الإندونيسيون يعودون إلى ديارهم بالملايين للاحتفال بعيد الفطر

التنمية غير المتوازنة لصالح المدن أدت إلى التوسع في الهجرة إلى الحضر.. وزيادة أعداد المشاركين في رحلة العودة

TT

تحدث رحلة العودة هذه كل عام. فخلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، يغادر عشرات الملايين من الإندونيسيين المدن للعودة إلى قراهم، باستخدام الدراجات النارية والقطارات والحافلات والقوارب. وهذه العودة الجماعية تعتبر إحدى صور عطلة العيد في إندونيسيا، وواحدة من أكبر التحركات البشرية في العالم.

وعلى شبكة الطرق التي تصل قدرتها الاستيعابية إلى حدها الأقصى، يتحدى المسافرون اختناقات المرور الهائلة والإرهاق، وقطّاع الطرق للعودة إلى مسقط رأسهم، ويموت المئات منهم على طريق العودة كل عام. ويقود رحلة العودة، التي تسمى «مديك»، القادمون الجدد إلى المدن، أو هؤلاء الذين لهم جذور قوية في المناطق الريفية. وفي العاصمة جاكرتا تغلق المحال التجارية أبوابها، ويتوقف العمل بمواقع البناء، وتعتمد الأسر الغنية على نفسها بشكل كبير، وعلى الفنادق بسبب سفر الخادمات والمربيات والسائقين إلى قراهم لقضاء عطلة العيد.

وفي إحدى محطات الحافلات هنا، تنتظر ريا هانداياني (19 عاما)، وابنة عمها بوجي إيراوتي (20 عاما)، وهما تعملان مساعدتين وخادمتين في منزل واحد، ركوب الحافلة في رحلة تستمر لتسع ساعات إلى مسقط رأسيهما في إقليم جاوا الوسطى، وكلتاهما تعود إلى ديارها لأول مرة منذ أن وجد أحد أعمامهما لهما هذا العمل هنا في العام الماضي. وتقول هانداياني: «أحب جاكرتا. لقد أصبح لدي الكثير من الأصدقاء هنا. ونحن هنا نذهب إلى مراكز التسوق ونتنزه في الحدائق، لكنني أفتقد حقا عائلتي، وأفتقد والدي وأمي. ولدي خمسة أشقاء وشقيقات أصغر سنا».

وكانت هانداياني الحاصلة على الشهادة الإعدادية، تقوم بمساعدة بعض إخوتها الذين يدرسون في المدرسة الثانوية. وتقول هانداياني، وعلى وجهها نظرة جادة، إنها قد أرسلت إلى أهلها راتب شهرها الأول، 50 دولارا، وكانت أيضا ترسل إليهم راتبها كل شهر، لكن في الشهريين الماضيين أنفقت الراتب على نفسها؛ فقد اشترت هاتفا جوالا إندونيسي الصنع بمبلغ 40 دولارا. قالت هانداياني وهي تحمل هاتفها الأحمر اللون في يدها اليسرى: «أنا استخدامه للحديث مع أصدقائي في بلدتي، عن طريق موقع (فيس بوك)».

ومن المتوقع أن يشارك نحو 30 مليون شخص في رحلة العودة هذا العام، معظمهم من جزر جاوا وسومطرة، وهما من الجزر الرئيسية في إندونيسيا، التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 240 مليونا. وفي العاصمة جاكرتا، من المتوقع أن يترك ربع السكان، البالغ عددهم عشرة ملايين، المدينة للعودة إلى مسقط رأسهم لقضاء عطلة العيد. والعودة السنوية إلى مسقط الرأس في القرى والمدن هي جزء لا يتجزأ من طريقة احتفال الإندونيسيين بعيد الفطر؛ حيث يقومون بإعادة الروابط مع أسرهم، وتجديد أنفسهم روحانيا، والعبادة، وطلب المغفرة من الله.

ولكن بعيدا عن الثقافة والدين، فإن التنمية الاقتصادية غير المتوازنة لصالح المدن أدت إلى التوسع في الهجرة إلى الحضر، وبالتالي زيادة أعداد المشاركين في رحلة العودة لقضاء عطلة العيد. وفي هذا السياق، يقول إيروان هدايت، الرئيس التنفيذي لشركة «سيدو مونكل»، إحدى أكبر الشركات المصنعة للمشروبات العشبية: «لقد تحسن الاقتصاد الإندونيسي كثيرا، ولكن لا يوجد توازن بين المدن والمناطق الريفية، ولا بين الأغنياء والفقراء، ولهذا السبب يزداد أعداد المشاركين في رحلة العودة كل عام».

وفي تسعينات القرن الماضي، قامت شركة «سيدو مونكل» بتنظيم رحلة العودة لموظفيها. ويقول هدايت (63 عاما)، أن الشركة استأجرت هذا العام نحو 300 حافلة لإعادة 20000 من بائعي منتجاتها إلى مسقط رأسهم.

وتؤدي رحلة العودة السنوية إلى تدفق المال على القرى الإندونيسية. ومحطات الحافلات هنا وباعة الحلوى المتجولون يصطفون في طريق المسافرين، الذين، وفقا للعرف، يقومون بتوزيع الحلوى على أقربائهم عند العودة. وقال فؤاد وعاني، وهما زوجان كانا ينتظران حافلة مع أطفالهما الثلاثة، إن أقرباءهم طلبوا منهم الإتيان لهم بهدايا من جاكرتا، وهي في الغالب ملابس.

ومن المتوقع أن يسافر ما لا يقل عن 1.6 مليون شخص من جاكرتا إلى مسقط رأسهم باستخدام الدراجات النارية، وهي نماذج صغيرة مصنعة عادة للرحلات القصيرة، على الرغم من محاولات السلطات حظر استخدامها في الرحلات الطويلة. وقد قتل أكثر من 400 مسافر خلال رحلة العودة في العام الماضي، معظمهم في حوادث للدراجات النارية. وكل عام تتناقل وكالات الأنباء المحلية تقارير عن وفاة أطفال رضع، وفي بعض الأحيان بسبب اختناقهم بين والديهم حيث تركب بعض العائلات بأكملها على دراجة نارية واحدة.وتقوم شركة «ياماها موتور كيكان إندونيسيا»، وهي الموزع للدراجات «ياماها» هنا، بتنظيم قافلة لـ3000 من أصحاب دراجات «ياماها»، حيث تقوم حافلات بنقل أصحاب الدراجات وأسرهم إلى جاوا الوسطى، وتقوم شاحنات أخرى بنقل دراجاتهم النارية. وقد ركب مامان (39 عاما)، في وقت مبكر صباح الأحد الماضي، إحدى حافلات قافلة شركة «ياماها» مع زوجته وابنه. وفي العام الماضي، استقل دراجته النارية إلى قريته في رحلة استمرت لمدة 12 ساعة.

وقال بولوس إس فيرمنتو، وهو مدير في شركة «ياماها»، إن مبيعات الدراجات النارية تشهد ارتفاعا حادا مع ازدهار الاقتصاد الإندونيسي، وقد أصبحت الدراجات النارية الوسيلة المفضلة للقيام برحلة العودة لقضاء عطلة العيد. وقال فيرمنتو: «عند العودة بدراجاتهم النارية إلى مسقط رأسهم، يظهرون أنهم قد جمعوا بعض الأموال في جاكرتا. وفي الماضي، كانت الدراجة النارية تعمل لثماني سنوات قبل أن يمل منها صاحبها، الآن مالك الدرجة يمل قبل حتى مرور خمس سنوات. وبعضهم يحرج من العودة إلى مسقط رأسه بنفس الدراجة النارية في العيد التالي».

* خدمة «نيويورك تايمز»