أردوغان: 58% من الأتراك يوافقون على التعديل الدستوري

الأكراد يقاطعون الاستفتاء.. وأردوغان يتهمهم بالتعاطف مع الانقلابيين

مسؤولون يعدون البطاقات التي كتب عليها «نعم» و«لا» خلال الاستفتاء على تغيير الدستور في اسطنبول أمس (إ.ب.أ)
TT

صرح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للصحافيين أن «نحو 58% من الناخبين» الأتراك وافقوا في استفتاء أمس على تعديل دستوري عرضته الحكومة المنبثقة من التيار الإسلامي. وشملت التقديرات التي نشرتها شبكة «إن تي في» التلفزيونية الإخبارية نحو 70% من البطاقات التي تم فرزها وأعطت تقدما كبيرا للمؤيدين مع 59% من الأصوات، مقابل 41% للمعارضين. وذكرت شبكة «سي إن إن تورك» توقعات أشارت إلى 57% من المؤيدين.

وكان قد صوت ما يقرب من 50 مليون مواطن تركي أمس في الاستفتاء الذي نظمته الحكومة التركية بشأن التعديلات الدستورية التي ترمي حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان من خلالها إلى التقرب من المعايير الأوروبية لحقوق الإنسان، تمهيدا لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وقد عدل الدستور الذي وضعته الحكومة العسكرية في 1982 حتى الآن 15 مرة لكن هذا التعديل هو الأول الذي يعرض في استفتاء شعبي.

والتصويت إلزامي تحت طائلة دفع غرامة تبلغ 22 ليرة (نحو 12 يورو). ويتعلق الاستفتاء بتعديل 26 مادة في الدستور الذي أكد أردوغان في تجمعات في جميع أنحاء البلاد أنها تقدم باتجاه «مزيد من الديمقراطية» وتزيد من فرص تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ورحب الاتحاد الأوروبي بهذه التعديلات معتبرا أنها «خطوة في الاتجاه الصحيح». ويحد الإصلاح المقترح صلاحيات القضاء العسكري وينص على تعديل بنية هيئتين قضائيتين لمصلحة السلطة.

وبحسب مصادر كردية خاصة بـ«الشرق الأوسط» في تركيا «فإن إقبال الأكراد على الإدلاء بأصواتهم كان ضعيفا جدا، استجابة لدعوة حزبي العمال الكردستاني المعارض لتركيا والسلام والديمقراطية وهو الحزب الكردي الوحيد المرخص في تركيا والذي يحظى بشعبية كبيرة في المدن الكردية، وهما الحزبان اللذان دعيا في وقت سابق إلى مقاطعة كردية شاملة للاستفتاء الدستوري باعتباره يخلو من أي إشارة إلى حقوق الشعب الكردي في الدستور التركي». وأشارت تلك المصادر إلى «أن نسبة المشاركة الكردية في الاستفتاء كانت أقل من 10% في معظم المدن الكردية الرئيسية جنوب شرقي البلاد».

وتجري حكومة أردوغان حزمة من التعديلات على الدستور الذي وضعته الحكومة العسكرية عام 1982، وهذا هو التعديل الخامس عشر للدستور، وأول تعديل يطرح على الاستفتاء الشعبي في تركيا.

وحول أسباب وتداعيات المقاطعة الكردية لتلك التعديلات أشار هيمن ميراني، وهو أستاذ في جامعة صلاح الدين بكردستان والخبير في الشؤون التركية في تصريح خاص بـ«الشرق الأوسط»، إلى أن المقاطعة الكردية جاءت نتيجة عدم احتواء التعديلات الـ26 أي إشارة للحقوق والمطالب الكردية الثقافية واللغوية والسياسية، وهذا في الظاهر طبعا وحسبما أعلن ذلك كل من حزب السلام والديمقراطية وحزب العمال الكردستاني، ولكن في الصميم فإن دعوة الحزبين الكرديين، وخصوصا حزب السلام والديمقراطية، تندرج في إطار المنافسة السياسية مع حزب أردوغان، خصوصا بعد تزايد شعبية هذا الحزب مقابل تدني شعبية حزب أردوغان في المناطق والمدن الكردية، فبعد أن كانت نسبة الدعم الشعبي لأردوغان في انتخابات عام 2007 وصلت إلى 54% أصبحت في الانتخابات الأخيرة 39%، وهذا دليل على نجاح هذا الحزب الكردي في زحزحة موقع حزب أردوغان في المناطق الكردية، وعلى العموم فإن الأحزاب والقوى الكردية تحاول من خلال إظهار قوتها في مثل هذه المناسبات أن تؤكد للحزب الحاكم وللدولة التركية أن لها ثقلا في الساحة السياسية الكردية، وأنها أصبحت تمثل الأغلبية الكردية في تركيا، ومن خلال هذه المقاطعة تريد الأحزاب الكردية أن توصل رسالة إلى رئيس الوزراء التركي أردوغان بأن الوضع الكردي لم يعد كما كان في الأعوام السابقة، وأن الشعب الكردي يريد أن يفهم الحزب الحاكم في تركيا بأنه يعيش في القرن الحادي والعشرين، مما يفترض به أن يتعامل بعقلية هذا العصر السياسي الجديد، وأن يخطو بخطوات أكثر جدية لحل الصراع الكردي التركي.

وردا على سؤال حول احتواء التعديلات الدستورية على بنود واضحة تنص على عدم ملاحقة أو قمع المظاهرات السياسية، وهذا بحد ذاته يصب في صالح الأحزاب الكردية التي تعتقل الحكومة الكثيرين من أعضائها على خلفية تلك المظاهرات، قال ميراني «المطالب الكردية بفضل نشاط الأحزاب السياسية الناشئة في الفترة الأخيرة تجاوزت حدود المطالب الإنسانية، وتحولت إلى مطالب سياسية واضحة، فالكرد يريدون من الدولة أن تعترف دستوريا بحقوقهم في التحدث بلغتهم وتطوير ثقافتهم والسماح لهم بإدارة أنفسهم، فقبل فترة قصيرة طالب رئيس حزب السلام والديمقراطية صلاح الدين دميرتاش برفع علم آخر إلى جانب العلم التركي، وتقدم بمطالب سياسية واضحة لإدارة شؤون المناطق الكردية، وهذا بحد ذاته يعتبر تطورا مهما في النشاط السياسي الكردي، صحيح أن التعديلات المقترحة ستضع حدا لتدخلات العسكر وتعزز من سلطة القضاء، ولكن الأكراد يريدون اعترافا دستوريا بحقوقهم القومية، ويريدون إفهام الحكومة التركية بأن عليها أن تتعامل مع الشعب الكردي بطريقة أفضل من زمن الانقلابات، وأن تجلس مع القيادات الكردية على طاولة التفاوض لحل القضية الكردية التي تعتبر من أهم وأكبر التحديات التي تواجه الدولة التركية».

يذكر أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي أشار في وقت سابق يوم أمس إلى مشاركة واسعة من الأكراد في الاستفتاء الدستوري، وجه تحذيرات واضحة إلى الأكراد من مغبة المقاطعة، مشيرا إلى «أن دعوة حزبي السلام والديمقراطية والعمال الكردستاني إلى المقاطعة سيضعهما في إطار دعم الانقلابيين والساعين إلى إدامة انقلاب 12 سبتمبر (أيلول)». وقال أردوغان في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام التركية «إنه صحيح أن هذه التعديلات لا تلبي كل الحاجات، ولكن نجاح عملية الاستفتاء بحد ذاته سيمهد الطريق لتغييرات كبيرة في السنوات المقبلة».

وتضم التعديلات المطروحة على الاستفتاء 26 مادة دستورية من أهمها، حق المواطن التركي في المطالبة بحقوقه الشخصية في تملك الدخل، ورفع الحجر على السفر إلى الخارج إلا في حالات التحقيقات المبدئية، وحق الأطفال في الرعاية من الدولة، ورفع جميع الأحكام القانونية التي تمنع التظاهر والإضرابات والاعتصامات حتى لو كانت لأسباب سياسية، والسماح لجميع المواطنين بالانتماء إلى منظمات متعددة في وقت واحد، وإعادة النظر في سلطات المحاكم العسكرية، وحصرها بمحاكمة العسكريين فقط، ومنع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وإعادة تشكيل المحكمة الدستورية وإضافة عضوين لها من مرشحي البرلمان التركي، والسماح للطعون الشخصية بقرارات المحكمة الدستورية، وفي حال المطالبة بحظر حزب سياسي يجب تحقيق نصاب قانوني بموافقة 2/3 من أعضاء المحكمة الدستورية.

ولا تشكك المعارضة العلمانية في أن بعض التعديلات لازمة إلا أنها تقول إن المقترحات ستمهد الطريق أيضا أمام السيطرة على المحاكم من جانب حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتمتع بأغلبية برلمانية كبيرة وأقام قاعدة سلطة قوية في الدولة خلال 8 سنوات قضاها في الحكم.

ومع تراجع قوة الجيش جراء الإصلاحات التي يطالب بها الاتحاد الأوروبي صارت المحاكم العليا آخر ملاذ للمؤسسة العلمانية المحافظة.