الجهود الأميركية لمساعدة أفغانستان على محاربة الفساد.. تنعكس سلبا على العلاقات الثنائية

مسؤولون أقنعوا كيري بمنع نشر تقرير عن الفساد تجنبا لإحراج حكومة كرزاي

TT

على مدار عدة أشهر، تمكنت فرق تحقيق تدعمها الولايات المتحدة من تجميع أدلة تنذر بخطر كبير، حيث تظهر فسادا مستشريا داخل أفغانستان ومدى انتشار ذلك في المراكز العليا داخل الحكومة. ولكن سعي الولايات المتحدة من أجل تعزيز قدرة أفغانستان على محاربة الفساد كانت له أيضا نتائج غير مقصودة، فقد أثر على العلاقة بين الولايات المتحدة والرئيس الأفغاني حميد كرزاي، وأدى إلى الكشف عن أشياء مخجلة قوضت محاولات بناء الثقة في الحكومة داخل كابل، ويعد هذا عنصرا أسياسيا في استراتيجية مكافحة التمرد التي تتبناها إدارة الرئيس باراك أوباما.

وبعد ضخ المزيد من الموارد في محاولة لمحاربة الفساد على مدار الـ 18 شهرا الماضية - تضمنت فرق مستشارين وتقنية تنصت متقدمة - قال مسؤولون في الإدارة إن هناك مخاوف متنامية من أن السعي إلى القضاء على الكسب غير المشروع عزز من الاعتقاد بأن المشكلة متوطنة.

وقال مسؤول بارز في الإدارة: «كان لسعينا الكبير من أجل إيجاد الشفافية ومحاربة الفساد داخل مؤسسات أفغانية نتيجة كئيبة، حيث جلب الكثير من الأشياء إلى دائرة الضوء وقد أدى ذلك إلى إثارة أزمات سياسية». وأضاف المسؤول: «تصبح المؤسسات الأفغانية ذات قدرة أكبر» على محاربة الفساد، ولكن من المحتمل أن يعيدنا عملهم هذا إلى الوراء.

وتعكس هذه الورطة في صور كثيرة إلى أي مدى تعمل الولايات المتحدة من أجل تحقيق أهداف متنوعة داخل أفغانستان، حيث تدفع كميات كبيرة من الأموال لكسب أمراء حرب وتوفير الأمن لمواكب عسكرية، وبعد ذلك تتخذ إجراءات صارمة ضد مفاسد في نظام تغمره الأموال الأميركية. ويقول خبراء إنه بعد مرور قرابة تسعة أعوام على عملية بناء دولة داخل أفغانستان، تواجه الحكومة الأميركية أدلة متزايدة على أنها ساعدت على تجميع واحدة من أكثر الحكومات فسادا في العالم.

وتقول كريستين فير، وهي أستاذة مساعدة في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون تراقب الدور الأميركي داخل أفغانستان: «لا أدرى كيف يمكن فصل الطريقة التي تقوم (الحكومة الأميركية) من خلالها بضخ أموال داخل أفغانستان عن أزمة الفساد التي تطل هذه الأيام. حكومتنا في موقف متناقض مع نفسها».

ومما يظهر حساسية إدارة أوباما بشأن هذا الموضوع، أقنع مسؤولون رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب جون كيري (الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس) بمنع نشر تقرير عن الفساد داخل أفغانستان تم الانتهاء منه الشهر الماضي. وقال مسؤول في الإدارة إن مبعث الخوف يرتبط بحساسية معلومات جاءت في التقرير، ولكن قال آخرون إن نشر التقرير كان سيضع الحكومة الأميركية وكرزاي في موقف محرج.

ولم تجرِ هيئة تقديرا يتناول الأثر الذي خلفه الفساد على الاقتصاد الأفغاني، المستمر بدرجة كبيرة بفضل مليارات الدولارات التي تأتي في صورة مساعدات أميركية، بالإضافة إلى الأرباح من تهريب المخدرات. ويقر مسؤولون أميركيون أنهم لا يزالون يعانون من أجل منع تسريبات كبيرة. وعلى سبيل المثال، تغادر نحو مليار دولار سنويا البلاد إلى مطار كابل. وتشك السلطات في أن مقدارا كبيرا من الأموال عبارة عن مساعدات أجنبية تنحرف عن مسارها.

وبنفس الصورة، أظهرت السلطات الأميركية قدرة محدودة على احتواء أزمات أخرى، مثل الانهيار المحتمل لبنك كابل. لقد تم إنشاء البنك بدعم أميركي كوسيلة لتحريك المزيد من الأموال داخل أفغانستان عبر قنوات مالية حديثة. وقام مودعون بسحب عشرات الملايين من الدولارات خلال الأيام الأخيرة وسط أدلة على أن المساهمين - ومن بينهم شقيق لكرزاي يُدعى محمود - استخدموا الأموال من أجل تحقيق الثراء وشراء فيلات داخل إمارة دبي.

وقد كانت قضية الفساد قضية ثانوية داخل أفغانستان، حتى أدى مزيج من العوامل إلى الدفع بها إلى المقدمة خلال العام الحالي. وتتضمن هذه العوامل خيبة أمل واشنطن بصورة متنامية من كرزاي، وتحذير قيادة الجيش الأميركي العام الماضي من أن الكسب غير المشروع يمثل تهديدا، إذ إنه يدفع بالمواطنين الأفغان تجاه حركة طالبان وينفرّهم في الحكومة.

وعلى الرغم من ذلك، يرجع الكثير من المسؤولين قضية الفساد إلى ديسمبر (كانون الأول) وما يحدث داخل منشأة لا تزال سرية في كابل. وفي الداخل، يشرف مسؤولون أميركيون على العشرات من المترجمين الأفغان يكتبون محادثات عبر الهواتف الجوالة تعترضها شبكة تنصت أميركية. وقد دشنت هذا النظام في بادئ الأمر إدارة مكافحة المخدرات في إطار جهد هدف إلى تعقب تدفق الأموال إلى متمردين.

ويقول مايكل بران، وهو رئيس عمليات سابق كان يعمل لدى إدارة مكافحة المخدرات: «لم يكن النظام مصمما بالأساس من أجل التركيز على الفساد. ومع ما قيل، لم يكن ثمة شك لدى أي شخص في أنه عند تتبع الأموال ستأخذك إلى المخدرات والسلاح والمسؤولين الفاسدين».

وداخل المنشأة، بدأ المترجمون الأفغان يرصدون مسؤولين أفغانا يطلبون رشاوى أو يستخدمون مناصبهم العامة من أجل تحقيق مكاسب شخصية. وقد وصف مسؤولون أميركيون كمية الأدلة بأنها «كبيرة جدا» وتصل إلى عشرات قضايا الفساد التي دخلت إلى مسار الادعاء خلال هذا العام وحده.

وفي الوقت نفسه تضاعفت فرق التحقيق المدعومة من الولايات المتحدة. ودشن مكتب التحقيقات الفيدرالي ونظيره البريطاني فريق عمل جديدا متخصصا في الجرائم الكبرى هذا العام. ويقول مسؤول في السفارة الأميركية داخل كابل إن أكثر من 250 قاضيا ومدعيا ومحققا أفغانيا تلقوا تدريبات أميركية، ومن بينها تدريبات داخل منشأة تابعة لإدارة مكافحة المخدرات في كوانتيكو.

وقد أثارت كفاءتهم والدور الموسع لهم صراع سلطة داخل العاصمة الأفغانية، لا سيما بعد أن تضمنت تحقيقاتهم مسؤولين لهم علاقات قوية مع كرزاي.

واتهم وزير الشؤون الإسلامية محمود صديق شاكاري باغتصاب ملايين الدولارات من شركات تسعى إلى تولي المسؤولية عن نقل الحجاج إلى السعودية. وقد هرب الوزير من أفغانستان هذا العام، وساعده على ذلك تدخل الدائرة المحيطة بكرزاي. وربما بسبب هذا النموذج، اتخذت السلطات الأميركية والأفغانية منحى مختلفا تماما عند القبض على محمد ضياء صالحي، وهو مستشار أمني لكرزاي، الشهر الماضي. وبالاعتماد على أدلة من عمليات تنصت أفادت بأن صالحي حصل على رشوة مقابل السعي إلى إنهاء أحد التحقيقات، وقامت السلطات الأفغانية بإلقاء القبض عليه في عملية بدت مثل عملية كوماندوز داخل منزله قبل الفجر بوقت قليل.

وقام كرزاي الغاضب بإطلاق سراح صالحي، وهدد بتقليص دور وحدات مكافحة الفساد، التي اتهمها بانتهاك الدستور الأفغاني واستخدام تكتيكات على النمط السوفياتي. وقال مسؤولون أميركيون إن الوحدات تواجه بصورة متكررة تدخلا من القصر، ومن بين ذلك حالات قام خلالها النائب العام الأفغاني برفع أسماء أفغان ذوي علاقات سياسية من قضايا وطلب إنهاء تحقيقات أخرى.

وبعيدا عن الخلاف مع كرزاي، فقد دفعت قضية صالحي إلى التدقيق في أنشطة هيئات أميركية، لا سيما وكالة الاستخبارات المركزية التي بدأت تسليم حقائب أموال إلى أمراء حرب خلال أسابيع من هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.

ويقول مسؤولون استخباراتيون أميركيون حاليون وسابقون إن صالحي واحد من مسؤولين أفغان كثيرين يحصلون على أموال بصورة منتظمة من وكالة الاستخبارات المركزية. ودافع مسؤول أميركي عن ذلك، ووصف فرق مكافحة الفساد بأنها غيورة وضيقة الأفق. وقال إن الدفع إلى أمراء حرب ومسؤولين في موقع يتيح لهم تقديم معلومات أو ممارسة نفوذ يعد عنصرا مهما للأهداف الأميركية.

وعلى النقيض، قال مسؤولون أميركيون مشاركون في عملية مكافحة الفساد إن مدفوعات الوكالة لم تفعل شيئا سوى أنها شجعت أفغانا على النظر إلى الكسب غير المشروع وكأنه ميزة. وقال مسؤول أميركي إن الأموال التي تقدمها وكالة الاستخبارات المركزية إلى أفغانيين تتجاوز عادة في شهر واحد الأموال التي يجمعونها من رواتبهم المدعومة من الولايات المتحدة على مدار عام كامل. ويقول المسؤول المشارك في مكافحة الفساد: «هناك العشرات من القضايا الشبيهة بقضية صالحي».

* خدمة «واشنطن بوست»