عداءة أولمبية أفغانية.. من مضمار 100 متر إلى سباق الانتخابات البرلمانية

كابل: المرشحات يواجهن مخاطر من نوع خاص

العداءة الافغانية روبينا جلالي وخلفها يظهر قصر دار الامان بوسط العاصمة كابل امس («واشنطن بوست»)
TT

وسط أمراء الحرب والمقاتلين السابقين من المجاهدين والناقدين المتشددين ورجال الأعمال المشبوهين الذين يخوضون الانتخابات للفوز بمقعد في البرلمان الأفغاني، تقدم روبينا جلالي، مرشحة من كابل تبلغ من العمر 25 عاما، سيرة ذاتية أكثر إلهاما. تدربت جلالي، التي نشأت في ظل حكم حركة طالبان التي كانت تعامل المرأة معاملة وحشية، على رياضة العدْو، وبعد سقوط نظام طالبان واصلت رغبتها في المشاركة في الألعاب الأوليمبية. وبغض النظر عن ذلك، حصلت على المركز الثاني في سباق 100 متر في أثينا عام 2004، والمركز الأخير في بكين عام 2008.

وفي أفغانستان، الدولة المسلمة المحافظة التي لا يزال الكثير من النساء فيها يرتدين البرقع، تعد قصة جلالي بمثابة قصة خرافية. والآن تخوض جلالي الانتخابات البرلمانية في البلاد. وعلى الرغم من أن الاهتمام بين النساء ضئيل، نتج عن حملة الترشيح في اللجنة المستقلة للانتخابات رقم قياسي، وهو 406 مرشحات في الانتخابات التي تجري في 18 سبتمبر (أيلول) الحالي على 64 مقعدا تم تخصيصها للنساء بموجب الدستور الأفغاني الذي يمنحهن 25 في المائة من إجمالي عدد المقاعد في البرلمان، 249 مقعدا (يخوض هذه الانتخابات أكثر من 2000 مرشح من الرجال).

وعلى الرغم من أن الرجال ليسوا بمأمن، إذ قتل 4 مرشحين ونحو 15 من مسؤولي الحملات الانتخابية، فقد حذرت مؤسسة «أفغانستان لانتخابات حرة ونزيهة» أكبر منظمة لمراقبة الانتخابات في أفغانستان، الشهر الماضي، من أن النساء يواجهن مخاطر من نوع خاص. وتقول المؤسسة إن من بين كل عشرة تهديدات يبلغ عنها المراقبون تسعة موجهة لنساء. وأجبرت امرأة على وقف حملتها في إقليم تغلب عليه المناطق الريفية بوسط أفغانستان بعد أن تلقت تهديدات بالقتل وانتقلت إلى كابل. ويوم 29 أغسطس (آب) الماضي قتل مسلحون خمسة من منظمي الحملات الانتخابية كانوا يعملون مع المرشحة فوزية جيلاني في إقليم هرات بغرب البلاد. ولم يتضح على الفور ما إذا كانت الهجمات من تدبير متمردين أو خصوم سياسيين. ومع ذلك، فبالنسبة إلى معظم النساء اللاتي ينافسن من أجل الفوز بمقعد في مجلس النواب فإن التهديدات من نوع آخر.

بيد أن هؤلاء السيدات، ومن بينهن مسؤولات تنفيذيات في الشركات وناشطات في مجال الحقوق المدنية، يبلّغن بصورة يومية عن تهديدات من حركة طالبان وغيرها من حركات التمرد. وفي نهاية شهر أغسطس (آب) جرى اختطاف وقتل خمسة من المشاركين في الحملة الانتخابية لعضو البرلمان الصريحة فوزية جيلاني، التي تخوض الانتخابات في هرات.

وقالت جلالي في مكتبها المحصن ببوابة من الحديد، لكن لم يكن هناك أي حراس شخصيين مسلحين: «لا أهتم بحركة طالبان لأنني اعتدت عليها». وعلى مكتبها كانت هناك صورة للرئيس حميد كرزاي وهو يحييها عقب دورة الألعاب الأوليمبية لعام 2008. وقالت: «في البداية، عندما بدأت النشاط في عالم الرياضة، تلقيت جميع هذه البيانات التي تنطوي على تهديدات من طالبان. لم أكن سوى فتاة تعدو مع الرجال. وبعد العدْو، وفي طريق عودتي إلى المنزل، اعتدت أن أصيح وأفكر: لماذا لا يمكنني أن أكون مثل الرجال؟».

ولم تكن معاملة أعضاء البرلمان من السيدات مثل نظرائهن من الرجال أمرا سهلا، حيث إنه كان يتم تجاهلهن ويمنعن من الكلام. وفي عام 2007 صوّت المشرعون من الرجال لصالح تعليق عضوية ملالاي جويا، مشرعة تبلغ من العمر 32 عاما من مقاطعة فرح، وكانت قد أطلقت حملة ضد أمراء الحرب الفاسدين في البرلمان. واختبأت وظلت مختبئة بعد ذلك بثلاثة أعوام، واختارت أن لا تخوض الانتخابات مجددا.

وقال سيما سمر، رئيسة اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان في أفغانستان: «لقد كان من السهل للغاية في البرلمان الهجوم على النساء والقول إنهن لسن مسلمات، أو لسن مسلمات صالحات. كان ذلك نوعا من التخويف».

ولا تزال جلالي غير متزوجة، في مجتمع تتزوج فيه النساء وهن صغيرات السن، وتقول إنها لن تحظى بالحرية في ممارسة العمل السياسي إذا كانت متزوجة.

ويركز برنامجها الانتخابي على المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، وذكرت على نحو غاضب حادثة وقعت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2008 في جنوب أفغانستان عندما أصيبت اثنتان من طالبات المدارس بالعمى بعدما ألقى رجال مواد كيميائية على وجهيهما.

وشأنهن شأن الكثير من الفتيات، تلقت جلالي وشقيقاتها السبع التعليم سرا في المنزل أثناء حكم طالبان. وعندما كان سنها 16 عاما استأنفت الدراسة عندما سقطت طالبان من الحكم عام 2001. كما أنها واصلت رياضة العدْو، وكانت تتدرب حافية القدمين أو بالصندل أو في أحذية رياضية صينية رخيصة على مضمار العدْو في استاد كابل، الذي كانت حركة طالبان تنفذ فيه حكم الإعدام ضد السجناء.

وكان والدها حاجي جمال الدين رجل أعمال في صناعة الكومبيوتر، وكان يسافر إلى دبي والصين. ويذكر أن روبينا وهي صغيرة قالت له: «لا تنظر إلي على أنني امرأة. انظر إلي على أنني ابن».

وقال جمال الدين: «كنت أدعها تخرج وتمارس الرياضة. تجاهلت جميع التعليقات من الأشخاص الذين أخبروني أن لا أدع ابنتي تسافر خارج أفغانستان، وأنها كامرأة تعد وصمة عار».

وقالت جلالي إنها سافرت إلى أكثر من 30 مضمار سباق دولي. وفي أثينا كانت واحدة من اثنتين من السيدات في الفريق الأفغاني المكون من خمسة أعضاء في دورة الألعاب الأوليمبية، وتساوت في سباق 100 متر ضد النجم الأميركي غيل ديفيرز، وأنهت السباق عند 14.14 ثانية. وفي بكين كانت هي السيدة الأفغانية الوحيدة المشاركة في البطولة، وأصرت على العدْو وهي مرتدية الحجاب. وفي هاتين البطولتين أشادت بها وسائل الإعلام الدولية على أنها بطلة. وقالت: «لم يكن لدي دعم شعبي. كان الناس يتحدثون عن بصورة سيئة لأنني أسافر خارج البلاد».

وجاء انتقاد محاولة جلالي خوض الانتخابات البرلمانية من مصدر غير مرغوب فيه: النساء اللاتي يشتكين من أنها انتهازية، وسيرتها الذاتية ليس بها أي خبرات. وصوّرتها صحيفة محلية في الآونة الأخيرة على أنها واحدة من تسع سيدات من المحتمل أن يفزن بمقعد في البرلمان بين 90 مرشحة يخضن الانتخابات على مقعد كابل.

وقالت شكرية باراكزاي، العضو البارز في البرلمان: «إذا كنت تخوض مسابقة لعارضات الأزياء فإنك تحتاج إلى وجه جميل وقوام رائع. لكن إذا كنت تخوض الانتخابات البرلمانية فإن المعيار مختلف. السيدات يفكرن هذه المرة في أن أي أحد يستطيع أن يكون عضوا بالبرلمان. حسنا، يمكنهن الفوز بالمقعد، لكن كيف سيعملن؟ إنهن لا يعرفن الدستور، ولا يعرفن شيئا عن الميزانية، ولا يعرفن شيئا عن الوظيفة الرقابية».

وقالت جلالي إنها اكتسبت خبرة قيّمة من العمل في منظمة والدها غير الهادفة إلى الربح، والتي تعلم الفقيرات كيفية الحياكة، وكذلك من العمل لثلاث سنوات كسكرتيرة في مصرف كابل. وتجاهلت الشائعات التي تقول إن المسؤولين التنفيذيين في مصرف كابل يمولون حملتها الانتخابية كجزء من كتلة المرشحين الموالين لكرزاي. وتصر على أن لا أحد يمولها سوى أعضاء أسرتها.

ولم تكد نعمة سوراتجار تسجل اسمها ضمن قائمة المرشحين للانتخابات البرلمانية التي تجري في أفغانستان يوم 18 سبتمبر حتى انهالت عليها عشرات التهديدات والإهانات عبر رسائل البريد الإلكتروني. وتحتوي رسالة إلكترونية مجهولة المصدر جاءت بعنوان «أشهر غانية أفغانية ترشح نفسها للبرلمان»، والتي أرسلت أيضا إلى مكاتب وسائل الإعلام ومسؤولي الانتخابات، على هجوم قاسٍ في أربع صفحات عن حياة سوراتجار الخاصة، وتحث الناخبين على عدم مساندتها. ولا يمثل هذا إلا بداية مخاوف المعلمة التي تعيش في كابل وتبلغ من العمر 39 عاما.

تقول سوراتجار من مكتب حملتها الانتخابية المتواضع في العاصمة الأفغانية: «هذه الرسالة... كانت مجرد بداية... أتلقى رسائل عبر البريد الإلكتروني ومكالمات هاتفية كل يوم من رجال يهددون بقتلي إذا لم أتوقف عن خوض الانتخابات».

وسوراتجار ليست وحدها، فهي تمثل ما وصفه مراقبو الانتخابات بأنه اتجاه مثير للقلق واسع الانتشار لترهيب المرشحات من جانب المتمردين والمحافظين المتشددين الذين يعقدون العزم على إبعاد النساء عن المشاركة في الانتخابات التي تحل هذا الشهر.

ورغم أن الرجال ليسوا بمأمن، إذ قُتل أربعة مرشحين ونحو 15 من مسؤولي الحملات الانتخابية، فقد حذرت مؤسسة «أفغانستان لانتخابات حرة ونزيهة»، أكبر منظمة لمراقبة الانتخابات في أفغانستان، الشهر الماضي، من أن النساء يواجهن مخاطر من نوع خاص. وتقول المؤسسة إن من بين كل عشرة تهديدات يبلغ عنها المراقبون توجد تسعة موجهة إلى نساء. وأجبرت امرأة على وقف حملتها في إقليم تغلب عليه المناطق الريفية بوسط أفغانستان بعد أن تلقت تهديدات بالقتل وانتقلت إلى كابل.

ويوم 29 أغسطس قتل مسلحون خمسة من منظمي الحملات الانتخابية كانوا يعملون مع المرشحة فوزية جيلاني في إقليم هرات بغرب البلاد. ولم يتضح على الفور ما إذا كانت الهجمات من تدبير متمردين أو خصوم سياسيين.

ومع ذلك فبالنسبة إلى معظم النساء اللاتي ينافسن من أجل الفوز بمقعد في مجلس النواب فإن التهديدات من نوع آخر. وتمثل سوراتجار وجلالي، وهما متعلمتان وتعملان ومتحدثتان مفوهتان - مثل معظم المرشحات البالغ عددهن 406 مرشحات - كل شيء يجب أن لا تكون عليه المرأة في أعين، ليس فقط مقاتلي طالبان، بل غالبية المجتمع الأفغاني الذكوري.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»