أميركا تحيي ذكرى هجمات سبتمبر وسط أجواء توتر وتشنج

شكوك في «مواعظ» أوباما عن التسامح الديني.. واتهامه بالمبالغة في مطاردة «القاعدة»

TT

لأول مرة يسود نقاش عن الإسلام في الذكرى السنوية لهجوم 11 سبتمبر (أيلول)، بينما خرجت أمس مظاهرات متعارضة في نيويورك وواشنطن وغيرهما، بمناسبة مرور تسع سنوات على الهجمات. بالإضافة إلى مراسيم رسمية سنوية لتخليد الذكرى.

في الصباح، ذهب الرئيس باراك أوباما إلى البنتاغون، إلى الجزء الذي كان قد دمره الهجوم عندما فجر فيه الإرهابيون طائرة مسافرين عملاقة كانت واحدة من أربع طائرات مسافرين خطفها الإرهابيون في ذلك اليوم.

وذهب جو بايدن، نائب الرئيس، إلى نيويورك وألقى خطابا في الاحتفال الرسمي.

وذهبت زوجة أوباما، ميشيل، إلى ولاية بنسلفانيا، مع لورا بوش، زوجة الرئيس السابق بوش الابن، لتخليد ذكرى سقوط واحدة من الطائرات الأربع هناك. وكانت الطائرة قد سقطت بعد أن دخل مسافرون غرفة القيادة وحاولوا السيطرة على الطائرة، وأثناء العراك، سقطت الطائرة وتحطمت. وقالت أخبار إن الإرهابيين كانوا يخططون لضرب الكونغرس، أو البيت الأبيض أو مبنى وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه).

وفي كل من الأماكن الثلاثة، بدأت المراسم في الأوقات نفسها التي ضربت فيه الطائرات المكان. ففي نيويورك، بدأت في الثامنة وست وأربعين دقيقة صباحا، وقت ضرب الطائرة الأولى للبرج الشمالي، ودقت أجراس كنائس، وتليت صلوات من أماكن عبادة أخرى. ثم دقت بعد نصف الساعة، في الوقت نفسه الذي ضربت فيه الطائرة الثانية البرج الجنوبي. ثم في وقتي سقوط البرجين.

وفي البنتاغون، بدأت المراسيم في الساعة التاسعة وخمس عشرة دقيقة، اللحظة التي وقع فيها الهجوم. وبعد لحظات صمت، وضع الرئيس أوباما إكليلا من الزهور على مكان الهجوم.

وكان أوباما قد قال أول من أمس، في مؤتمر صحافي طويل كان جزء كبير منه عن الإسلام والمسلمين: «لسنا في حرب ضد الإسلام». وأضاف: «يزيد الخوف والشكوك والتقسيمات عندما تواجه البلاد وضعا قلقا، وتواجه مشكلات كثيرة. يجب أن نتأكد أننا لن نواجه بعضنا البعض».

وصباح أمس، تجمع آلاف من المتظاهرين من الجانبين بالقرب من «غراوند زيرو» (مكان مركز التجارة العالمي) وسط إجراءات أمن مشددة، وحواجز ومتاريس وضعتها الشرطة منذ الصباح الباكر. وأعلنت الشرطة إغلاق شوارع معينة للسيارات والمارة، ومنع سيارات من شوارع معينة.

في الوقت نفسه، شوهدت سيارات إسعاف ومطافئ في أماكن معينة بالقرب من المكان، استعدادا إذا بدأت اضطرابات أو سقط جرحى أو قتلى.

وبالإضافة إلى مظاهرات مؤيدة للمسجد ومظاهرات معارضة، انقسم المعارضون إلى مظاهرات صاخبة وأخرى هادئة.

ونشر موقع في الإنترنت (موقع «الدين لله والوطن للجميع»)، أن متظاهرين سيطوفون شوارع قريبة من المكان وهم صامتون، ويحملون لافتات فيها حمامات سلام ورمز السلام. وقال الموقع: «نريد أن نحزن، ونريد أن يشاركنا غيرنا الحزن، مهما كانت أديانهم ومعتقداتهم. لسنا سياسيين، وليست لنا أهداف سياسية».

غير أن موقع «باميلا غيلار»، من قائدات الحملة ضد بناء المسجد، نشر صباح أمس بيانا دعا فيه الناس للتظاهر ضد بناء المسجد. وقال: «نتظاهر تأييدا للذين فقدوا أقرباءهم وأحباءهم في ذلك اليوم. ليست هذه مظاهرة سياسية. هذه مظاهرة حقوق الإنسان. حقوق الذين تأثروا بالهجوم الإرهابي».

وقال الشيء نفسه تقريبا جون بولتون، سفير أميركا السابق في الأمم المتحدة في إدارة الرئيس السابق بوش الابن، والآن هو من قادة «تي بارتي» (حزب الشاي) وهو جناح متطرف في الحزب الجمهوري، في فيديو تلفزيوني أعده مسبقا ليشاهده المتظاهرون.

وظهرت رسائل فيديو أعدت مسبقا في مواقع لقادة آخرين في الحركة المعارضة لبناء المسجد. منهم: الأميركي أندرو برايبارت، والهولندي غيرت ويلدارز، عضو البرلمان الهولندي اليميني المتطرف الذي يقود حملة ضد الإسلام والمسلمين هناك، منها منع تدريس القرآن، وفرض غرامات على المسلمات اللائي يضعن الحجاب.

وأمس، نقلت وكالة «أسوشييتد برس» أن الهولندي، بالإضافة إلى الفيديو الذي أعلنه مسبقا، سيلقى خطابا في المتظاهرين. وأن سياسيين، خاصة مرشحين لانتخابات الكونغرس ومجالس محلية، أيضا سيتحدثون في المتظاهرين المعارضين للمسجد.

وفي الجانب الآخر، وضعت لافتة، أمس، على مدخل مسجد توضح أنه سيكون مغلقا. وكان المسجد، وهو مؤقت حتى يعاد بناء المركز كله، قد أغلق يوم الجمعة، وعلى غير العادة، لم تقم فيه صلاة عيد الفطر المبارك. وأمس، وقف رجال شرطة أمام المسجد، ومنعوا الاقتراب منه. ويتوقع أن يظل المسجد مغلقا لأسبوع. وكانت مظاهرات صامتة مؤيدة للمسجد بدأت ليلة أول من أمس عندما تجمع أكثر من ألفي شخص وهم يحملون شموعا، وأعلاما أميركية. وقال واحد منهم: «لسنا هنا بالضرورة لنؤيد المسجد أو نعارضه. نحن هنا لنفصل بين المسجد والمناسبة. حقيقة، لنفصل بين الدين والسياسة». وقال آخر: «لماذا لا نتذكر مناسبة الهجوم ونقدرها ونحن نقف أمام المسجد؟ لماذا لا يكون المسجد مكان ذكرى الهجوم؟ لماذا هذا العداء للإسلام؟».

وفي واشنطن، أيضا، خرجت مظاهرات صامتة ليلة الجمعة. وتجمع المتظاهرون في ميدان «لافاييت» أمام البيت الأبيض. وخرجت أمس مظاهرة معادية أيضا أمام البيت الأبيض.

في اليوم نفسه، توقع أن يصل إلى نيويورك، القس تيري جونز، صاحب كنيسة «دوف» (حمامة) في غينسفيل (ولاية فلوريدا) الذي كان قد أعلن أنه سيحرق نسخا من المصحف الشريف يوم ذكرى الهجوم. لكنه، أول من أمس، غير رأيه لأن الإمام محمد المصري، إمام مسجد أورلاندو (ولاية فلوريدا)، قابله ووعده بأن مسجد نيويورك لن يبنى في المكان الحالي، وسينقل إلى مكان آخر.

لكن، أصدر كل من فيصل عبد الرؤوف، إمام مسجد نيويورك، وهشام الزناتي، رئيس مجلس المستثمرين في المسجد، بيانا مشتركا نفيا فيه أي اتصالات مع القس جونز أو مع الإمام المصري. وقالا إنهما لن يكونا ضحايا «ألاعيب باسم الأديان».

وأمس، أكد ابن القس جونز أن والده لن يحرق أي مصحف، وأنه سيسافر إلى نيويورك ليقابل المسؤولين عن المسجد و«يتفق معهم» على عدم بناء المسجد في مكانه الحالي.

وأمس، كرر عبد الرؤوف أنه لم يكن جزءا في النقاش بين الإمام محمد المصري والقس جونز. وأن القس لم يتصل به ولم يحدد ميعادا لمقابلته. لكنه قال: «أنا على استعداد لمقابلة كل من يريد، في جدية، أن أعمل من أجل السلام».

وقالت صحيفة «واشنطن بوست»: «هذه أول مرة يدور فيها نقاش مكثف عن الإسلام والمسلمين مع ذكرى هجمات سبتمبر. إنه نقاش سياسي أكثر منه ديني. إنه يهدد بتحويل يوم حزين إلى يوم مغالطات ومظاهرات متعارضة».

وأضافت: «صار النقاش الذي بدأ محليا في نيويورك عن بناء مسجد، والنقاش الذي بدأ في كنيسة صغيرة في ولاية فلوريدا، على مستوى الوطن، واشترك فيه رئيس الجمهورية ووزير الدفاع. هذا شيء لم يحدث من قبل».

وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»: «في الماضي، كانت نيويورك تشهد في مثل هذا اليوم تجمعات سلمية، تحزن وتتأمل. وتسمع أجراس الكنائس والدعوات في أماكن عبادة مختلفة. وتقف عائلات الذين قتلوا في الهجوم في سكون وهي تستمع إلى متطوعين يقرأون أسماء الضحايا. أو تقرأ الأسماء على لوحات وضعت لتخليد ذكراهم. لكن، هذا اليوم لن يكون كذلك».

من الذين تحدثوا لوكالة «أسوشييتد برس» عن مشاعرهم وسط المظاهرات والتوتر نانسي ني، التي فقدت شقيقها، رجل المطافئ في ذلك اليوم عندما أسرع مع زملائه لداخل مركز البرج الشمالي من مركز التجارة العالمي، ثم انهار المبنى بعد أن دخلوا فيه، قالت إنها تعارض بناء مسجد بالقرب من المكان، لكنها لن تفعل ذلك علنا ولن تشترك في أي من المظاهرات المعارضة. وأضافت: «أريد فقط أن أكون في هذا المكان، هذا المكان الذي قتل فيه شقيقي وزملاؤه وغيرهم. أريد أن أقف وأتأمل. على الرغم من مرور تسع سنوات، لا تزال ذكرى شقيقي قوية. لكنها، لسبب ما، لا تجعلني أهتف وأصرخ وأناقش بصوت عال. لا أريد أن يتغلب الغضب على قلبي وعقلي». لكن، يبدو أن الغضب تغلب على الحزن في حالة جيمي رتشيز الذي فقد ابنه، رجل المطافئ في ذلك اليوم. قال: «لا يقدر ابني على أن يتحدث. قتله الإرهابيون. أريد أن أعبر عن غضبي ضد بناء مسجد بالقرب من هذا المكان. أريد أن أتظاهر. إذا يريد غيري أن يحزنوا ثم يعودوا إلى منازلهم، هم أحرار في أن يفعلوا ذلك. أنا أريد أن أتظاهر». وبعد تسعة أعوام على الهجوم، تجرى عملية إعادة بناء الموقع الذي لم يعد حفرة عميقة في قلب مانهاتان. يتم تشييد أربع ناطحات سحاب في الموقع. وأيضا، محطة كبيرة للقطارات والسيارات. ويتوقع أن يتم العام المقبل تدشين البرج رقم 1 الذي سمي «برج الحرية» (فريدوم تاور) وبني 36 من طوابقه الـ106.

وفي تقييم لما يحدث، قالت المصادر «تحيي الولايات المتحدة الذكرى السنوية التاسعة في جو من التشنج». وأضافت: «منذ الهجمات، فلا تزال حالة الصدمة في الولايات المتحدة حية».

وقالت صحيفة «واشنطن بوست»: «بينما يريد الرئيس أوباما أن يقود البلاد إلى ما وراء صدمة هجوم 11 سبتمبر، فإنه يواجه حملة متزايدة ضد الإسلام والمسلمين. وبينما يريد نشر رسالة التسامح الديني، فإنه يواجه تشددا دينيا... صار هذا تناقضا، وتحديا ثقافيا وسياسيا».

وأشارت الصحيفة إلى بعض هذه «التناقضات والتحديات»:

أولا: يريد أوباما التركيز على تنظيم القاعدة، لأنه يريد «تبرير الحرب التي صعدها في أفغانستان، التي تؤيدها أقلية وسط الأميركيين».

ثانيا: صار أوباما «أول رئيس لم يتطوع أو يعمل في القوات الأميركية المسلحة، وقضي صباه في بلد مسلم (إندونيسيا)».

ثالثا: يدعو أوباما إلى التسامح الديني، على الرغم من خلفيته التي اعترف بها، وتثير الشكوك وسط كثير من الجمهور المعادي للإسلام، الذي يتزايد عدده».

ومن بين الخبراء، أشار جون أولترمان، مدير قسم الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (سي إس أي إس) في واشنطن، إلى تناقضات أخرى:

أولا: «بالنسبة لأغلبية الأميركيين، فإنهم لم يعرفوا الإسلام إلا بعد هجمات سبتمبر 2001، وبالنسبة لأوباما فقد عرف الإسلام عندما كان صبيا في إندونيسيا. إنه هنا يختلف عن أغلبية الأميركيين. ولهذا، توجد تناقضات».

ثانيا: «يفهم الرئيس فهما فكريا هذه الأشياء. لكنه يواجه واقعا سياسيا يغمر الشعب الذي يرأسه».

ثالثا: «نجح أوباما كسياسي، ويرتاح في عالم السياسة»، لكن السياسة هي أيضا الأمر الواقع.

وفي نبرة تشاؤمية، قال خبراء أميركيون أمس «تزيد مشكلات أوباما في هذا اليوم المعين لأن الاستفتاءات أوضحت أن الرأي العام الأميركي يتحول ضد الإسلام. ويستغل قادة في الحزب الجمهوري ذلك، خاصة مع اقتراب الانتخابات، وخاصة في معارضة مسجد نيويورك».

وقال مسؤول أميركي، طلب عدم الإشارة إلى اسمه أو وظيفته: «أحس بالإحباط وأنا أرى سياسيين كبارا يستغلون موضوع المسجد. يعني هذا تحديا أكبر من خطة أسقف في ولاية فلوريدا يريد أن يحرق القرآن».