موسكو وباريس تدعوان طهران إلى الإذعان لمطالب الوكالة الدولية.. وإظهار التعاون

لافروف وكوشنير يحثان إسرائيل على الاستمرار في تجميد الاستيطان.. والدول العربية على تقديم المساعدة

TT

خفف وزيرا خارجية فرنسا وروسيا من وقع التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة النووية والاتهامات التي تضمنها ضد البرنامج النووي الإيراني وعدم تعاون سلطات طهران مع خبراء الوكالة وجددا الدعوة للتعاون معها.

وذهب الوزير الروسي سيرجي لافروف أبعد إذ أضاف عنصرين مهمين: الأول، تأكيد أن الطريق «الوحيد» المفتوح للتعامل مع إيران هو «الحوار». والثاني الدعوة إلى ألا يقتصر الحوار مع طهران على الملف النووي بل حث على «إشراكها» في إدارة الملفات الإقليمية والبحث عن الحلول للمشكلات العالقة ذاكرا منها أفغانستان والعراق وأزمة الشرق الأوسط.

وقال لافروف إن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجب أن تستمر في عملها... وعلى إيران أن تستجيب لمطالب الوكالة»، فيما قال نظيره الفرنسي كوشنير إن إجراءات «التعاون والتنسيق أوقفت من جانب إيران».

وجاءت تصريحات الوزيرين عقب جولة مباحثات في إطار اللقاءات الثنائية لمجلس التعاون الروسي - الفرنسي الذي ينعقد مرتين في العام التي شارك فيها وزيرا الخارجية والدفاع في البلدين. واستقبل الرئيس ساركوزي الوزراء الأربعة في قصر الأليزيه.

وتتناقض اللهجة الفرنسية - الروسية المشتركة الهادئة عن إيران مع اللهجة التي تميزت بها ردود الفعل الأميركية إذ غلبت عليها دعوة القادة الإيرانيين الهادئة إلى العودة إلى طاولة المفاوضات وإلى التعاون مع الوكالة الدولية. واتفق الوزيران، في رد على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول التقرير الأخير للوكالة على اعتبار أنه «لا يحمل جديدا» وفق ما قاله الوزير الروسي باستثناء أنه يؤكد استمرار إيران في عمليات تخصيب اليورانيوم. وحث لافروف طهران، بالمقابل، على «الاستجابة بإرادة طيبة» لمطالب الوكالة الدولية.

غير أن الوزير الروسي فتح آفاقا جديدة بدعوته إلى توسيع دائرة الحوار مع طهران عن طريق إشراكها في إدارة أزمات المنطقة وفي البحث عن حلول لها. وقال لافروف إنه «لا يجب حصر إيران في الملف النووي وحده» بل يتعين أن «تستخدم إمكاناتها للمساعدة على إيجاد حلول في أفغانستان والعراق والشرق الأوسط».

ونبه الوزير الروسي الذي دعا مجموعة الست (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) إلى «إعادة النظر» في المستندات والعروض التي قدمتها في السنوات الأخيرة للأخذ بما يعكس منها الوضع الحالي. ولكن موقف روسيا التي باشرت مؤخرا بتشغيل معمل بوشهر على الخليج لإنتاج الطاقة الكهرو- نووية، أن «الطريق الوحيد» المفتوح للتعاطي مع إيران هو الحوار ما يبدو كونه ردا على الدعوات التي تفكر في «حل عسكري» للملف النووي الإيراني.

من جانبه، أعرب الوزير كوشنير عن تأسفه لغياب الحوار مع إيران مبديا استعداد ما يسمى «مجموعة فيينا» المشكلة من فرنسا وروسيا الولايات المتحدة للاجتماع مع ممثلي طهران في فيينا. لكن لا تاريخ للاجتماع حتى الآن. ونفى الوزير الفرنسي أن تكون الولايات المتحدة سببا في عرقلة أو منع هذه المجموعة من التحرك، مشيرا إلى وجود «مقترحات» معينة، امتنع عن الكشف عن مضمونها. ووصف كوشنير تقرير الوكالة الدولية الأخير بأنه «ليس مثيرا للقلق أكثر من التقارير السابقة» و«ليس من جديد فيه باستثناء أنه يؤكد استمرار إيران في عمليات تخصيب اليورانيوم».

وتعتبر باريس أن الكرة اليوم في ملعب إيران وأن عامل الزمن لم يعد يلعب لصالحها بعد إقرار العقوبات الأخيرة في مجلس الأمن والعقوبات الإضافية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا واليابان. وتراهن باريس ومعها العواصم الغربية على العقوبات، التي لم يأت لافروف قط على ذكرها لحمل إيران على التعاون. وفي حال لم تفض إلى الغاية المبتغاة منها، فإن الدول الغربية تدرس إمكانية فرض عقوبات جديدة تصيب هذه المرة قلب الاقتصاد الإيراني عن طريق حظر شراء النفط والغاز الإيرانيين.

إلى ذلك، حظي ملف الشرق الأوسط والمفاوضات المباشرة الإسرائيلية - الفلسطينية بحيز من مناقشات باريس، أمس، التي تكشفت عن رؤية «مشتركة فرنسية - روسية» وفق تعبير الوزير كوشنير.

واتفق الوزيران على ضرورة أن تستمر إسرائيل في تجميد الاستيطان في الضفة الغربية بعد 26 سبتمبر (أيلول) القادم. وقال كوشنير إنه يتعين على الجميع ذاكرا منهم الأوروبيين والروس والعرب «أن يطأوا بكل ثقلهم» لحمل إسرائيل على تمديد فترة تجميد الاستيطان. لكن كوشنير أدخل عنصرا إضافيا على النقاش إذ أعلن أنه يتعين أن «يستمر تجميد الاستيطان، بشكل أو بآخر، وربما مع اقتراحات وسطية قد تقدم والتي قد يقبلها الفلسطينيون». ويتوافق هذا الموقف مع ما يطرحه وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك مما يعني أن سيطلب من الفلسطينيين مجددا الموافقة على تنازلات جديدة بشأن الاستيطان. وأعلن كوشنير أن فرنسا وأوروبا وروسيا «لعبوا أدوارهم وكانوا منخرطين في العملية السياسية وليس فقط اقتصاديا». غير أن كوشنير أضاف: «نريد أن نفعل أكثر مما نفعله» في ما يشبه «عرض خدمات» لا يبدو أن واشنطن مستعدة في الوقت الحاضر لقبوله رغم إشارة الوزير الفرنسي إلى «أفكار» فرنسية وأوروبية.

من جهته، أبدى لافروف نوعا من «الأسى» لكون المفاوضات المباشرة «لم تنطلق على أسس واضحة». ورغم «تفهمه» للصعوبات، ولـ«الخلافات العميقة»، حول مواضيع مثل الأمن والحدود فقد أبدى نوعا من التفاؤل بإمكانية توصل المفاوضات المباشرة إلى نتائج إيجابية داعيا الجميع بمن فيهم الدول العربية إلى المساعدة.

أما بخصوص الاتفاق العسكري الأخير الذي وقع قبل يومين بين موسكو وتل أبيب، فقد قال لافروف إن غرضه «تطوير التعاون» العسكري بين الطرفين اللذين يبديان اهتماما بمشاريع عسكرية مشتركة لم يوضح تفاصيلها.