دولارا شهريا. لكن مع هذه الحوافز المتزايدة فإن مستويات القراءة تتنوع بصورة كبيرة هنا، ففي داخل فصل الصف الثامن يقرأ الطلاب بصوت عال من كتاب واحد. وتقول أنا كارلا بيريرا، مدرسة في مدرسة ريفية أخرى: «كثير من الآباء يقولون لماذا نرسل أبناءنا إلى المدرسة إذا كانت فرص العمل غير متوافرة». وحتى الآن لم تشهد السياسة التعليمية لدا سيلفا سوى تقدم بطيء، فأقال وزيري تعليم قبل أن يستقر على الوزير الحالي عام 2005، كما لم يبدأ البرنامج التعليمي الحكومي إلا عام 2007، أي بعد أربع سنوات من توليه مقاليد السلطة. والآن وهو يمضي عامه الأخير في السلطة، متحدثا عن مكانته في التاريخ، فإن لدى دا سيلفا شغف كبير بالقضية، وهو ما أوضحه وزير التعليم فرناندو حداد، عندما قال: «كان من السهل رؤية ذلك هنا، خلال زيارته للمدينة التي شهدت طفولته، عندما قال، وهو يعلن عن برنامج لمنح كل طالب حاسبا محمولا: «أريد أن ينال كل طفل قدرا من التعليم أكبر مما نلت أنا بكثير، وأن يحصلوا على تعليم جامعي». هذا الإلحاح ربما يكون له ما يبرره، فقد عززت البرازيل من مكانتها كقوة عالمية واستطاعت استغلال ازدهار تجارة السلع والاستهلاك الداخلي لتصبح واحدة من أقوى الاقتصادات في العالم. ومن خلال الاكتشافات البترولية الجديدة والدور الهام لها في توفير الغذاء والمواد الخام للصين، يتوقع أن تتبوأ البرازيل مكانة أكبر. لكن القصور في مجال التعليم يدفع كثيرا من البرازيليين إلى الهامش، فأكثر من 22 في المائة من بين 25 مليون عامل يتوقع أن يلتحقوا بسوق العمل في البرازيل، لا يعتبرون مؤهلين للوفاء بمتطلبات سوق العمل، بحسب تقرير حكومي صدر في مارس (آذار) الماضي. ويقول مارسيو بوتشمان، رئيس معهد أبحاث الاقتصاد التطبيقي، الوكالة الحكومية التي أصدرت تقرير مارس: «نواجه في بعض المدن والولايات مشكلة استئجار العمالة على الرغم من وجود الوظائف». وتشير التقديرات السابقة إلى أن عشرات الآلاف من الوظائف ظلت شاغرة لأن المتقدمين لها غير مؤهلين لشغلها. وما لم يتم القضاء على تلك الهوة، ربما تفقد البرازيل نافذتها الديموغرافية خلال عقدين، سيكون الأفراد الناشطون اقتصاديا خلالهما في الذروة. ويرى الدكتور حداد، وزير التعليم أنه على الرغم من التقدم الهزيل للبرازيل في مجال التعليم مقارنة بالدول الأخرى، فإنها تتقدم بصورة أسرع من كثير من منافسيها. وقال حداد: «تحاول البرازيل تعويض ما فاتها؛ ففي الوقت الذي كانت تقوم فيه دول أخرى بالاستثمار في التعليم، كنا نهدر الوقت بالقول إن التعليم لا طائل من ورائه. وقد حققت الحكومة البرازيلية بعض النجاحات في مجال التعليم مثل تدشينها لبرنامج يمنح 700 ألف منحة دراسية للطلبة غير القادرين للالتحاق بجامعات خاصة. كما افتتحت الحكومة عهد دا سيلفا أيضا أكثر من 150 مدرسة تدريب مهني ـ مقارنة بـ140 خلال 93 عاما سابقة ـ ووضعت امتحانات جديدة لتقييم أداء الطلاب. وواصل معدل التسجيل في المدارس صعوده، وهو توجه بدأ في التسعينات إبان حكم الرئيس السابق فرناندو إنريكي كاردوسو، الذي تخرج من مدرسة متوسطة، وحل تاليا لدا سيلفا في الانتخابات الرئاسية بنسبة 13 في المائة مقابل 47 لدا سيلفا. لكن تلك النجاحات تأتي هزيلة بالنسبة للحاجة الملحة للتغير الذي يأمل خبراء التعليم رؤيته من دا سيلفا باعتبار خلفيته. فلم تبذل جهود كافية لتحسين جودة التعلم وطرق التعليم. ولم يستخدم الرئيس كلماته المهمة كي يحث الأمة على أن تطلب المزيد من مدرسيها ومدارسها. وتقول بيسكازي من مؤسسة ليمان: «إنه يملك تلك الهالة والقوة والتأثير على كثيرين، لكنه لم ينتهز الفرصة لرفع هؤلاء الأفراد». ويضيف منتقدو دا سيلفا أنه استخدم افتقاره إلى التعليم كجزء من حملته الشعبية للهجوم على النخبة المثقفة التي حكمت البرازيل لفترة طويلة، في سلوك يكاد يصل إلى حد التباهي بما وصل إليه دون تعليم رسمي. ويقول بوتشمان: «يميل في خطاباته إلى تحريض الأفراد الأقل تعليما على النخبة المتعلمة في البرازيل».

* خدمة «نيويورك تايمز»