مسحراتي رمضان يرفع صوته في نيويورك

لإيقاظ المسلمين لتناول وجبة السحور وبدء الصيام

TT

لقد كانت الساعة الرابعة فجرا عندما قاد محمد بوتا سيارته «لينكولن تاون كار» إلى إحدى محطات الخدمة في إحدى المناطق الصناعية في لونغ آيلاند سيتي، كوينز، وأوقفها هناك، وكان مرتديا زيا من القماش المطرز وكان مبتهجا.

«إنني متأخر اليوم»، هكذا قال عندما فتح صندوق سيارته، وأخرج طبلة كبيرة، وأمسك قطعتين من العصي الخشبية غير المصقولة، وفي الوقت الذي كان يشاهده عدد قليل من الميكانيكيين الذين لم يكونوا يفهمون ما يفعله، قرع بالعصي على الطبلة بإيقاع سريع. وأحدث هذا الصخب صدى صوت في أحد الفنادق القريبة.

ويقوم بوتا، الذي يعمل سائق سيارة ليموزين، بنشاط آخر إلى جانب وظيفته، حيث إنه يعمل مسحراتي للمهاجرين الباكستانيين. كما أنه يعد المسحراتي الرئيسي، وربما الوحيد، في مدينة نيويورك. وقبل ساعات قليلة من بزوغ الفجر خلال شهر رمضان المبارك، ينطلق المسحراتية في جميع أنحاء العالم الإسلامي إلى الشوارع لإيقاظ المسلمين لتناول وجبة السحور وبدء الصيام.

وقدم بوتا، الذي يبلغ من العمر 54 عاما، هذا التقليد في الشوارع المظلمة في بروكلين قبل نحو ثمانية أعوام. لكن بعدما أثارت طبلته موجة من الشكاوى من الضوضاء الناجمة عنها، حصر نشاطه على مجموعة صغيرة من المباني على طول طريق كوني آيلاند، حيث يعيش الكثير من المسلمين. ومع ذلك، في العام الحالي، قرر بوتا العودة مجددا، لكن بصورة لطيفة. بدأ شهر رمضان المبارك في 11 أغسطس (آب) وسينتهي يوم الخميس، وفي فجر أحد الأيام الأخيرة، أخذ بوتا هذا التقليد إلى منطقة أخرى، حيث ذهب إلى كوينز.

وكانت خطته الجديدة حذره، حيث قرر أن لا يقرع طبلته سوى أمام المحلات التجارية المملوكة للباكستانيين، مثل محطات البنزين والمحال الصغيرة والمطاعم، لكن ليس بنفس الصوت المرتفع الذي اعتاد عليه في إسلام آباد أو كراتشي على سبيل المثال.

وقال بوتا، الذي كان يرتدي زيا باكستانيا برتقالي اللون وعمامة لها نفس اللون، «لن أقرع طبلتي في الأماكن التي يشكو فيها الناس. نحن، المسلمين، نعاني بالفعل الكثير من المشكلات».

وأضاف: «أريد أن يكون الناس سعداء ويرقصون ويأكلون. أريد أن يظل الجميع سعداء». وقال إنه يستجيب للطلب. ومنذ أن نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» موضوعا عنه العام الماضي، طلب منه الباكستانيون وغيرهم من المسلمين أن يأتي إليهم بطبلته ليوقظهم في وقت السحر.

وقال بوتا، الذي هاجر عام 1992 ويعيش الآن مع زوجته وثمانية من الأطفال في كوني آيلاند، «إنهم يقولون: لماذا لا تأتي إلينا أيضا؟ إنهم يريدونني. الجميع سعداء».

لكن الآن الوقت هو جوهر المسألة: لم يعد هناك سوى نصف ساعة قبل أن يستيقظ الجميع بالفعل ويتجهون لأداء صلاة الفجر. في تاريخ رمضان، أثنت الفيضانات والحروب والأوبئة عددا كبيرا للغاية من المسحراتية عن القيام بعملهم، لكن ذلك ليس من المحتمل أن يحدث بفعل الاختناقات المرورية في الصباح الباكر على الطريق السريع بين بروكلين وكوينز.

وفي الوقت الذي قام فيه بوتا بقرع طبلته في محطة الخدمة، هتف أحد الميكانيكيين الباكستانيين، وأخرج هاتفه المحمول من جيبه وبدأ يرقص ويحمل هاتفه عاليا، وكرر هذه الرقصة مع أحد الأصدقاء.

وبعد أقل من دقيقة، توقف بوتا عن قرع طبلته. وقبل ركوب سيارته، سأل: «مستعد للذهاب؟» وبعد عدة مبان تجاه الشمال، دخل بوتا محطة خدمة أخرى، تسمى «ورشة بنجاب لإصلاح السيارات»، والتي يمتلكها أحد الباكستانيين أيضا. وكرر ما فعله في المحطة الأولى. وفي الوقت الذي أحدث فيه قرع طبلته صدى صوت في إحدى ورش الخدمة، قال عمران، مدير الورشة، إن بوتا يحافظ على عادة مهمة، حتى إذا كانت أهميتها قد تضاءلت منذ فترة طويلة مع وجود المنبه. وقال عمران: «إنها ثقافة باكستانية». وقام بتحية بوتا، وقال بكل فخر: «إنه رجل مشهور للغاية». وعلى نحو مفاجئ، عاد بوتا إلى سيارته. وصاح من نافذة سيارته لأحد الميكانيكيين، قائلا: «شكرا لك يا سيدي. بارك الله فيك». وبعد عدة مبان تجاه الشمال، قرع طبلته في أحد المطاعم الباكستانية الخاوية تقريبا في أستوريا، واتجه تجاه الجنوب الشرقي على الطريق السريع بين بروكلين وكوينز تجاه جاكسون هايتس. وعلى الرغم من أن الجدل بشأن إنشاء مركز إسلامي بالقرب من منطقة غراوند زيرو جعل بعض المسلمين في نيويورك يخافون إثارة الاهتمام تجاههم، لم يفكر بوتا مطلقا في التوقف عن قرع طبلته في الشوارع.

وقال: «هذه هي أميركا، أميركا لديها دستور وحرية دين. إننا لا نفعل أي شيء خاطئ». وحمل السياسيين مسؤولية إثارة هذه القضية. ولدى وصوله إلى جاكسون هايتس، أوقف سيارته في طريق برودواي، حيث يواجه اثنين من المطاعم الباكستانية الكبرى بعضهما البعض على جانبي الشارع. وكان المبنى خاويا، باستثناء رجلين كانا يحتسيان القهوة. وكسر بوتا هذا الهدوء.

وسأل أحد الرجلين: «ما هذا؟ هل هذا عيد ميلاد شخص ما؟» ونظر آخرون من نافذة المطعم. وانتقده مالك المطعم لأنه جاء متأخرا للغاية. «الوقت قد ولّى»، هكذا قال بوتا، ودخل المطعم وقرع طبلته لفترة وجيزة. وقال: «إنها مثل أسرتي الكبيرة». ثم جلس لاحتساء فنجان من الشاي.

* «خدمة نيويورك تايمز»