تنديد دولي بالدعوة لإحراق المصاحف

الفاتيكان: «إهانة خطرة».. عمرو موسى: عمل «تخريبي».. والأزهر يحذر من العواقب

TT

تتواصل الإدانات حول العالم ضد الدعوة التي أطلقتها كنسية في الولايات المتحدة لإحراق مصحف يوم السبت المقبل. وأثار إعلان كنيسة «دوف وورلد أوتريش سنتر» الأميركية في فلوريدا عزمها إحراق نسخة من المصحف في ذكرى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) حملة إدانات واسعة شملت دولا إسلامية وغربية على حد سواء. فقد أدان الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي «المفوضية»، دعوات انطلقت لحرق المصحف بالتزامن مع إحياء ذكرى الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأميركية، وخلال تصريحات بمقر المفوضية ببروكسل قالت مايا كوسيانيتش، الناطقة باسم الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، أن المفوضية الأوروبية تعارض مثل هذه الممارسات، وأضافت «لا نعتقد أن حرق المصحف هو وسيلة مناسبة للتعبير». وشددت الناطقة الأوروبية على احترام مؤسسات الاتحاد الأوروبي لكل المعتقدات الدينية والفلسفية.

من جهته، أعلن المجلس البابوي للحوار بين الأديان التابع للفاتيكان في بيان أمس أن مشروع القس الأميركي تيري جونز لإحراق المصحف سيشكل «إهانة خطرة إزاء كتاب مقدس في نظر أتباعه». وقال المجلس البابوي إنه «تلقى بقلق كبير خبر مشروع (يوم إحراق المصحف) في 11 سبتمبر». وأضاف «لا يمكن معالجة أعمال عنيفة تدعو إلى الأسف» على غرار اعتداءات سبتمبر في الولايات المتحدة، بمشروع مماثل لمجموعة مسيحية متطرفة في فلوريدا. وشدد المجلس على أن «كل ديانة مع كتبها المقدسة وأماكن عبادتها ورموزها لها الحق في الاحترام والحماية». وتابع أن «هذا الاحترام ينبع من كرامة الأشخاص المنتمين إلى هذه الديانة وخيارهم الحر على الصعيد الديني». واعتبر المجلس البابوي أن «جميع المسؤولين الدينيين وجميع المؤمنين مدعوون إلى تجديد إدانتهم الشديدة لأي من أشكال العنف خصوصا ذلك الذي يرتكب باسم الدين».

وكانت صحيفة «أوسرفاتوري رومانو» الناطقة باسم الفاتيكان نقلت أمس عن أسقف لاهور ورئيس المجمع الأسقفي الباكستاني لورانس جون سالدانها قوله «نندد بشدة بهذه النية وهذه الحملة التي تتعارض مع الاحترام الواجب لكل الديانات وتتعارض مع عقيدتنا وإيماننا». وفي القاهرة، وصف الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أمس خطوة إحراق مئات المصاحف إحياء لذكرى هجمات سبتمبر بأنها عمل «متطرف», داعيا الأميركيين إلى معارضة خططه. وصرح عمرو موسى في القاهرة «هناك أغلبية متصاعدة في الولايات المتحدة ضد موقف هذا (القس) المتطرف». وأضاف «نريد أن نرى التفاعل الأميركي المثقف ضد هذا الأسلوب التخريبي لهذا المتطرف». وأثار هذا القرار ردود فعل عالمية شاجبة، وأعربت الولايات المتحدة عن خشيتها خصوصا على أرواح جنودها في أفغانستان.

وفي بيروت، استهجن الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان أمس ما أعلنته إحدى المجموعات الدينية في الولايات المتحدة عن نيتها حرق نسخ من المصحف. واعتبر الرئيس سليمان، في بيان رئاسي، أن «ذلك مناف بصورة صارخة لتعاليم الديانات السماوية السمحاء، ويتناقض كليا مع منطق حوار الحضارات والأديان والثقافات خصوصا أن الأمم المتحدة شهدت مؤتمرا لهذا الحوار الذي يدعو إلى نبذ الحقد والتعصب والإرهاب». ودعا الرئيس اللبناني إلى «التبصر مليا في التعاليم المسيحية والمفاهيم الإنسانية التي تشدد على محبة الآخر واحترامه».

وقوبلت خطط حرق المصحف في ولاية فلوريدا الأميركية، خلال الذكرى التاسعة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، بانتقادات شديدة من قبل مسؤولين مسيحيين ويهود في العالم.

إلى ذلك، حذر العالم الأزهري البارز الشيخ عبد المعطي البيومي عضو مجمع بحوث الأزهر أمس من أنه في حال نفذت كنيسة أميركية خطتها القاضية بحرق مئات المصاحف فإن هذا الأمر قد يؤدي إلى «تخريب» العلاقات بين واشنطن والعالم الإسلامي. وقال الشيخ بيومي، الذي وصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما في ندائه للمصالحة مع العالم الإسلامي بأنه «منارة للعلم»، إنه «لو عجزت الحكومة الأميركية عن وقف هذا فسوف يكون (حرق المصحف) أحدث صيحة في الإرهاب الديني، ومعنى ذلك تخريب العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي». وأضاف أن ذلك «سيفتح المجال أمام الإرهاب. هل هم يحاربون الإرهاب أم يشجعونه؟»، مؤكدا أن «السكوت تحت شعار الحرية زائف، حرية (التعبير) لا تمس الحرية الدينية للأشخاص». وبدوره وصف عصام العريان العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين أمس خطة الكنيسة البروتستانتية بـ«العمل الهمجي». وأكد أن ذلك العمل «سيزيد من مشاعر الكراهية في العالم تجاه الولايات المتحدة». ودان مسيحيو سورية دعوة قس كنيسة أميركية بروتستانتية إلى إحراق المصحف في كنيسته المعادية للإسلام السبت، معتبرين أن دعوته هذه تهدف إلى التفرقة بين المسلمين والمسحيين وترتبط بحملات «صهيونية»، كما ذكر مصدر رسمي أمس. ونقلت صحيفة «تشرين» الحكومية عن النائب البطريركي العام في دمشق للروم الملكيين الكاثوليك المطران جوزيف العبسي وصفه لهذا التصرف «بالمخزي»، معتبرا القس صاحب هذه الفكرة إنسانا «ليس عاقلا، وما يقوم به عمل شيطاني، لأن أبسط قراءة للإنجيل ترفضه». وأشار المطران العبسي إلى أن تصرف القس تيري جونز يدل على عدم معرفته بالمصحف, موجها إليه دعوة لزيارة سورية «ليعرف حقيقة الإسلام». وأكد المطران أن «هذه الجماعات التي تطلق دعوات كهذه وهدفها الإيقاع بين الإسلام والمسيحية لم تأت منفردة بل يوجد رابط معها مع الحملات الأخرى التي تقودها الصهيونية».

بدوره، اعتبر الوكيل البطريركي لبطريركية الروم الأرثوذكس المطران غطاس هزيم أن جونز «لا يمثل المسيحية وإنما شخصه»، معتبرا أن الذين يريدون استفزاز الناس «هم أعداء المسيحية أولا والإسلام ثانيا». وتابع «ما من مستفيد في هذه المنطقة تحديدا إلا إسرائيل التي تريدنا على خصام وتقاتل»، داعيا القس إلى اختبار «الروحانية الشرقية المتأثرة فيها كل الديانات الشرقية بما فيها الإسلام». كما دان رئيس طائفة الأرمن في سورية ورئيس المجلس العالمي للأرمن البروتستانت القس هاروتيون سليمان «هذا العمل اللامسؤول»، معتبرا أن مخطط جونز «عمل أخرق يعبر عن حقد أعمى». ووجه راعي كنيسة دمشق للروم الكاثوليك الأب الياس زحلاوي رسالة إلى القس جونز يسأله فيها عن أهداف الدعوة التي أطلقها، مخاطبا إياه «تعال إلى دمشق لأجعلك تعيش خبرة ما كانت تخطر لا ببالك ولا ببال جميع كنائس الغرب وأساقفته وكهنته وقساوسته».

من جهة أخرى، قوبلت خطط حرق المصحف في ولاية فلوريدا الأميركية، بانتقادات شديدة من قبل مسؤولين مسيحيين ويهود في ألمانيا.

ووصفت الكنيسة الإنجيلية في ألمانيا خطة حرق المصحف في الذكرى التاسعة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر بأنها «استفزاز لا يمكن تحمله»، وأكدت أنها تنأى بنفسها عن هذا التصرف. وقال القس مارتين شنايدهوته أمس في هانوفر إن حرق المصحف لا يتفق مع قيم المسيحية ولا يسهم بأي طريقة في حل المشكلات وخلق الثقة، مشيرا إلى أن القيام بمثل هذا العمل في وقت يتزامن مع احتفالات المسلمين في العالم بعيد الفطر لن يساعد في حدوث التفاهم، بل سيعطي بيئة خصبة للمتطرفين.

من جهته، أعرب المجلس الأعلى لليهود في ألمانيا عن صدمتهم من خطط حرق المصحف في الولايات المتحدة. وقالت رئيسة المجلس تشارلوته كنوبلوخ أمس في ميونيخ «هذا التصور مفزع ويمثل خرقا واضحا»، وذكرت في الوقت نفسه بعملية حرق الكتب التي نفذها النازي عام 1933. واستشهدت كنوبلوخ بمقولة للشاعر الألماني هاينريش هاينه يقول فيها:«أينما تحرق الكتب، يحرق البشر في النهاية أيضا».