لماذا الاستفتاء على الدستور التركي بهذه الأهمية؟

التعديل المطروح يحد من صلاحيات السلطة القضائية والجيش

TT

تشمل مراجعة الدستور المطروحة للاستفتاء الذي دعي إليه الناخبون الأتراك أمس 26 تعديلا متنوعا ستحد من صلاحيات السلطة القضائية والجيش اللذين يعدان معقلين للعلمانية في النزاع مع الحكومة الإسلامية المحافظة.

وينص التعديل الدستوري على رفع عدد أعضاء المحكمة الدستورية من 11 إلى 17؛ ثلاثة منهم يعينهم البرلمان الذي يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية (منبثق عن التيار الإسلامي) الحاكم منذ 2002. وسيتمكن المواطنون من اللجوء إلى هذه المحكمة في مسائل تتعلق بحقوق الإنسان بعد استنفاد جميع الإجراءات القضائية، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وسيكون في إمكان المحكمة أيضا، إن تم تبني النص، محاكمة رئيس هيئة أركان الجيش وكبار قادته الأربعة بصفتها المحكمة العليا. ومجلس القضاء الأعلى المكلف تعيين وترقية القضاة والمدعين العامين سيرتفع عدد أعضائه من 7 إلى 22 عضوا، لكن وزير العدل سيحتفظ بمقعده المثير للجدل داخل هذه المؤسسة وكذلك أمين عام الوزارة.

وينص التعديل الجديد للقانون الأساسي الذي يعود إلى عام 1982 الموروث عن العسكريين إثر الانقلاب العسكري في 1980 الذي جرى تعديله مرات عدة، أيضا على محاكمة جنود في زمن السلم بتهمة محاولة الانقلاب.

وينص أيضا على أن العسكريين الذين يسرحون من الجيش، خاصة بتهمة الانتماء إلى التيار الإسلامي، سيتمكنون من تقديم طعون. وأخيرا يجيز النص محاكمة قادة الانقلاب العسكري الذي نفذ في 12 سبتمبر (أيلول) 1980. لكن ثمة شكوك في هذا الخصوص؛ إذ يرى بعض الحقوقيين أنه يوجد تقادم للوقائع بالنسبة لهؤلاء الانقلابيين.

إلى ذلك، ينزع النص من المؤسسة القضائية الوحيدة احتكار القرار بحل الأحزاب السياسية. وكاد حزب العدالة والتنمية أن يتعرض للحظر في 2008 بتهمة المساس بمبدأ العلمانية. لكن المحكمة الدستورية قررت في نهاية المطاف حرمانه من جزء من إعاناته العامة. ويمنح التعديل حقوقا جديدة للموظفين؛ منها إجراء مفاوضات جماعية ولكن ليس حق الإضراب. كما يعد بحماية المسنين، والمساواة بين الجنسين، وكذلك حماية الأطفال.

فلماذا يواجه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان معارضة كثيرين لحزمة الإصلاحات التي عرضها، وكثير منها أشاد به الاتحاد الأوروبي؟ الثقة، أو انعدامها، هو السبب.

أعداد كبيرة من الأتراك - خاصة أولئك الذين يميلون إلى نمط الحياة الغربي العلماني - لا تزال متحرجة من أن يحكمها المتدين أردوغان. بعد 8 سنوات من تولي أردوغان منصبه، ليس ثمة أدلة تذكر على برنامج حكومي إسلامي متشدد من قبل حزب العدالة والتنمية الحاكم، ولكن أسلوبه المندفع في القيادة وضيقه من الانتقادات أفقداه تأييد الناخبين المترددين، في اعتقاد يافوز بيدار المعلق الصحافي في صحيفة «تودايز زمان» الموالية للحزب الحاكم.

ويخطط أردوغان لتوسيع عضوية مؤسستين قضائيتين هما الأكبر في تركيا: المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى الذي يعين القضاة.

وقد أثار ذلك الشك والقلق، لأن القضاء يعتبر أهم سد يقف أمام تسرب «تيار الأسلمة» خاصة بعد انسحاب الجيش من الساحة السياسية. وما زالت خطط هذا التوسع موضوع جدل، لكن المعارضة تخشى أن يمنح ذلك الحكومة مزيدا من النفوذ.

ويقول الزعيم الجديد لحزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشداروجلو في تقرير «بي بي سي»: «إنهم يريدون السيطرة على القضاء وإنهاء نظام فصل السلطات الذي أخذته تركيا عن الغرب». ويعتبر كيليتشداروجلو، وهو موظف حكومي سابق وعضو في طائفة الشيعة العلويين، أن هذا الاستفتاء اختبار لشعبية رئيس الوزراء، قبل الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في منتصف السنة المقبلة.

قلة من الناس يفهمون فحوى الإصلاحات التي سيتم التصويت عليها في الاستفتاء. بعض هذه الإصلاحات، مثل إنشاء منصب أمين مظالم للتوسط في النزاعات بين المواطنين والدولة، واضحة بما فيه الكفاية، ولقيت ترحيبا واسعا. لكن البعض الآخر، خاصة في ما يتعلق بحقوق المواطنين، هو مجرد تعديل طفيف لنص الدستور القائم.

كثير من الإصلاحات لا تعدو أن تكون مجرد تعديلات متواضعة، بعيدة كل البعد عن القفزة الديمقراطية إلى الأمام التي تعهدت بها الحكومة.

كمثال على ذلك؛ إنهاء الحصانة القضائية التي يتمتع بها زعماء انقلاب 1980. وهو تعديل لا معنى له علما بأن مهلة الثلاثين سنة، التي يسقط بعد انصرامها حق المتابعة القضائية، تنتهي في اليوم نفسه الذي سيجرى فيه الاستفتاء.

كما أدت الطريقة المتعجلة التي عرضت بها حزمة الإصلاحات الدستورية في وقت سابق من هذا العام إلى إثارة حذر وحيطة الشعب. وتعهد حزب العدالة والتنمية منذ سنوات بتعديل الدستور أو استبداله. لكنه لم يفعل من أجل ذلك سوى القليل، باستثناء إذنه لفقهاء القانون قبل ثلاث سنوات بوضع مشروع ميثاق جديد، ومحاولته الفاشلة إنهاء الحظر الدستوري على ارتداء الحجاب في الجامعات.

وظهرت حزمة الإصلاحات هذه بغتة بعد نزاع نشب في فبراير (شباط) داخل مؤسسة النيابة العامة بين من وصفوا بالمؤيدين للحكومة والمناهضين لها. وتدخل المجلس الأعلى للقضاة والمدعون العامون، وجرد المدعي العام الموالي للحكومة من سلطته. وطبع الغضب رد فعل الحكومة على ما وصفته بالسلطة القضائية المسيسة، وبعد أيام فقط من ذلك عرضت الحكومة تلك الإصلاحات.