نعمان بن عثمان رفيق سلاح بن لادن في الذكرى الـ9 للهجمات: دعواكم إلى الجنة مفروشة بالدماء والأبرياء

قيادي أصولي من «المقاتلة» في رسالة إلى زعيم «القاعدة»: تجاوزت الملا عمر وضربت بتعليماته عرض الحائط واتخذت أرضه منصة لشن هجمات ضد أميركا

TT

تلقت «الشرق الأوسط» نسخة من رسالة قيادي أصولي من «مجلس شورى الجماعة الليبية المقاتلة» قاتل إلى جانب زعيم «القاعدة»، قال فيها: «أكتب إليك بصفتي رفيقا سابقا في السلاح. حاربنا معا، وواجهنا الموت معا. قاتلنا تحت راية الإسلام دفاعا عن إخواننا المسلمين في أفغانستان واستجابة لطلبهم المساعدة. وإني أفتخر إلى يومنا هذا بمشاركتي في الجهاد ضد الغزو السوفياتي والحكومة الشيوعية في كابل وحمل السلاح في وجهها. كنا على حق ولم يكن باستطاعة أحد الوقوف حائلا دون انتصارنا».

وأوضح بن عثمان أبو محمد الليبي الذي أرخ رسالته بـ10 سبتمبر (أيلول) في الذكرى التاسعة للهجمات: «بعد إنجاز مهمتنا، أصبحنا نقمة على الشعب الذي من أجله عبرنا الحدود الباكستانية - الأفغانية. طلب منا الأفغان، بمن فيهم الملا عمر وأنصاره، حماية بلدهم وشعبهم. بدلا من ذلك، أردت اتخاذ أرضهم منصة لشن هجمات ضد أميركا وإسرائيل والغرب والأنظمة الغربية. وهل جلب هذا أدنى فائدة للشعب الأفغاني؟».

وتابع الإسلامي الليبي الذي انضم منذ أقل من أسبوعين إلى مؤسسة بريطانية مهمتها مكافحة التطرف الأصولي، بقوله: «إنك لم تدخر جهدا في تجاوز الملا عمر والضرب بتعليماته عرض الحائط، وقررت تجاهل أوامره بوقف استفزاز الولايات المتحدة الأميركية لما قد يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على أفغانستان. كيف يمكن التوفيق بين قولكم بأنكم تجاهدون لإقامة ما تسمونه بالدولة الإسلامية، وفي الوقت نفسه يتم معصية ولي الأمر في تلك الدولة، التي بايعها تنظيم القاعدة كولاية شرعية، وتفتئتون على أهم خصائصها، وهي صلاحية إعلان الحرب والسلم مما أدى إلى سقوط دولة طالبان؟! ألا تتذكر رأي الشيخ المرحوم أبو حفص الموريتاني، المؤيد لوجوب طاعة الملا عمر، وعدم الاستمرار في شن العمليات العسكرية خارج أفغانستان، وأن المطلوب وقتها لم يكن الجهاد على الصعيد العالمي، بل إعادة بناء أفغانستان، وأن ذلك واجب على كل مسلم يقطن البلاد؟!».

وأفاد القيادي الأصولي الذي شارك في تدشين المرجعات الليبية: «كما أذكرك أن أبو محمد الزيات، رئيس اللجنة الأمنية لتنظيم القاعدة (الذي عين رئيس اللجنة العسكرية عام 2000)، انضم إلى رأي أبو حفص الموريتاني فقيه (القاعدة)، فقد اعتبر أن هجمات 11 سبتمبر غير شرعية، حيث إنها لم تكن مرخصة من قبل الملا عمر. والسؤال الذي طرحه الكثير، حتى من الدوائر المقربة، هو: بأي حق تجاهلت (القاعدة) أوامر الملا عمر؟! ومن الجدير بالذكر التأكيد على أنه حتى مع موافقة الملا عمر، كانت ستبقى هذه الهجمات غير مقبولة إسلاميا».

وتطرق بن عثمان إلى دعوته لتناول وجبة الإفطار في بيت بن لادن الطيني الأقل من المتواضع بقندهار صيف عام 2000، وقال: «لا يمكنني أن أنسى مشهد أطفالك وهم يلعبون ويمرحون حفاة مثلهم مثل أي طفل أفغاني وأنت بدورك من المفترض أنك ما زلت تذكر الأحاديث التي دارت بيننا، ومن أهمها تأكيدي على فشل الحركة الجهادية، وقد تحدثت وقتها باسم الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وبحضور نائبك الدكتور أيمن الظواهري، وشخصيات رئيسية أخرى، ناقشتُ ضرورة الوقف الفوري للعنف، وتوقف (القاعدة) عن شن حربها خارج أفغانستان. طلبت مني وقتها التعاون ومساعدتك على الاستفادة من الشبكة اللوجستية العالمية للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة لتعزيز (الجهاد ضد اليهود والصليبيين) كما وصفت الحرب الجارية. لكنني رفضت ذلك الطلب دون الانتظار للرجوع إلى رأي الجماعة في المسألة. وعدت يومها بأنك بصدد تنفيذ عملية واحدة وأخيرة، وأنه ليس في الإمكان التراجع عنها».

وتابع قائلا: «في صباح يوم 11 سبتمبر 2001، اكتشف العالم سلسلة الأحداث التي جلبتها أنت ومن وراءك في تنظيم القاعدة، وعاش حقيقة عواقبها المفجعة. ماذا كان هدف هذه العملية ولأي غرض نفذت؟ ماذا جلبت غير القتل الجماعي والاحتلال والدمار والكراهية للمسلمين والإهانة للإسلام وتشديد القبضة على حياة المسلمين من قبل الأنظمة التي تحكم بلاد العرب والمسلمين؟!»، ويشير بن عثمان في رسالته: «شككتُ حينئذ في سلامة وعقلانية خططك وحذرتك في صيف عام 2000 من العواقب الوخيمة التي ستنتج عند تصعيد الصراع مع أميركا. ولكنك يومها اعتقدت أنني على خطأ وقد أثبت التاريخ أنني كنت على صواب، فقد ألحقت عملياتك الضرر بالملايين من المسلمين وغير المسلمين الأبرياء. فهل هذا حقا مقصد شرعي من مقاصد الجهاد؟ وإلى متى سيستمر تنظيم القاعدة في الإساءة إلى الإسلام وإذلال المسلمين وتعطيل حياتهم ونشر الرعب على الصعيد العالمي؟!».

ويؤكد الإسلامي الليبي: «المسلمون في جميع أنحاء العالم يرفضون الجهاد على فهم ومنهج (القاعدة)، ويرفضون قيام دولة إسلامية على فهم ومنهج (القاعدة)، خاصة بعدما تجلت حقيقتها وطبيعتها في العراق. وأما فلسطين فإن أهلها ينظرون إلى تدخل تنظيم القاعدة في قضيتهم باعتباره أمرا سلبيا له نتائج غير محمودة. والحقيقة أن حصار إسرائيل على غزة لم يكن يوما أكثر خنقا، والغريب أن بعض مؤيديك تجرأوا على تكفير حركة حماس، فماذا عن بقية شعب فلسطين والمسلمين؟ إن معظم المجتمعات المسلمة ترغب في تعزيز الديمقراطية وتسعى إلى تحقيق العدالة والسلام وتعزيز الحريات وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع شعوب العالم كافة. عوضا عن ذلك، حيثما كان هناك أمن وأمان، فإن تنظيم القاعدة يجلب الخوف والفوضى».

وأفاد بن عثمان بأن «أحداث 11 سبتمبر التي لا يمكن إلصاقها بالإسلام تسببت في خسائر بشرية جسيمة، كما خلفت الحسرة والألم للآلاف من أسر الأبرياء، ونتيجة لذلك فها نحن نرى اليوم في مدينة نيويورك أن من يسعى لإقامة مسجد يعبد فيه الله الواحد الأحد يقارن بالنازيين. والواقع المر هو أن المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات ديمقراطية وحرة عانوا الكثير من عواقب عملياتك العشوائية. ففي سويسرا وفرنسا مثلا، وهما بلدان كثيرا ما استطاع المسلمون فيهما ممارسة شعائرهم الدينية بحرية وعلنية، أجبروا على التخلي عن رموزهم الدينية. كما يواجه إخواننا وأخواتنا في الصين التعذيب والقمع اليومي على أيدي الحكومة الشيوعية من خلال التذرع والتحجج بالعمليات التي تشنها (القاعدة) في أماكن أخرى من العالم. وفي بلد الحضارات، بات الشعب العراقي يعيش في جو يسوده الخوف من التكفير والتفجيرات الانتحارية اليومية. وفي باكستان واليمن والجزائر والصومال وغيرها من البلدان يسيطر الرعب على شعوب بأكملها بسبب شباب يقتلون ويرهبون باسم الإسلام ويسفكون الدماء بحجة الجهاد ونيلهم الشهادة. أهذا هو الطريق إلى الجنة؟! إنني أنصحك بالرجوع إلى الثقات من أهل العلم بخصوص هذه المسألة فلا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما». ويقول بن عثمان الإسلامي الليبي موجها خطابه إلى بن لادن: «أعلم أنك رجل متواضع وأنك تخليت عن حياة الرفاهية للتفرغ للقضية التي تؤمن بها. عليك الآن أن تجاهد في تنظيم القاعدة وذلك بإرجاعه إلى المحجة البيضاء، منهج أهل السنة والجماعة، وإلزامه بالاعتصام واتباع أصول وأحكام وقواعد الإسلام. وإنه من واجبك في هذه المرحلة أن تمنع تنظيم القاعدة من أن ينزلق أكثر فأكثر نحو الغلو والتطرف والتكفير وسفك الدماء التي حرم الله إلا بالحق».

وينصح بن عثمان زعيم «القاعدة» بقوله: «رغبة في أن يثمر هذا التواصل أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر، فإني أنصحك بأن يعلن تنظيم القاعدة وقفا للعمليات العسكرية من جانب واحد لمدة 6 أشهر، وذلك لثلاثة مقاصد:

- اتخاذ خطوة إلى الوراء والكف عن القتال من أجل دراسة ومراجعة في رؤية التنظيم، من خلال الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، أهمها: ماذا سيكون تأثير تعليق العمليات العسكرية لـ(القاعدة) على الإسلام والمسلمين؟ هل سيضر بمصالحهم أو أنه سيسمح لهم بالتقدم نحو تحقيق السلام ومزيد من حرية الدعوة؟ ماذا سيخسر الإسلام بتوقف (القاعدة) عن العنف؟

- دراسة الرأي العام في أوساط المسلمين في جميع أنحاء العالم لمعرفة حقيقة موقفهم من تنظيم القاعدة من حيث التأييد والرفض على المستوى الآيديولوجي، وكذلك المستوى الحركي.

- الرجوع إلى علماء مثل الشيخ سلمان العودة، الذي رفض منهجكم وفهمكم للجهاد، وغيره من العلماء ممن تلقتهم الأمة بالقبول والأخذ بآرائهم وتوجيهاتهم».

ويخلص في رسالته بالقول: «أعتقد أن اعتماد هذه الاستراتيجية ستكون خطوة أولى في اتجاه إنهاء الاحتلال في أفغانستان وإحلال السلام والأمن في الكثير من البلاد العربية والإسلامية. ومن خلال حثي هذا على وقفكم للعنف وإعادة النظر في أهدافكم واستراتيجيتكم، أعتقد أنني أعبر عن الأغلبية الساحقة من المسلمين الذين يرغبون في رؤية دينهم يستعيد الاحترام الذي فقده ويتوقون إلى الشعور بالفخر والاعتزاز عند وسمهم بالمسلمين».