فيضانات باكستان: مناشدات للمجتمع الدولي للمساعدة.. والسعودية في طليعة المتجاوبين

مسؤول حكومي: مبادرة سعودية تقدم الإمدادات الغذائية إلى أكثر من مليوني باكستاني

TT

لم يهنأ مسؤولون في الحكومة الباكستانية منذ منتصف أغسطس (آب) الماضي بالنوم، بسبب مخاوف من أن تتحول أمراض تنتقل عبر المياه إلى وباء في المناطق المتضررة من الفيضانات داخل باكستان. وترسل هيئات حكومية ووزارات باكستانية مناشدات، الواحدة تلو الأخرى، إلى المجتمع الدولي تستحثه على السعي من أجل مساعدة المواطنين الباكستانيين للحد من انتشار الأمراض التي يمكن انتقالها عبر المياه في هذه المناطق.

وقد كانت السعودية سريعة في استجابتها لأصوات الاستغاثة التي ترتفع من داخل باكستان. وقررت الحكومة السعودية إرسال مستشفيين ميدانيين مجهزين بالكامل، مع فريق يضم عددا من أمهر الأطباء والمسعفين المدربين على العمل في المناطق المنكوبة.

ووصل إلى إسلام آباد فريق يضم 250 طبيبا ومسعفا سعوديا قبل أسبوع من أجل بناء أول مستشفى ميداني في إقليم السند الجنوبي بالقرب من كاراتشي. وقال الدكتور طارق العرنوس، وهو مسؤول بارز في وزارة الصحة السعودية والمشرف على المشروع «نحن هنا من أجل إنشاء مستشفيين ميدانيين أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بإنشائهما في المناطق المتضررة من الفيضانات داخل باكستان. ومن المقرر أن يبدأ أحد هذين المستشفيين العمل خلال اليومين المقبلين داخل تاتا (بالقرب من كاراتشي)».

وستكون الطاقة الاستيعابية لكل مستشفى 200 سرير، بحسب ما قاله السفير السعودي لدى باكستان عبد العزيز بن إبراهيم الغدير لوسائل الإعلام داخل النادي الصحافي بإسلام آباد. وأشار السفير إلى أن «كل مستشفى سوف يحتوي على غرفة عمليات ومعمل وصيدلية ووحدة رعاية مركزة وغرفة لأشعة إكس».

وقال مسؤول باكستاني لـ«الشرق الأوسط» إن المستشفى السعودي الميداني الثاني سيكون في مدينة راجانبور داخل البنجاب الجنوبية، وهي منطقة أخرى تضررت بدرجة كبيرة من الفيضانات المدمرة التي استمرت قرابة خمسة أسابيع.

وقال إدريس محسود، المسؤول البارز في هيئة إدارة الكوارث الطبيعية وهي الجهة الحكومية التي تشرف على جهود الإغاثة «تم تحديد الأماكن على أساس مساعدة أكبر عدد ممكن من المرضى داخل المجتمعات المتضررة من الفيضانات».

وتقع كل من تاتا وراجانبور، حيث يقام المستشفيان السعوديان، على الطريق السريع الرئيسي، الذي أصبح بعد الفيضانات الطريق المفضل الذي ينتقل من خلاله السكان المتضررون من الفيضانات هربا إلى أماكن أكثر أمنا. وسيحتوي كل مستشفى على 200 سرير، ومن الممكن زيادة الطاقة الاستيعابية للمستشفيات في مرحلة أخرى لتصل إلى 400 سرير.

وعبر المتحدث باسم هيئة إدارة الكوارث الطبيعية أحمد كمال عن تقديره الكبير للجهد الذي تبذله السعودية من أجل توفير الرعاية الطبية إلى المواطنين المتضررين من الفيضانات في المناطق الجنوبية من باكستان، وهي من أكثر المناطق التي تضررت إثر وقوع الفيضانات. وقال أحمد كمال في حديث مع «الشرق الأوسط»: «يبذل الفريق الطبي السعودي جهدا كبيرا من أجل إنقاذ المواطنين المتضررين من الفيضانات وحمايتهم من الأمراض التي يمكن أن تنقلها المياه». وأشار كمال إلى أن هناك ثلاثة أنواع من الأمراض في المناطق المتضررة من الفيضانات، من بينها الملاريا، بسبب المياه الراكدة، والإسهال والأمراض الجلدية. وأشار إلى أن «المستشفيات الميدانية السعودية مجهزة بصورة جيدة من أجل علاج هذه الأمراض الثلاثة، إذ أحضروا معهم معدات وكميات كبيرة من الأدوية».

وأوضح كمال أن نطاق الكارثة كبير للغاية، مما يجعل المواطنين الباكستانيين في حاجة إلى المزيد من المنشآت الطبية من أجل مواجهة هذا الوضع، وكي لا تتحول الأمراض التي يمكن للمياه نقلها إلى أوبئة. وقال «ما زلنا في حاجة إلى المزيد من هذه المستشفيات». وأضاف «تنتشر بدرجة كبيرة الأمراض الجلدية في المناطق المتضررة بسبب الفيضانات. وسيضمن المستشفيان الميدانيان السعوديان توفير الأدوية داخل المناطق التي يعملان فيها».

وقال الدكتور طارق العرنوس لـ«الشرق الأوسط» إن الطاقة الاستيعابية الحقيقية للمستشفيين السعوديين أكبر من الرقم المذكور رسميا والمحدد بـ200 سرير. وأضاف «من الأشياء الرئيسية أننا سنقوم بعلاج الكثير من المرضى في قسم العيادات الخارجية».

ويتمتع فريق الأطباء والمسعفين السعوديين بخبرة كبيرة في العمل في الظروف الطارئة داخل مناطق مختلفة من العالم. ويقول الدكتور العرنوس «لقد عملنا في مناطق مختلفة من العالم، وعملنا في ظل كوارث متنوعة داخل الكثير من المناطق في مختلف أنحاء العالم».

ومع ذلك، يعد المستشفيان الميدانيان مجرد جزء من جهود إغاثة أكبر تبذلها السعودية من أجل المناطق المتضررة من الفيضانات داخل باكستان. ومن الميزات التي تستفيد منها جهود الإغاثة السعودية داخل باكستان أن الحكومة السعودية لديها بالفعل بنية تحتية يمكنها من خلالها تقديم العون إلى ذوي الحاجة داخل باكستان.

وأسس مقدار كبير من تلك البنية التحتية في أعقاب الجهود السعودية من أجل توفير المساعدات إلى الملايين الذين نزحوا من أماكنهم بسبب زلزال مدمر ضرب البلاد عام 2005. وخلال عملية الإغاثة، قامت الحكومة السعودية بتدشين الحملة الشعبية السعودية لمساعدة المتضررين من زلزال باكستان. ومن خلال هذه المبادرة، قدمت السعودية مساعدات إلى الملايين من المواطنين في أعقاب زلزال 2005. وقد تحولت هذه المبادرة إلى مسعى آخر جديد يهدف إلى مساعدة المواطنين المتضررين من الفيضانات.

وقال مسؤول حكومي باكستاني بارز في حديث مع «الشرق الأوسط»: «هذه المبادرة مسؤولة حاليا عن تقديم الإمدادات الغذائية إلى أكثر من مليوني شخص في المناطق المتضررة من الفيضانات داخل باكستان».

وقد أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أيضا بإنشاء مؤسسة الإغاثة السعودية داخل إسلام آباد من أجل ضحايا الفيضانات. وقد جمعت السعودية أكثر من 107 ملايين دولار في صورة تبرعات من أجل ضحايا الفيضانات في إطار حملة وطنية أمر بها الملك عبد الله. وفي هذه الأثناء أعلن البنك التجاري الوطني عن تبرع قيمته مليونا ريال سعودي إلى المتضررين من الفيضانات في استجابة لدعوة الملك عبد الله.

وقد ساهمت السعودية حتى الآن بـ170 مليون دولار من أجل عمليات الإغاثة في المناطق المتضررة من باكستان، بحسب ما قاله السفير السعودي لدى باكستان في حديث مع «الشرق الأوسط». وأضاف السفير «نريد أن نقف كتفا إلى كتف مع إخوتنا الباكستانيين في هذا الضيق وتلك الأزمة». وأضاف «تبقى المساهمة السعودية في إطار جهود الإغاثة داخل باكستان مستمرة، وسنقوم بواجبنا».

ويقول السفير السعودي إنه عندما سمع خادم الحرمين الشريفين بأخبار الفيضانات داخل باكستان ومحنة الشعب الباكستاني، أمر على الفور بتوفير جسر جوي من أجل توصيل مساعدات الإغاثة الضرورية إلى باكستان. وأضاف «وفي إطار هذا الجسر الجوي أرسلنا عشرات الرحلات الجوية إلى باكستان تشتمل على سلع إغاثية ضرورية». وكانت هذه الرحلات تقل سلع إغاثية ضرورية مثل الأدوية والأغذية والبطاطين وخيام تناسب طقس الشتاء.

وتتضمن المساعدات المالية السعودية إلى المناطق المتضررة من باكستان 70 مليون دولار في صورة مساعدات إنسانية، مثل مياه وطعام وبطاطين وإمدادات طبية تنقل عبر الجسر الجوي. وقامت السعودية أيضا بتوزيع 100 مليون دولار، خصصتها المملكة في السابق للأمم المتحدة، من أجل المساعدات الإنسانية والعاجلة للمتضررين من الكوارث الطبيعية داخل باكستان.

ويقول كمال، المتحدث باسم هيئة إدارة الكوارث الطبيعية «لقد أمدتنا (الحكومة السعودية) بالأدوية والإمدادات الغذائية والتمر والأطعمة المعبأة والخيام والملاءات البلاستيكية».

وقد سافر وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي إلى السعودية كي ينقل شكر الحكومة الباكستانية إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز للمساعدات الخاصة التي وصلت إلى الحكومة الباكستانية في أعقاب الفيضانات التي وقعت بالبلاد.

واجتمع وزير الخارجية الباكستاني مع الأمير مقرن بن عبد العزيز، رئيس الاستخبارات العامة، الأسبوع الماضي وسلمه وزير الخارجية رسالة خاصة من رئيس باكستان إلى خادم الحرمين الشريفين، قدم فيها شكره على المساعدات الإغاثية التي قدمت إلى المتضررين من الفيضانات داخل باكستان. وخلال الاجتماع عبر قرشي عن عميق الشكر إلى الملك عبد الله لكرمه ومساعداته التي جاءت في التوقيت المناسب للمتضررين من الفيضانات داخل باكستان.

ويرى الكثير من الخبراء أن القيمة الفعلية للمساعدات السعودية تتمثل في أنها خلقت هياكل دائمة داخل البلاد من أجل خدمة جهود الإغاثة في الظروف الطارئة. وعلى سبيل المثال، تستخدم الوسائل التي دشنت عقب زلزال 2005 من أجل تقديم المساعدات إلى المناطق المتضررة من الفيضانات حاليا.

ويقول مسؤول بارز في الحكومة الباكستانية «من الواجب الثناء على الدور الذي قامت به هذه الهيكلة السعودية في توفير الغذاء إلى المناطق المتضررة من الفيضانات». وقد ذكرت الأمم المتحدة أن الرعاية الطبية والغذاء قضيتان أساسيتان يجب التعامل معهما فورا من أجل تجنب موجة ثانية من الوفيات في المناطق المتضررة.

ولا يزال هناك الآلاف من الباكستانيين عالقين في مناطق نائية من البلاد من دون غذاء ولا رعاية طبية. ويقول مسؤول بارز في هيئة إدارة الكوارث الطبيعية «يعد المستشفيان الميدانيان السعوديان ومبادرة توفير الطعام إلى مليوني شخص متضرر داخل المناطق التي ضربتها الفيضانات خطوات في الاتجاه الصحيح».

وقال مسؤول حكومي بارز إنه بعيدا عن تقديم الإمدادات الطبيعة اللازمة وبناء المستشفيين الميدانيين، أمر الملك عبد الله بإرسال فرق إنقاذ من قوات الدفاع المدني السعودية وحرس الحدود إلى باكستان للمشاركة في عمليات الإنقاذ. وقد وصلت الفرق إلى باكستان، وتشارك حاليا في جهود الإغاثة. وقال مسؤول باكستاني إن الشيء الحسن المرتبط بالمبادرات السعودية يتمثل في أن الحكومة السعودية لم تحدد سقفا زمنيا لبقاء فرق الإغاثة داخل باكستان. وقال الدكتور طارق العرنوس «سنبقى داخل باكستان مادام الشعب الباكستاني محتاجا لنا. وندعو أن يخرج الشعب الباكستاني من هذه الأزمة سريعا جدا».