الأتراك يصوتون اليوم على تعديلات دستورية.. تحكم سيطرة الإسلاميين على الحياة السياسية

50 مليون مقترع.. واستطلاعات عشية الاستفتاء تشير إلى تأييد الأتراك للإصلاحات بفارق ضئيل

TT

يتوجه نحو 50 مليون ناخب تركي إلى صناديق الاقتراع اليوم للمشاركة في استفتاء حول تعديل الدستور، من شأنه أن يعزز سلطة حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ذات الميول الإسلامية، حيال المعارضة العلمانية، في حين تشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن غالبية بسيطة من الأتراك سيعطون أصواتهم لصالح الإصلاحات التي تتضمن إعادة النظر في 26 مادة في الدستور الذي كتبه الانقلابيون عام 1982. ويعد التصويت إلزاميا تحت طائلة دفع غرامة، ويصوت المقترعون بـ«نعم» للإصلاحات ككل أو «لا» لرفضها.

ويحصل الاستفتاء بعد 30 عاما بالتمام والكمال على انقلاب عسكري هو الثالث في تاريخ تركيا، بعد انقلابي 1960 و1971. وقد وعد حزب العدالة والتنمية (الحاكم) بالانتهاء من «وصاية العسكريين» على الحياة السياسية.

وسيكون هذا الاستفتاء اختبارا كبيرا لشعبية أردوغان، الذي يدعم حزبه الإصلاحات، لكن العلمانيين يتهمونه بأن لديه تطلعات إسلامية. ويتولى حزب أردوغان السلطة منذ 2002، وهي فترة طويلة استثنائية في تركيا.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن النتائج قد تكون شديدة التقارب. وعلى الرغم من اختلاف التفسيرات حول تقادم الوقائع أم لا، فإن رفع الحصانة عن العسكريين منفذي انقلاب 1980 هو إحدى أكثر النقاط التي تم التوافق عليها في المشروع.

والإصلاح المقترح الذي اعتبره الاتحاد الأوروبي «خطوة في الاتجاه الصحيح» يحد أيضا من صلاحيات القضاء العسكري ويعدل لمصلحة السلطة تشكيل هيئتين قضائيتين تعتبران حصنين للعلمانية وخصمين شرسين للحكومة: المحكمة الدستورية ومجلس القضاء الأعلى الذي يعنى بتعيين القضاة والمدعين العامين. وتؤكد المعارضة العلمانية أو القومية أن هذا الإصلاح يهدد استقلال القضاء ويعرض للخطر فصل السلطات، وترى أن التصويت لمصلحة التعديلات الدستورية اليوم سيشهد وصول مقربين من حزب العدالة والتنمية إلى هاتين الهيئتين القضائيتين الرفيعتين، مما سيتيح إحكام السيطرة على القضاء قبل الانتخابات النيابية في 2011.

وفي 2008 نجا حزب العدالة والتنمية في اللحظة الأخيرة من قرار بحله بتهمة القيام بأنشطة معادية للعلمانية. وساهمت المحاكم أيضا في عرقلة كثير من الإصلاحات كإلغاء منع الحجاب في الجامعات. وفي حال صوّت الناخبون ضد الدستور سينعش ذلك المعارضة ويمدها بمزيد من المصداقية كما يقول محللون.

وقد سجل حزب رئيس الوزراء فوزا كبيرا في الانتخابات العامة الأخيرة التي أجريت في 2007 (46.6% من الأصوات)! لكنه أظهر مؤشرات تراجع في الانتخابات البلدية العام الماضي (39%). ويؤكد حزب العدالة والتنمية أن هذا الإصلاح الذي يتجه نحو مزيد من الديمقراطية يكون مكسبا لترشيح تركيا في الاتحاد الأوروبي الذي تعارضه بلدان كبيرة في الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا. ويمنح الإصلاح من جهة أخرى الموظفين بعض الحقوق ويعد بتدابير لحماية الطفولة.

وقد قسمت الحملة حول هذا الاستفتاء الأتراك، وترافقت مع هجمات بين أردوغان وأبرز منافسيه كمال كيليجدار أوغلو رئيس حزب «سي. إتش. بي» العلماني، ودولت بهجلي رئيس تيار القوميين الذين لوحوا بشبح «الديكتاتورية العلمانية» في تركيا، حيث يتحدثون عن تعديات على حرية الصحافة وعمليات تنصت غير قانونية على الاتصالات الهاتفية. وتوجه إلى الحكومة أيضا انتقادات بسبب سياستها الخارجية مع اتهامها بتقريب تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي من إيران وجيرانها العرب، وبالاختلاف مع إسرائيل حليفها السابق. ويبلغ عدد الناخبين في تركيا 50 مليونا.

وقال مركز لاستطلاعات الرأي إن أغلبية الأتراك سيعطون أصواتهم في الاستفتاء لصالح الإصلاحات الدستورية.

وأوضح الاستفتاء الذي أجراه مركز «كوندا» لاستطلاعات الرأي أن الإصلاحات التي تتضمن تغييرات في السلطة القضائية مثيرة للجدل سيجري تمريرها بنسبة 56.8 في المائة من أصوات الناخبين. غير أن المركز قال إن 17.6 في المائة من الناخبين لم يحددوا موقفهم بعد. وأجري استطلاع مركز «كوندا» في الرابع والخامس من سبتمبر (أيلول) بهامش خطأ اثنين في المائة بالزائد أو بالناقص. وأشارت نتائج استطلاعات سابقة للرأي نشرت الأسبوع الماضي تقاربا كبيرا بين نسبة المؤيدين ونسبة المعارضين، حيث رجح أحد الاستطلاعات أن يرفض الناخبون الإصلاحات بفارق بسيط عن المؤيدين، في حين رجح آخر أن يقر الناخبون الإصلاحات المقترحة بفارق بسيط جدا. ويقول أردوغان إن الإصلاحات ستجعل الدستور التركي الذي صيغ بعد انقلاب عسكري وقع عام 1980 أكثر تماشيا مع الدستور في دول الاتحاد الأوروبي الذي تسعى تركيا للانضمام إليه. ومن بين 26 مادة من المقترح تعديلها مواد تتعلق بطريقة اختيار كبار القضاة. وتقول أحزاب المعارضة إن هذه الإصلاحات ستتيح للحكومة تأثيرا أكبر على السلطة القضائية. والخسارة في هذا الاستفتاء ستهز معنويات حزب العدالة والتنمية الحاكم قبل الانتخابات البرلمانية المقررة بحلول يوليو (تموز) 2011. ومن غير المحتمل أن تتأثر الأسواق التركية بشدة إذا أقر الناخبون الإصلاحات الدستورية، لكنها من المتوقع أن تتراجع إذا خسرت الحكومة الاستفتاء. وقال تارهان ارديم رئيس مركز «كوندا» إن حزب العدالة والتنمية لم يواجه تحديا حقيقيا، وهو يتجه إلى انتخابات العام القادم، والتصويت في الاستفتاء سيتبع الانتماءات الحزبية. وقال: «الافتقار إلى حزب قوي غير حزب العدالة والتنمية يمثل نقصا كبيرا في السياسة التركية.. وتراجع المعارضة للإصلاحات يرجع إلى التراجع في التأييد لحزب الشعب الجمهوري». وتولى كمال كيليجدار أوغلو رئاسة حزب الشعب الجمهوري في يونيو (حزيران) بعد استقالة زعيمه المخضرم دينيز بايكال. وقال ارديم إنه رغم أن التأييد لحزب الشعب الجمهوري زاد إلى 35 في المائة من 20 في المائة في السابق بعد تعيين كيليجدار أوغلو مباشرة، فإنه فشل في المحافظة على قوة الدفع.

وأدلى المواطنون الأتراك الذين يقيمون في الخارج بأصواتهم طوال الشهر الماضي عند الحدود وفي المطارات التركية. وقال مراد سونميز البالغ من العمر 36 عاما وهو في طريقه إلى مقر إقامته في فرنسا من مطار إسطنبول: «صوتُّ بـ(نعم). أعتقد أن الاستفتاء مهم لتعزيز الديمقراطية والحرية. إذا كانت تركيا تريد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فإنها تحتاج إلى ديمقراطية قوية».

وقالت سانيا كوسار، وهي ربة منزل عمرها 38 عاما، تعيش في بلجيكا، إنها قلقة بشأن قوة حزب العدالة والتنمية. وقالت: «هذه التعديلات تجرى لصالح حزب العدالة والتنمية وليس لصالح المجتمع. إنني أتطلع إلى التصويت بـ(لا). قد نرغب في العودة إلى تركيا في يوم من الأيام، وأنا لا أريد العودة إلى دولة إسلامية».

وفي بروكسل حاولت مسؤولة العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون أمس بناء دعم من الكتلة المكونة من 27 دولة من أجل تعاون سياسي أوثق مع تركيا رغم الانقسامات بشأن إن كان سيسمح لأنقرة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وقالت أشتون إنه يتعين على حكومات الاتحاد الأوروبي تعميق العلاقات مع تركيا للاستفادة من دورها المؤثر كمفاوض في الشرق الأوسط وضمان اقتراب أنقرة من الغرب.

ويقول مؤيدو الاستفتاء إن الإصلاحات الدستورية سوف تدعم الديمقراطية في تركيا والحقوق الأساسية للأفراد، وتجعل البلاد أكثر تماشيا مع معايير الاتحاد الأوروبي. وأعرب الاتحاد الأوروبي بدوره عن تأييده للإصلاحات الدستورية المقترحة. أما المعارضون فيرون أن بعض التعديلات لن تحقق الفصل بين السلطات وستمنح الجهازين التشريعي والتنفيذي للحكومة، ومن ثم الحزب الحاكم، مزيدا من السيطرة على السلطة القضائية.

وقام رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، زعيم الحزب الحاكم، بحملة رأي عام ضخمة لدعم الاستفتاء ونظم تجمعات في أنحاء البلاد وأعلن أن التصويت بـ«نعم» هو تصويت لصالح الديمقراطية. وقام حزبا المعارضة الرئيسيان، حزب الشعب الجمهوري العلماني وحزب العمل الوطني، بحملات مكثفة ضد الاستفتاء، بينما قاطعه تماما حزب السلام والديمقراطية الموالي للأكراد.

أما جماعات العمال والجمعيات المهنية والمنظمات غير الحكومية فهي منقسمة بشدة حول الموضوع، فبعضها يقر الاستفتاء والبعض الآخر يقف بقوة ضده، بينما اختار فريق آخر الوقوف على الحياد. ولن يكون بمقدور الناخبين التصويت على تعديلات فردية، ولكنهم يجب أن يدلوا بأصواتهم إما لصالح وإما ضد الحزمة ككل، وهو ما انتقده بعض المراقبين.