شريف موبلي.. من «أمة الإسلام » في نيوجيرسي إلى قلب معسكرات «الجهاد» باليمن

متهم بالقتل.. وتفصيلات جديدة عن اتصالاته بأنور العولقي

TT

في صباح 26 يناير (كانون الثاني)، خرج شريف موبلي من شقته في صنعاء، عاصمة اليمن، لشراء طعام لابنته (3 سنوات). وسرعان ما أحاط بالأميركي الشاب المولود في نيوجيرسي ثمانية من العملاء المقنعين من الشرطة السرية. وحاول موبلي الفرار، لكنه تعرض لإطلاق النار على ساقه وتم حمله ووضعه في شاحنة بيضاء. وعندما صرخ موبلي قائلا «أنا أميركي»، تعرض للضرب في وجهه. ومع انطلاق الشاحنة، أخبر موبلي لاحقا محاميه أن أحد مختطفيه اليمنيين أجرى محادثة هاتفية. وقال الرجل كلمة واحدة بالإنجليزية: «إيزي».

بعد ثمانية شهور، من المقرر أن يمثل موبلي (26 عاما) أمام المحكمة هذا الشهر بتهمة قتل حارس بأحد السجون، وهي جريمة عقوبتها الموت. جدير بالذكر أنه في اليمن يجري إعدام المدانين بميدان عام بطلق ناري واحد في القلب.

وينظر المسؤولون الأميركيون إلى موبلي باعتباره واحدا من فئة متزايدة من الأميركيين المولودين في الولايات المتحدة الذين جرى اجتذابهم للجهاد العنيف.

وأشار مسؤول أميركي رفض الكشف عن هويته إلى أن القضية لا تزال أمام القضاء اليمني، إلا أن «تلك القضية لا تبدو قضية متطرف ظهر بالصدفة.. لقد سعى للاتصال بعناصر سيئة قبل مغادرته الولايات المتحدة، وقطعا انضم إلى إرهابيين بعد انتقاله لليمن. ويتضمن ذلك، من بين أمور أخرى، طرح أفكاره بخصوص شن هجمات إرهابية».

من جانبهم، يعترف المدافعون عن موبلي بأنه ارتبط داخل اليمن بأشخاص معادين للولايات المتحدة، لكنهم يشددون على أنه لم يتآمر قط لارتكاب عمل إرهابي. ويشيرون كذلك إلى أن المحققين الأميركيين الذين يتحسسون المعلومات الاستخباراتية، دفعوا موبلي للحظة من الجنون من المزعوم أنها أسفرت عن مقتل حارس وإصابة آخر.

من ناحيته، قال كوري سريدر، أحد المحامين الموكلين للدفاع عن موبلي الذي يعمل بمنظمة «ريبريف» المعنية بحقوق الإنسان ومقرها لندن والتقى موبلي داخل السجن «هذا رجل تعرض للاختطاف وإطلاق النار عليه، وقضى ستة أسابيع مقيدا بصور مختلفة ومعصوب العينين، وتعرض أيضا للضرب. إنه رجل تعرض لخوف شديد من أن تتعرض زوجته وطفلاه للأمر ذاته. وقد عمد العملاء الأميركيون إلى استغلال هذه المخاوف».

يعتمد هذا السرد لقصة شاب مسلم في حقبة ما بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) على لقاءات حصرية مع والد وزوجة موبلي ومحاميه وأصدقائه وأقاربه ومعارف سابقين له، علاوة على مسؤولين أميركيين ويمنيين. ويقدم هذا السرد أول صورة كاملة لرحلة موبلي إلى الجهاد العنيف، ويتضمن تفصيلات جديدة عن اتصالاته برجل الدين الراديكالي، أنور العولقي، الموجود على القائمة الأميركية للأشخاص المطلوب القبض عليهم أو قتلهم لدوره في عدد من الهجمات الإرهابية. وقد اشتبه المحققون الأميركيون في أن موبلي قد يقودهم إلى العولقي.

من ناحيته، رفض مكتب التحقيقات الفيدرالي التعليق على القضية أو ادعاءات سريدر. وقال متحدث رسمي باسم السفارة اليمنية بواشنطن إن حكومته ليس لديها تعليق رسمي.

وأشار محامو موبلي، الذين يتضمنون محاميا من منظمة يمنية بارزة معنية بحقوق الإنسان، إلى إسقاط السلطات اليمنية جميع الاتهامات المتعلقة بالإرهاب، ونقلها قضية موبلي إلى المحاكم الجنائية. ورفض المحامون الزعم الأميركي بأن موبلي تآمر مع مجموعة على صلة بـ«القاعدة»، مشيرين إلى أنه مع أول مؤشر على وجود مشكلات، سعى موبلي للعودة إلى الولايات المتحدة.

من ناحيته، قال سريدر، في إشارة إلى إلقاء القبض على موبلي والتحقيق معه «هذه مجرد ذريعة كاذبة لمهمة تم تنفيذها على نحو أخرق. لو كان شريف موبلي يخطط للإضرار بروح واحدة، لماذا لم تلق الولايات المتحدة القبض عليه رغم زياراته المتكررة للسفارة الأميركية لطلب المساعدة في نقل أسرته بسلام إلى الوطن».

كان موبلي الابن الأصغر بين خمسة أطفال جرت تنشئتهم داخل منزل فسيح يقع على خمسة أفدنة في منطقة زراعية في جنوب جيرسي. ينتمي والده، تشارلز، في الأصل إلى بروكلين في نيوجيرسي، وانضم إلى جماعة «أمة الإسلام» عام 1966. وتحولت والدته، سينثيا، إلى الإسلام عندما تزوجت من والده. ويضرب جانبا أسرة موبلي بجذور عميقة داخل الولايات المتحدة.

بعد وفاة زعيم «أمة الإسلام» الحاج محمد عام 1975، انجذب موبلي الأب وزوجته إلى مذهب سني متشدد من الإسلام، وحرصا على ارتياد مسجد ضخم يخص أميركيين من أصول أفريقية في فيلادلفيا. عام 1983، انتقلت الأسرة إلى نيوجيرسي، قبيل موعد شريف في يناير (كانون الثاني) 1984. وبرر تشارلز موبلي، عامل البناء المتقاعد، قراره بالانتقال من فيلادلفيا، بقوله «يكبر الأطفال سريعا في المدن».

وأشار أقران موبلي السابقون في «بيونا ريجينال هاي سكول» إلى أنه كان شديد التدين وتحيطه دائرة صغيرة من الأصدقاء. وقال رومان كاسترو، زميل موبلي السابق في الفصل المدرسي وصديقه خلال فترة التعليم الثانوي «كان دائما متدينا. وكان يحاول دوما حث أصدقائه على اعتناق الإسلام، وكان حرفيا في تفسيره للقواعد لدرجة أنه كان إذا قبل فتاة، كان يطلب من أصدقائه جلده بالسياط».

ويتذكر تشارلز موبلي نجله باعتباره شديد التمسك بإيمانه، وقال «كان أكثر تمسكا بالدين مني».

أيضا، بدأ موبلي في الاهتمام بصورة أكبر بالسياسة. وأشار كاسترو، الذي التحق بالجندية في أعقاب التخرج، إلى أن موبلي وعددا من الأصدقاء الآخرين من المدرسة الثانوية زاروه في شمال كارولينا في 4 يوليو (تموز) عام 2003، قبل توجه كاسترو للعراق. لكن اللقاء انتهى على نحو سيئ، وعاد موبلي مبكرا وبمفرده إلى نيوجيرسي.

وقال كاسترو «كانت المسألة مجرد وقت قبل أن ندخل في مناقشات سياسية ودينية ويحتدم الجدال. ووقع خلاف بيننا».

واعترف والد موبلي بوجود توتر بين نجله وأصدقاء دراسته القدامى، وفسر ذلك بقوله «لم يؤمن شريف بالقتال في الحرب. كانت له نفس آراء محمد علي تجاه محاربة شعوب أخرى».

لكن إذا كان أصدقاء موبلي عاينوا تشدده المتزايد، فإن أسرته وأصدقاءه المقربين شاهدوا جانبا ألطف بكثير من شخصيته. مثلا، قال زكي باي، زوج شقيقة موبلي «عندما كان داخل الفصل المدرسي، كان يتحول لمهرج».

بعد تخرجه في المدرسة الثانوية، نجح والد موبلي في ضمان فرصة عمل لولده كعامل غير ماهر بأماكن متعددة، بينها مفاعلان لإنتاج الطاقة النووية في نيوجيرسي وبنسلفانيا.

وركزت الكثير من التقارير الأولى حول إلقاء القبض على موبلي على عمله في مفاعلات نووية، ولمحت إلى أنه ربما تمكن من الوصول لمواد حساسة.

في هذا الصدد، قال نيل شيهان، المتحدث الرسمي باسم المفوضية التنظيمية النووية «أنجزت المفوضية مراجعة للفترات التي عمل خلالها موبلي كعامل عمومي بالكثير من مفاعلات الطاقة النووية الأميركية، بما في ذلك نوعية المهام التي قام بها. وحتى الآن، لم يعثر على أي أدلة تثير مخاوف أمنية أو وقوع حوادث تتعلق بعمله في هذه المفاعلات».

يذكر أن تقارير أولى ذكرت عن طريق الخطأ أن أسرته هاجرت من الصومال.

في عام 2004، قام موبلي بأول رحلة حج له إلى مكة. ومن ناحيته، قال ميرفين خليل غاني، الذي يملك متجرا متخصصا في بيع كتب إسلامية وأخرى تتعلق بالأدب الأميركي - الأفريقي في فيلادلفيا والذي رافق موبلي لمكة «كان بمقدور من حوله مراقبته وهو يدخل مرحلة النضوج، مع احتفاظه بروحه المرحة، لكنه لم يكن مستهترا طوال الوقت».

كان موبلي قد حصل على الحزام الأسود في التايكوندو، وبرع في فنون القتال ولعبة المصارعة في المدرسة الثانوية، لكنه فقد اهتمامه بالدخول في منافسات رياضية بعد عودته من الحج. وذهب موبلي للحج مرتين أخريين كمرشد مع مجموعات من فيلادلفيا. وبدأ التزامه الديني يزداد تشددا.

وقال غريغوري ماريسو، الذي عمل مع موبلي، إن صديقه حاول دوما الصلاة في المسجد، بما في ذلك صلاة الفجر. في تلك الفترة، عاد كاسترو من العراق، وهرول نحو صديقه موبلي في الشارع، لكن موبلي قابله بازدراء ونعته بأنه «قاتل للمسلمين».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»