في مقابر «مجهول الهوية» بالعراق.. تغيب الطائفية وتتعدد وسائل القتل

أمهات يبحثن عن أبنائهن بعد سنوات من الغياب بين النجف وكربلاء

عراقي يقرأ المصحف بجانب قبر «مجهول الهوية» في مقبرة النجف («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من مرور 4 سنوات على فقدان ابنها «عمر»، فإنها التجأت ثالث أيام عيد الفطر المبارك إلى مقبرة «مجهول الهوية» الواقعة داخل مقبرة وادي السلام في محافظة النجف عسى أن تعثر على دليل تتعرف من خلاله على مصير ولدها.

وعلى الرغم من القلق الذي راودها، فإن أم عمر تسأل في مكاتب الدفن الكثيرة عن مسؤول مقبرة «مجهول الهوية»، وبعد الانتظار الطويل، جاء المسؤول ورحب بها بعد أن تعرف على هويتها، فراح يتصفح في سجلاته الصغيرة عن اسم عمر، وبعد بحث لم يدم طويلا أكد لها المسؤول أن ابنها مدفون في المقبرة.

وتقول أم عمر: «لا أدري ما أصابني حينها فقد عجز لساني عن الكلام وحتى دموعي لم أشعر بها على الرغم من أنها انهمرت مثل المطر، فقام الرجل بجلب الماء وطيب خاطري بكلماته».

وتقول أم عمر إنها ذهبت بصحبة المسؤول إلى المقبرة مسترشدا بخارطة للاستدلال على القبور، التي انقلب لونها الرمادي إلى الأسود بسبب عباءات النسوة اللاتي تجمعن حولها، وتضيف: «حين وصلنا إلى مكان القبر لم أر سوى قطعة حديدية مكتوب عليها رقم ولدي، فصرخت بصوت عال فتجمعت النسوة بقربي، وبكى الجميع على بكائي، وبعدها علمت بأنني لست الوحيدة التي وجدت ولدي، بل كثيرات منهن فقدن أبناءهن في السنوات الخمس الماضية».

مقبرة «مجهول الهوية» كانت تقتصر في زمن النظام السابق على المتوفين الذين ليس لهم عوائل أو الذين قضوا سنينهم الأخيرة في دار العجزة حيث يدفنوا هناك، لكن عدد المجهولين بدا يزداد بعد عام 2003 حتى وصل ذروته في الأعوام 2005 وحتى عام 2007 وهي الفترة التي اشتدت فيها أعمال العنف الطائفي والقتل على الهوية حيث لم تستطع مقبرة النجف تسلم الأعداد الكبيرة من الجثث بينما اضطرت الجهات المعنية إلى تحويل قسم منها إلى مقبرة مدينة كربلاء المجاورة.

وتقول أم عمر لـ«الشرق الأوسط» إن «ولدي خرج في أحد الأيام عام 2006 إلى منطقة السعدون وسط بغداد لشراء بعض الأغراض ومن ذاك اليوم لم نجد له أي أثر حتى اليوم»، وتابعت: «ما ذنب أبنائنا؛ فقدوا وسط خلافات سياسية دفعنا نحن ثمنها، وأتضرع إلى الله أن تجد كل أم أثر ابنها المفقود».

«الشرق الأوسط» زارت مقبرة «مجهول الهوية» ووجدت العشرات من العوائل من جميع طوائف الشعب العراقي وهي تبحث عن أبنائها في مقابر.

وأكد صادق زاير أدهم مسؤول دفن جثث «مجهول الهوية» لـ«الشرق الأوسط» أن «عدد جثث (مجهول الهوية) ازداد بشكل كبير جدا خلال أعوام 2005 وحتى عام 2009، وقد انخفض العدد إلى 70 جثة كل ثلاثة أشهر بسبب تحسن الوضع الأمني».

وبحسب إحصاءات، فإن أعداد القتلى إبان أيام العنف الطائفي تجاوز العشرات خلال اليوم الواحد، مضيفا أن «مقابر (مجهول الهوية) في مقبرة وادي السلام في النجف جمعت كل طوائف العراق ولم يميز الإرهاب بين طائفة وأخرى، حيث قام بتطبيق جميع أنواع القتل ومنها القتل بالرصاص والذبح بسكين والقتل بواسطة المثقب الكهربائي إضافة إلى تعصيب الأعين وربط الأيادي بالحبال».

وبخصوص آلية دفن «مجهول الهوية»، يقول أدهم: «بعد جمع الجثث المجهولة من الشوارع والحفر والأنهار والمستنقعات في الطب العدلي ببغداد يتم التقاط الصور وحفظ الهويات والمستمسكات للجثث، ويوضع قرص في الجثة مكتوب عليه رقم خاص بها، بعدها يتم نقل الجثث إلى مقبرة النجف حيث نقوم بدفن الجثث ويوضع على كل قبر رقم الجثة»، مضيفا: «لدينا خرائط لكل مقبرة حتى نتمكن من التعرف على هوية الجثة المدفونة في القبر».

وأكد المسؤول في المقبرة أنه خلال «عيد الفطر هذا العام توافد علينا كثير من أهالي المفقودين، حيث جاءت عوائل من الأعظمية ومدينة الصدر وأبو غريب واللطيفية وبلد وغيرها من المحافظات الأخرى التي عاشت أوضاعا أمنية غير مستقرة، وقد أبدينا المساعدة للعوائل حتى تتعرف على أبنائها وحتى الذين لم يجدوا أبناءهم في مقبرة النجف يذهبون إلى مقبرة (مجهول الهوية) في كربلاء حيث تأسست هذه المقبرة بعد ازدياد أعداد الجثث التي وصلت إلى أكثر من 120 جثة في الأسبوع تصل إلى النجف».

وأشار إلى أن «غالبية أهالي المفقودين يقومون ببناء قبور أبنائهم وزيارتهم في الأعياد والمناسبات، وقد شهدت مقابر (مجهول الهوية) في هذا العيد ازدحاما كبيرا غير مسبوق في المناسبات الماضية»، وأوضح أن «من الجثث المجهولة التي تم التعرف عليها هي شقيق القيادي في القائمة العراقية صالح المطلك وقد تم نقله إلى مقابر بغداد».

وحول عدد الجثث مجهولة الهوية، قال أدهم «لا أستطيع إحصاءها لأن العدد تجاوز الآلاف، والجهة الوحيدة التي تستطيع إحصاءها هي دائرة الطبي العدلي».