الولايات المتحدة غير مستعدة لمواجهة التهديد الإرهابي الداخلي

الرحلات الجوية لا تزال هدفا رئيسيا للإرهابيين > «القاعدة» تشكل تهديدا جديا على الأمن الأميركي

TT

بات الأميركيون المنخرطون في أنشطة إرهابية يشكلون تهديدا خطيرا في الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وفق تقرير نشره مركز يعمل على تقريب سياسات الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ويقول التقرير الصادر عن المركز التابع لمجموعة التأهب لحماية الأمن الوطني (ناشونال سكيوريتي برباردنس غروب) إن أجهزة الأمن الداخلي الأميركية غير مستعدة للتعاطي مع التهديدات الطارئة. ويفيد التقرير بأنه تم العام الماضي توجيه التهمة أو إدانة على الأقل 43 مواطنا أميركيا أو مقيما بالولايات المتحدة على صلة بمجموعة إسلامية مقاتلة أو تتبنى فكرا إسلاميا متطرفا بارتكاب جرائم إرهابية داخل الولايات المتحدة وخارجها. ويؤكد بروس هوفمان الذي أعد التقرير مع بيتر برغن، الخبير في شؤون تنظيم القاعدة، «قبل بضع سنوات، لم يكن هناك أي متهم». ويقول التقرير إن الأميركيين المتورطين في الإرهاب في الولايات المتحدة لا يشبهون خاطفي الطائرات الذين جاءوا من الشرق الأوسط وهاجموا مركز التجارة العالمي في نيويورك ووزارة الدفاع في واشنطن قبل تسع سنوات. فالإرهابيون اليوم يأتون من أصول وخلفيات قومية وتعليمية واقتصادية مختلفة. فقد شارك في التخطيط أو تنفيذ الهجمات خلال العام الماضي في الولايات المتحدة «أميركيون ميسورون من سكان الضواحي ومن أبناء مهاجرين الذين عملوا بكد.. وملونون وقوقازيون، نساء ورجال». ويضيف التقرير أن المواطنين والمقيمين الأميركيين الذين انضموا إلى الإسلام المتطرف والحركات الإرهابية كانوا من «الطلبة الناجحين والأفراد الحاصلين على تعليم جيد، وكذلك ممن تركوا المدرسة أو سجناء سابقين»، كما أن من بينهم «أشخاصا ولدوا في الولايات المتحدة أو في أفغانستان ومصر وباكستان والصومال». وهم كذلك «فتية مراهقون يملأهم الحماس، ومطلقون في أواسط العمر»، كما يقول التقرير في إشارة إلى جهاد جين واسمها الحقيقي كولين لاروز، وهي امرأة مطلقة من ضاحية فلادليفيا قيل إنها أرادت الإفادة من بشرتها البيضاء وشعرها الأشقر وعينيها الزرقاوين لكي تدخل إلى السويد وتقتل رسام الكاريكاتور الذي أساء للنبي محمد. ويقول هوفمان: «نحن أمام خصوم يأتون من مختلف الطبقات الاجتماعية ومختلف مشارب الحياة». ويرى التقرير أن الرحلات الجوية لا تزال هدفا رئيسيا للإرهابيين وذلك نظرا للخوف الكبير الذي يزرعه أي هجوم من هذا النوع وإن كان فاشلا في جميع أنحاء العالم، ناهيك بتأثيره على الاقتصاد العالمي. ولكنه لا يرجح تنفيذ هجمات كبيرة تخلف آثارا كارثية كتلك التي نفذت قبل تسع سنوات.

ويرى التقرير أن الجماعات الإرهابية شهدت تحولا استراتيجيا بعيدا عن تدبير هجمات ضخمة وباتت تتجه نحو تدبير هجمات أصغر، مثل إطلاق النار الذي حصل في قاعدة فورت هود العسكرية في تكساس، عندما قتل ضابط فلسطيني أميركي في العام الماضي 13 شخصا، أو إعداد سيارات مفخخة مثل الهجوم الفاشل الذي أعده باكستاني أميركي في تايمز سكوير في نيويورك في مايو (أيار). ويقول ستيفن فلين، رئيس مركز السياسة القومية خلال حفل إصدار التقرير إن «الكشف عن الهجمات الصغيرة التي تنفذها جماعات محلية وإحباطها أكثر صعوبة». فالهجمات الصغيرة تتطلب جهدا أقل في التخطيط والتنسيق، وتعتبر الجماعات الإرهابية أنها تترك صدى أقوى لأنها تجذب انتباه وسائل الإعلام حتى عندما يتم إحباطها، مثل محاولة تفجير طائرة خلال رحلة بين أمستردام وديترويت يوم عيد الميلاد عام 2009. ولكن على الرغم من تغير صفات الإرهابيين واللغة التي يتحدثونها والطريقة التي يهاجمون بها أهدافا أميركية، إلا أنه يبقى شيء واحد ثابت وهو أنهم «لا يزالون يستهدفوننا ويريدون إلحاق الأذى بنا» كما يقول فلين. ويضيف: «وفي أحد الأيام، ستنجح إحدى هذه الهجمات الصغيرة». لقد ظلت وكالات الأمن الداخلي تعتقد ولفترة طويلة أن الإرهاب الداخلي لا يمكن أن يحدث في بلد يفتخر بأنه يشكل مصهرا للثقافات والحضارات، وقد جعل هذا الاعتقاد البلاد غير مستعدة للتعامل مع التهديد الجديد، كما يقول هوفمان. ويضيف أنه «لا توجد وكالة حكومية واحدة مسؤولة عن الكشف عن حالات التطرف ووقف التجنيد، وليس من الواضح ما هي الوكالة المسؤولة عن ذلك وسط عدد كبير من الأجهزة والوكالات التي تتولى تطبيق الأمن والاستخبارات». ويقول: «ربما اكتشف الإرهابيون نقطة ضعفنا: ليست لدينا استراتيجية للتعامل مع هذا التهديد الناشئ».

وقالت شبكة «سي إن إن» الأميركية إن اللجنة تحذر في تقريرها المؤلف من 42 صفحة من توسع الدور الذي يلعبه مواطنون وسكان أميركيون داخل منظمات تابعة لـ«القاعدة» أو حليفة لها. وقال التقرير إن أميركا تواجه تهديدا مستمرا يحمل في طياته مجموعة مختلفة من الاعتداءات، بدءا بإطلاق النار، ومرورا بتفجير السيارات والهجمات الانتحارية، وصولا إلى محاولات تفجير طائرات ركاب. وأشار التقرير إلى أن الأشخاص الذين يستعدون كي يصبحوا إرهابيين أكثر ميلا لمحاولة تنفيذ هجمات أكثر وأقل تعقيدا مقارنة بما حصل عام 2001. ولتجنب وقوع مثل هذه الاعتداءات يتطلب الأمر تدخلا أكبر من الدولة ومسؤولي السلامة العامة المحليين. ويحذر المسؤولون الأميركيون من أن مثل هذه القضايا يمكن أن تؤدي إلى نجاح «القاعدة» في تجنيد مزيد من الأشخاص. وقال التقرير إن «القاعدة» وفروعها في باكستان والصومال واليمن أقاموا الحد الأدنى من بنية أساسية أولية، للتجنيد في الولايات المتحدة. وأشار إلى إدانة ما لا يقل عن 43 شخصا من مواطني الولايات المتحدة أو المقيمين فيها لتبنيهم آيديولوجية متشددة وقضايا بارزة لأشخاص تم تجنيدهم وسافروا للخارج للتدريب. وقال التقرير: «خلال العام الماضي وحده شهدت الولايات المتحدة انجذاب أميركيين موسرين من سكان الضواحي وأبناء مهاجرين كادحين إلى الإرهاب؛ لم يعد على ما يبدو هناك ملمح واضح للإرهابي». وشكل أميركيون، على نحو متزايد، جزءا من قيادة «القاعدة» وحلفائها. وأشار التقرير إلى حالات.. رجل الدين المسلم المولود في أميركا أنور العولقي الذي يعد الآن واحدا من الشخصيات البارزة في «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». وللعولقي صلة بالمحاولة الفاشلة لتفجير طائرة ركاب فوق ديترويت يوم عيد الميلاد في 2009 بالإضافة إلى إطلاق النار العشوائي الذي وقع في قاعدة «فورت هود» العسكرية في تكساس وأدى إلى سقوط قتلى. وكذلك تطرق التقرير إلى عدنان شكري جمعة وهو مولود في السعودية ونشأ في بروكلين بفلوريدا ويعتبر زعيما كبيرا في العمليات الخارجية لـ«القاعدة». وأيضا إلى ديفيد هيدلي، وهو من سكان شيكاغو ولعب دورا في دراسة أهداف هجمات مومباي عام 2008 باسم جماعة «عسكر طيبة» التي تتخذ من باكستان مقرا لها. وقال التقرير: «لا توجد سابقة تذكر للأدوار البارزة المتعلقة بالعمليات التي يقوم الأميركيون حاليا بلعبها في (القاعدة) والجماعات التابعة لها». ويسلط قدر كبير من التقرير الضوء على مخاوف يشير إليها مسؤولو المخابرات الأميركية منذ سنوات بما في ذلك ظهور العولقي ومجندين أميركيين آخرين.

وأجازت إدارة أوباما عمليات لقتل أو اعتقال العولقي، وتحدثت بإسهاب مذكرة سرية لوكالة المخابرات المركزية الأميركية تسربت إلى وسائل الإعلام الشهر الماضي بشأن كيف أن المواطنين الأميركيين لهم قيمة كبيرة لدى الجماعات الإرهابية. ووافق مسؤولو المخابرات الأميركية أيضا على نقطة رئيسية أخرى في التقرير ترى ازدياد خطر وقوع هجمات على نطاق صغير ضد أهداف أميركية يصعب حمايتها. وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر التي أسفرت عن قتل ثلاثة آلاف شخص، قال التقرير إن مجتمع المخابرات اعتقد خطأ بأن «القاعدة» كانت تهدف إلى: «مضاهاة أو تجاوز الخسائر في الأرواح أو الدمار»، التي سببتها الهجمات. واتضح الآن أن المتشددين يرون قيمة عملية في شن هجمات متكررة بشكل أكبر وأقل تعقيدا ويصعب اكتشافها وتتطلب تنسيقا رفيعا أقل. وقال التقرير: «يتعين على المسؤولين الأميركيين والرأي العام الأوسع أن يدركوا أنه بقانون المتوسطات، فإن (القاعدة) أو جماعة مرتبطة بها ستنجح في القيام بهجوم من نوع ما خلال السنوات المقبلة. وحتى المحاولة الفاشلة التي قام بها الأميركي المولود في باكستان فيصل شاه زاده لتفجير سيارة ملغومة في ساحة «تايمز سكوير» في مايو (أيار) كانت فعالة للغاية من الناحية الدعائية في ضوء التغطية الإعلامية الضخمة التي حظيت بها. وقال التقرير: «أفضل رد، على أي هجوم، سيكون إظهار أننا كمجتمع قادرون على النهوض من جديد وأن مثل هذه الأعمال لن ترهبنا». وخلص التقرير إلى أن «القاعدة» وحلفاءها ما زالت لديهم القدرة على قتل العشرات أو حتى مئات الأميركيين في هجوم واحد، مضيفا أن زعماء «القاعدة» ما زالوا يأملون في إيقاع ضحايا كثر في اعتداءات داخل الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن التهديد أقل شدة من الأبعاد الكارثية لاعتداء شبيه باعتداءات 11 سبتمبر 2001، فإنه أكثر تعقيدا وتنوعا من أي وقت مضى في السنوات التسع الماضية. وقال التقرير إن التأثير العقائدي لـ«القاعدة» تضاعف بين المنظمات الجهادية الأخرى في جنوب آسيا وفي دول مثل الصومال واليمن. وأوضح التقرير أن تحركات «القاعدة» وحلفائها أعيقت بسبب الغارات الجوية الأميركية بطائرات من دون طيار في باكستان، والمواقف السلبية تجاه التطرف الإسلامي في كل من باكستان والعالم الإسلامي.