واشنطن: قادة مسيحيون ويهود ينضمون للمسلمين في إدانة التخطيط لحرق نسخ من المصحف

انتقاد من البيت الأبيض والخارجية لأعمال التعصب الديني

TT

تصاعدت الأصوات المعارضة لقس مسيحي متطرف لكنيسة معمدانية أميركية يطالب بحرق نسخ من المصحف، لينضم قادة سياسيون ودينيون أميركيون لأصوات المسلمين في إدانة العملية التي من المرتقب أن يقوم بها القس تيري جونز يوم السبت الذي يصادف الذكرى التاسعة لهجمات 11 سبتمبر (أيلول).

وفي خطوة نادرة، اجتمع قادة مسلمون ومسيحيون ويهود في واشنطن للتنديد بالأعمال المعادية للمسلمين، ليصدر 35 منهم بيانا مشتركا «يدين التعصب الديني ضد المسلمين ويطالب باحترام تقليد أميركا للحرية الدينية». وأضاف البيان الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه: «كقادة دينيين في هذا البلد العظيم، لقد اجتمعنا معا في عاصمة بلدنا للتنديد بالسخرية وسوء المعلومات والعنصرية الدينية التي توجه لجالية أميركا المسلمة». وجاء في البيان، الذي كان من بين موقعيه الكاردينال تيودور مكاريك كبير أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في واشنطن والدكتور مايكل كينامون من المجلس الوطني للكنائس، أن «الهجوم على أي دين في الولايات المتحدة هو اعتداء على الحرية الدينية لكل الأميركيين». وعبر القادة عن «انزعاجهم من عدم الاحترام لنص مقدس»، بعد أن كانت رئيسة منظمة «إيسنا» (مجتمع الولايات المتحدة الإسلامي) الدكتورة أنغريد ماتسون قد عملت على جمعهم خلال الأيام الماضية من أجل الدفاع عن القرآن الكريم والدين الإسلامي. وقال الزعماء الدينيون ومن بينهم الحاخام ديفيد سابرشتاين رئيس الاتحاد من أجل إصلاح اليهودية والحاخام جولي شونفيلد من رابطة الحاخاميين المحافظين «إن الإقدام على إحراق مصاحف شريفة يوم السبت القادم هو على وجه الخصوص إساءة فاضحة تتطلب أقوى إدانة ممكنة من كل من يقدّر التحضر في الحياة العامة ويسعى لتمجيد ذكرى من فقدوا أرواحهم في 11 سبتمبر».

وأثارت خطة حرق مصاحف علنا داخل الولايات المتحدة احتجاجات غاضبة في أفغانستان حيث تحارب القوات الأميركية متشددي طالبان. وتجمهر بضع مئات من الأفغان غالبيتهم يدرسون في معاهد دينية أمام مسجد ميلاد النبي وأخذوا يرددون في غضب «الموت لأميركا». وكان القادة من الأديان السماوية الثلاثة مجتمعين في مؤتمر صحافي مشترك أمس حيث تحدثوا عن أهمية مواجهة الموجة ضد المسلمين. وحرص الكاردينال تيودور مكاريك على القول في المؤتمر الصحافي بأن حرق نسخ من المصاحف «ليست صورة أميركا.. نريد أن نقول للعالم: هذه ليست قيمنا». وهذا ما أكدت عليه ماتسون، قائلة: «نريد أن نقول للمسلمين في الخارج إن هذا العمل (التهديد بحرق المصاحف) لا يمثل أميركا، التضامن هنا هو الوجه الحقيقي». ولفتت ماتسون، التي ساعدت على إصدار بيان زعماء الدين أمس، إلى أن المسلمين الأميركيين العاديين يشعرون بقلق متنام ويشعرون أنهم يتعرضون للتحرش وهم يمارسون حياتهم اليومية. وحثت المسلمين في الخارج على التريث وألا يتخذوا من «الصوت العالي لبعض المتطرفين المسيحيين» مبررا للقيام بأفعال ضد الأميركيين اليهود والمسيحيين. وأضافت: «إنهم لا يمثلون أميركا ولا يمثلون المسيحية أو اليهودية». أما القس ريتشارد سيزيك، وهو رئيس الشراكة الإنجيلية للمصلحة العامة، فوجه كلامه إلى جونز قائلا: «الخزي عليك». وأضاف أن على الجميع حماية الدين الإسلامي لأن «توجيه هجمة على أية طائفة هي هجمة على جميع الأديان».

وكان قائد القوات الأميركية في أفغانستان، الجنرال ديفيد بترايوس، أول مسؤول أميركي رفيع المستوى يعلن عن إدانته لتصرفات جونز، مما دفع مسؤولين آخرين للتعليق على القضية وخاصة من ناحية الخطر الذي يشكله هذا التصرف على قوات الولايات المتحدة في أفغانستان بسبب ردود الفعل المرتقبة لهذا العمل. وقال الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس: «نحن نعرف أن مثل هذه الأفعال تبث إلى أماكن مثل أفغانستان.. ومثل ما قال (الجنرال بترايوس) إنها تضع جنودنا في خطر». وأضاف: «من الواضح أن أي نوع من هذه الأعمال التي تضع جنودنا في خطر تقلق هذه الإدارة». وحتى أمس، لم تكن أية جهة حكومية تنوي منع جونز عن هذا العمل، على الرغم من انتقاده. وبينما تثار المخاوف من استهداف المسلمين ومعاناة من أعمال معادية في الولايات المتحدة، تشدد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على حسن العلاقات مع المسلمين. واستضافت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مأدبة إفطار في وزارة الخارجية الأميركية مساء أول من أمس، تحدثت خلالها عن أهمية العلاقات مع المسلمين. وصرحت كلينتون بأنها على علم بـ«الأنباء والتقارير التي تقول إن قسا في غينسفيل بولاية فلوريدا يُخطط لإحراق القرآن الكريم في 11 سبتمبر. وإنني متشجعة جدا للإدانة الواضحة التي لا لَبس فيها، التي جاءت من القادة الدينيين الأميركيين من كل الطوائف الدينية، بدءا من المسيحيين الإنجيليين وصولا إلى الحاخامات اليهود، ومن القادة العلمانيين الأميركيين، وصانعي الرأي العام، لهذا العمل عديم الاحترام والشائن». وأضافت: «يعود التزامنا بالتسامح الديني إلى البداية الأولى لدولتنا. والعديد منكم يعلم أن جورج واشنطن بعث برسالة سنة 1790 إلى معبد يهودي في مدينة نيو بورت، برود آيلاند، قال فيها إن هذه البلاد لن تمنح أي ملجأ للتعصب أو أي مساعدة للاضطهاد».

وقالت كلينتون إنه يجب التفكير «كيف يمكننا بناء روابط أوسع وأعمق من التفاهم المتبادل، والاحترام المتبادل، والتعاون بين الشعوب من شتى الأديان خلال السنة المقبلة، هنا في بلادنا وفي الخارج. ودعونا أيضا نتأمل في كيفية تحسين جهودنا لنضمن خلق المزيد من الفرص لمزيد من الناس في مزيد من الأماكن لكي يستطيعوا إبراز الطاقات التي أنعم الله بها عليهم».

ومن جهته، اعتبر وزير العدل الأميركي إريك هولدر أن حرق نسخة من المصحف سيكون عملا «غبيا وخطيرا». وكان الوزير هولدر يتحدث إلى مسؤولين دينيين في واشنطن خلال لقاء عقد لدرس الوسائل الكفيلة بوضع حد لأعمال العنف ضد الأفراد أو المؤسسات التي ترتكب بدوافع دينية. وقد أعلنت كنيسة «مركز اليمامة لنجدة العالم» المعمدانية في غينسفيل في ولاية فلوريدا عزمها حرق نسخة من المصحف على الملأ السبت في الذكرى التاسعة لاعتداءات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية في واشنطن بي جي كراولي «نحن نعتقد أن هذه أفعال استفزازية تنطوي على استخفاف وتعصب وتثير الفرقة». وأضاف: «نريد أن نرى مزيدا من الأميركيين يهبّون ويقولون إن هذا يخالف قيمنا الأميركية. وفي الواقع فإن هذه الأفعال نفسها ليست من طبيعة الأميركيين».