الحكومة الألمانية تطرح برنامجا طموحا لدمج الأجانب

الأحزاب تطالب باستحداث وزارة لـ«الاندماج»

TT

اعترف وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير بأن ألمانيا «نامت طوال عقدين» عن ملف دمج الأجانب في المجتمع الألماني، لكنه عبر عن طموحه ببرنامج الاندماج الذي صاغته حكومة المستشارة أنجيلا ميركل في أكثر من 200 صفحة وعرضته على الصحافة الخميس.

وقال الوزير إن تعلم اللغة الألمانية أساس كل شيء في الاندماج، ولهذا فهناك اليوم أكثر من 1.1 مليون أجنبي يعيشون في ألمانيا ولا يملكون من اللغة ما يؤهلهم للاندماج في المجتمع. ويعقد هذا الوضع أن نسبة أولاد الأجانب الذين لا يكملون التعليم في المدارس يرتفع إلى 15% وهذا يقلل فرصهم في الحصول على عمل وولوج عالم الحياة اليومي.

والقضية لا تتعلق بالجيل القديم من المهاجرين، الذين يشكل العمال الوافدون من تركيا أغلبيتهم، ولا بجيل المهاجرين الجدد الذين لم يتعلموا اللغة الألمانية بعد، وإنما بالجيل الوسيط الذي ولد الكثير منهم في ألمانيا.

من ناحية أخرى يرى الوزير وجود أمل كبير في التعاطي مع المشكلة لأن الرافضين للاندماج في المجتمع لا تتعدى نسبتهم 10 - 15%، هذا يعني عدم ضرورة تحويل المشكلة إلى «دراما»، لأن هذه النسبة منخفضة، في الحقيقة، بالمقارنة مع البلدان الأوروبية الأخرى وبلدان العالم ككل.

ووصف دي ميزير البرنامج الحكومي للاندماج بأنه محاولة لـ«تعويض السنين التي نامتها الحكومات الألمانية المتتالية عن ملف الاندماج». والبرنامج الاتحادي، حسب تعبيره، عبارة عن تجميع وتوحيد لبرامج الاندماج في الولايات والمدن والمقاطعات، بما يحفز عملية الاندماج. وأهم المقترحات فيه هي تعزيز دور اتحادات الأجانب العاملة ضمن مجالس المدن والولايات، وتعزيز دور الآباء في المدارس ومجالسها، ورفع نسبة المعلمين من أصول أجنبية في المدارس، لأن نسبتهم الحالية لا تعادل سوى 1.2%.

وإذ أثبتت «دورات الاندماج» أهميتها في تعليم الأجانب اللغة والتاريخ والنظام القانوني فالبرنامج يرمي إلى التشدد في ضبط حضور الأجانب لحصصها وربما فرض العقوبات على من يرفضها أو يقطعها دون أن يكملها. رفض في العام الماضي 30% من الأجانب المشمولين الدخول في هذه الدورات، وربما سيعرض متلقي المساعدات الاجتماعية نفسه مستقبلا لشطب 60% من المساعدات في حالة رفضه دخول هذه الدورات أو قطعها دون مبرر. وتشير الإحصائيات الرسمية لدائرة شؤون الأجانب إلى أن 600 ألف أجنبي أدى هذه الدورات ونال من خلالها 600 حصة في اللغة الألمانية، و45 حصة في التاريخ والجغرافية والقوانين الاتحادية والثقافة.

وفي رده على سؤال حول النساء اللاتي يرفضن الدخول في هذه الدورات، قال دي ميزير إن من الخطأ معاقبة المرأة في هذه الحالة، بسبب الحواجز العائلية التي ترغمها، ولذلك فلا بد من تقديم «العون الاجتماعي» لها في هذه الحالة. كما رفض الوزير تطبيق مبدأ رياض الأطفال الإلزامية واعتبرها تدخلا في شؤون تربية الطفل من قبل والديه.

في الوقت الذي كان الوزير يتحدث فيه عن الاندماج، أعلن معهد الدراسات الاقتصادية الألماني أن ألمانيا بحاجة إلى 500 ألف إنسان إضافي في السنة كي تواصل تطورها الاقتصادي. إلا أن الوزير رفض التعليق على الأمر إلا بالقول إن قانون اللجوء يفي بالغرض.

الجدل الذي أثير في ألمانيا مؤخرا، وشاركت فيه المستشارة ميركل بقوة أيضا، جاء بعد قراءات للاقتصادي والكاتب ثيو زاراسين في كتابه المعنون «ألمانيا تدمر نفسها». علما أن زاراسين حاليا هو عضو المجلس الإداري للبنك المركزي الألماني، وزير الاقتصاد السابق في ولاية برلين، عضو في الحزب الديمقراطي الاشتراكي. ووجه زاراسين في كتاباته اتهامات عنصرية ضد المسلمين واليهود، وقال في إحدى الندوات، إن ألمانيا تصبح أغبى كلما زاد عدد الأجانب فيها. وإذ انقسم السياسيون بين «متفهم» و«رافض»، أجرى معهد «أمنيد» لاستطلاعات الرأي استطلاعا جاء فيه أن نصف الألمان يؤيدون زاراسين في طروحاته. وقد اعترف الوزير دي ميزير بأن برنامج الحكومة الاندماجي يأتي كرد فعل على«الضجة» التي أثارها زاراسين ضد الأجانب.

من ناحيتها انتقدت المنظمات الإنسانية والخيرية مقترحات الحكومة وقالت إن برنامج حكومة ميركل لم يخصص ميزانية لتنفيذ بنوده الطموحة. وفي حين دعا يورغو شاتزيماركيز، من الحزب الليبرالي، إلى دمج وزارة التنمية بوزارة الاقتصاد، واستحداث وزارة للـ«اندماج»، قال ديتر فيفيلبوتس، من قيادة الحزب الديمقراطي الاشتراكي، إن ألمانيا بحاجة إلى سياسة اندماج ذكية تقودها وزارة للاندماج.

ميرفت أوزتورك، من حزب الخضر، جددت الحاجة لوزارة تتخصص بالاندماج وطرحت ضرورة وضع نسبة محددة (كوتة) لعدد الأجانب في سلك التعليم وفي دوائر الدولة. ووصفت أوزتورك دعوات «حرق القرآن» و«تدمير ألمانيا» بأنها عنصرية جديدة تتلبس العداء للإسلام.