المشنوق لـ «الشرق الأوسط»: مواقف رئيس الحكومة لا تغير من طبيعة عمل المحكمة ولا القرار الظني

حزب الله ينتظر الترجمة العملية لاعتراف الحريري بـ«شهود الزور» وبخطأ اتهام سورية

TT

شكلت المواقف الأخيرة حول مسألتي «شهود الزور» والاعتراف بخطأ الاتهام السياسي لسورية، التي أعلنها رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، في مقابلة مع «الشرق الأوسط» مؤخرا، مفاجأة لحلفائه وقياديي تيار المستقبل الذي يرأسه ولخصومه على حد سواء، بعد سجال سياسي بلغ ذروته في الفترة الأخيرة حول مسألتي القرار الاتهامي و«شهود الزور»، وعلى وقع التشنج الذي خلفته اشتباكات برج أبو حيدر.

وفي وقت بدت فيه قوى «14 آذار» متريثة في التعليق على مراجعة الحريري النقدية، رأت أوساط حزب الله وحلفائه فيها إيجابية، إلا أنها لم تتردد في إعلان ترقبها لترجمة كلام الحريري إلى أفعال في الأيام المقبلة، مطالبة بوقف التوظيف السياسي للقرار الاتهامي المرتقب صدوره عن المحكمة الدولية، ومتابعة ملف «شهود الزور» حتى خواتيمه ومحاسبتهم. وكان الحريري، الذي اعترف للمرة الأولى بـ«شهود زور ضللوا التحقيق وألحقوا الأذى بسورية ولبنان وسيسوا الاغتيال» في حديث لـ«الشرق الأوسط» مؤخرا، قد اعتبر أن اتهام سورية «كان سياسيا وانتهينا منه».

وتجمع الأوساط السياسية في بيروت على أن مقاربة مواقف الحريري الأخيرة لـ«الشرق الأوسط»، لا يمكن أن تتم بمعزل عن الإشارة إلى دور المظلة السعودية - السورية في ترسيخ الاستقرار الداخلي في لبنان. وفي هذا السياق، أوضح النائب في كتلة المستقبل، نهاد المشنوق، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حديث الحريري المتعلق بالعلاقة مع سورية كان ضروريا لإغلاق ملف يعاني منه البلد منذ خمس سنوات»، مذكرا بأن «إعادة العلاقات إلى طبيعتها مع سورية شكلت المهمة الرئيسية التي كلف الحريري على قاعدتها برئاسة الحكومة، وهي جزء من ضرورات الاستقرار اللبناني». وقال: «إننا تأخرنا كثيرا في تفسير تعبير الاتهام السياسي، لأن العلاقات بين لبنان وسورية من الناحية العملية أعمق من ذلك، وتاريخيا لا تستقر سورية إذا كانت علاقاتها مع لبنان صعبة، ولا يستقر لبنان إذا كانت علاقاته مع سورية متوترة».

وأوضح المشنوق، الذي كان أول من استخدم تعبير «الاتهام السياسي» لسورية في مايو (أيار) 2005، لأنه شكل «الخيار الوحيد للرد على الاتهامات الجنائية لسورية من جهة، واعترافا بمدى الاشتباك السياسي السوري الحاصل بين الرئيس الراحل رفيق الحريري والقيادة السورية من جهة ثانية»، أن «هذا التعبير كان له زمانه وانتهى في وقته».

ورأى أن «كل هذه المرحلة تستند بطبيعتها إلى المبادرة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ قمة الكويت إلى اليوم، وسياسته القائمة على الشجاعة العميقة، بمعنى القيام بكل الخطوات الضرورية لتحقيق الاستقرار، سواء في المملكة أو على صعيد العلاقات العربية - العربية بهدوء وثبات ودون ضجيج»، منتظرا من «خادم الحرمين الشريفين ما عهدناه منه دائما من حرص على استقرار حياة وكرامة اللبنانيين عموما والمسلمين خصوصا، وهو الذي أثبت دائما قدرته على حفر جبل الفوضى بإبرة الاستقرار».

وإذا كان في الإمكان إدراج موقف الحريري، لناحية التأخير في تفسير الاتهام السياسي لسورية، في إطار «ضروريات» تعزيز العلاقة التي يعاد بناؤها مع دمشق، فإن اعترافه بوجود «شهود زور» أثار استغراب الكثير من القوى السياسية في لبنان. وأبدى المشنوق في هذا الإطار استغرابه لهذا التوصيف، وقال: «لا أوافق الرئيس الحريري في موقفه باعتبار أن لا صفة قضائية لرئيس الحكومة، وبالتالي كلامه ليس ملزما». ورأى أن «الحديث عن الموضوع بطبيعته حديث مرتبك، وكنت أتوقع ألا يدخل الرئيس الحريري نفسه فيه لا من قريب ولا من بعيد، أيا كانت الاعتبارات السياسية التي فرضت عليه تناول هذا الموضوع». واكتفى المشنوق العائد من السفر، بهذا القدر من التعليق، حتى مناقشة الموضوع مع الرئيس الحريري بعد عودته من زيارته إلى السعودية.

وأكد أن «الولاية عن اغتيال رفيق الحريري وكل الاغتيالات السياسية هي ولاية وطنية وليست ولاية عائلية، وبالتالي لا أحد يستطيع أن يختصر الموضوع في شخصه أو عائلته أو حتى مدينته»، مشددا على أن «مسألة الاغتيالات السياسية مسألة وطنية تعني كل اللبنانيين، وتعني أن الاغتيال السياسي في لبنان لا يمر من دون عقوبة، وبالتالي فإن هذه المحكمة لتحقيق العدالة لكل اللبنانيين، والإجابة عن أسئلة كل اللبنانيين حول حقهم في الحياة الآمنة، بصرف النظر عن قرابتهم أو انتمائهم أو طائفتهم أو ديانتهم».

وشدد على أن «مواقف الحريري لا تغير أبدا من طبيعة عمل المحكمة ولا القرار الظني، لأن مسار التحقيق مستمر وعلينا انتظار القرار الاتهامي، ليبنى على الشيء مقتضاه». وأشار إلى أن «استعمال تعبير (تسييس الاغتيال)، لم يكن موفقا، لأن الاغتيال سياسي بطبيعته، ورفيق الحريري اغتيل لكونه شخصية سياسية عربية كبرى، أما نتائج الاغتيال فيجب أن تكون قضائية، وأنا أوافق الرئيس الحريري في أن نتائجه يجب أن تكون قضائية إذا كان هذا هو المقصود من كلامه».

ووضع كل ما يحكى عن تنازلات على الحريري تقديمها في الفترة المقبلة لضمان الاستقرار في الداخل، في إطار «غبار سياسي لا طعم ولا أثر له». واعتبر أن «كل ما يقال عن هذا الموضوع افتراضات لا تستند إلى أي وقائع ولا قيمة لها»، مشيرا إلى التدرج في موقف حزب الله من مسألة المحكمة الدولية «بدءا من التهديد بسبعين أيار جديد وليس 7 أيار وصولا إلى الحديث عن وقائع ووثائق تسجيلية لاتهام إسرائيل في الموضوع».

ولاحظ أن «ثمة تدرجا في التعاطي يوحي بإمكانية التفاهم لاحقا على صياغة تحتضن الاستقرار في لبنان، وتؤكد على المشروعية الدولية التي تعبر المحكمة عنها»، معربا عن اعتقاده بأن «الوقت لم يحن بعد، والأمور موضوعة على نار حوارات لا نعرف أين تحدث».