المسلمون في الصين يحتفلون بعيد الفطر في ظل المراقبة

«كاشغر» أكثر المدن التزاما بالتعاليم الإسلامية في منطقة شينغيانغ المضطربة

الساحة العامة لمسجد عيد كاه حيث يتجمع آلاف الرجال والفتيان لأداء صلاة العيد (نيويورك تايمز)
TT

كانت أرضيات محلات الحلاقة مكسوة ببقايا شعر الرأس واللحية لدى الرجال. والنساء المحجبات يمشين في الشوارع غير المعبدة، ويحملن الحقائب البلاستيكية المملوءة بالأغذية من الأسواق، التي كانت تشمل الشمام والعنب والحلوى المجففة والخبز وقطع لحم الأغنام المذبوحة والطازجة. وكان الأطفال يرتدون ملابس جديدة ويخرجون مع آبائهم، وهذه الملابس سترات للفتيان وفساتين بيضاء للفتيات.

هكذا كانت مظاهر الاستعداد لعيد الفطر المبارك، الذي حل في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ليأذن بنهاية شهر رمضان المبارك.

كاشغر هي كاشغر، إنها أكثر مدينة تلتزم بالتعاليم الإسلامية في منطقة شينغيانغ الصحراوية المضطربة، وتأتي هذه المناسبة أيضا وسط لحظات أكثر كآبة، حيث واصلت السلطات الصينية مراقبة الأحداث عن كثب.

وعند بزوغ فجر يوم الجمعة، أول أيام عيد الفطر المبارك، تحركت مجموعة من الشاحنات التابعة للجيش وسيارات الشرطة تجاه الساحة العامة خارج مسجد (عيدكاه)، حيث يتجمع آلاف الرجال والفتيان لأداء صلاة العيد في الخلاء. ومنعت الشرطة الأجانب الذين يحاولون الصعود إلى سطح فندق أوردا، الذي يطل على هذا المسجد الأصفر المميز، وهو أكبر مسجد في الصين، لمشاهدة المسلمين وهم يؤدون شعائر صلاة العيد.

وقال رجل ينتمي إلى قومية الويغور، طلب، شأنه شأن الكثير غيره في هذه المدينة، عدم ذكر اسمه خشية الانتقام: «الأوضاع ليست متوترة كما كانت العام الماضي، لكن الشرطة لا تزال قلقة من وقوع أي مشكلات».

وتخضع مدينة كاشغر النائية، التي تقع على مفترق طرق في آسيا الوسطى، للرقابة منذ أن ضيقت قوات الأمن الصينية الخناق عليها، عقب أحداث الشغب التي وقعت في يوليو (تموز) من عام 2009 في مدينة أورومتشي، عاصمة مقاطعة شينغيانغ، التي أسفرت عن سقوط قتلى. بيد أنه كانت هناك فترة راحة في عطلة نهاية الأسبوع، حيث إن الاحتفالات الدينية بعيد الفطر عززت حس التقاليد والثقافة لدى الويغوريين.

وأضاف الرجل الويغوري: «هذا هو الوقت الذي من المفترض أن نكون فيه سعداء ونشكر الله».

وفي الشهور الأخيرة، خففت السلطات في شينغيانغ الإجراءات الأمنية القاسية التي اتخذتها عقب أحداث الشغب، التي شملت تقييد خدمات الإنترنت، على سبيل المثال، لكن لا يزال المسؤولون في هذه المدينة يعتقدون أن لديهم الكثير من الأسباب ليكونوا قلقين.

وأعرب الويغوريون، أكبر جماعة عرقية في هذه المنطقة، عن غضبهم من التمييز الذي مارسته ضدهم قومية الهان، التي تحكم الصين. ويطالب البعض بدولة ويغورية تسمى تركستان الشرقية. وفي الشهر الماضي، أسفر انفجار في مدينة أسكو عن مصرع 7 أشخاص وإصابة 14 آخرين بجروح، حسبما ذكر المسؤولون. واعتقلت الشرطة رجلا ويغوريا على خلفية الحادث.

وبدت كاشغر في بداية العيد مدينة تعيش في سلام، على الرغم من ذلك، وقدمت مذاقا مفعما بالحيوية للحضارة للذين يسافرون إليها من جبال بامير المقفرة في آسيا الوسطى.. الأسواق المزدحمة والمطاعم التي تعج بالأسر التي تلتهم الطعام في وجبة الإفطار. وكان الكباب واللحم المشوي والدجاج المشوي والفطائر المحشوة بلحم الضأن والأرز الذي يسمى بولو، والشعرية، متوافرة بكميات كبيرة، كما كانت في الأيام التي كانت فيها كاشغر مدينة منتعشة على طريق الحرير، وكانت تفيض بالثروات التي تأتي من التجارة بين الإمبراطوريات.

وفي منزل أسمنتي جديد على حافة المدينة الجديدة، دعت شابة تدعى غولي اثنين من الأجانب ليجربا الفطائر الطازجة المحشوة بلحم الضأن التي كانت أسرتها تتناولها عند الغروب.

وجرت إزالة جميع المنازل القديمة المشيدة من الطين حول منزل غولي، كجزء من خطة بدأتها الحكومة في مطلع عام 2009 لبناء منازل جديدة. وبدا أن ما لا يقل عن ثلثي هذه المدينة القديمة جنوب مسجد (عيدكاه) قد دمرت، ولم يبق شيء سوى مساحات من الغبار، كانت تقبع عندها بعض أفضل الأحياء في آسيا الوسطى في الماضي. وقالت غولي إن منزلها لم يتعرض للهدم لأن والديها شيداه العام الماضي، بتكلفة 4400 دولار.

وقالت: «تهدف خطة الحكومة لتحويل كاشغر إلى مدينة متقدمة، مثل المناطق الأخرى في الصين».

وأضافت أنها لا تعرف إلى أين ذهب جيرانها، لكنهم سيعودون بمجرد أن تشيد الحكومة الأحياء الجديدة هنا. وقالت: «يتطلعون إلى العيش في منازل جديدة».

بيد أن أحد الويغوريين قال إن معظم الناس كانوا معارضين لهدم المدينة القديمة. مضيفا: «الحكومة تقوم بذلك ولا تأبه لما يفكر فيه الناس».

وفتح كتابا مصورا يحتوي على صورة فوتوغرافية قديمة لمسجد (عيدكاه). وفي مقدمة المسجد كانت هناك مساحة خضراء، قال الرجل: تم إزالتها في وسط تسعينات القرن الماضي لإقامة ساحة حديثة. وقال: «إن تاريخنا يتعرض للضياع».

وفي صباح يوم الجمعة، وقف رجال الشرطة من قومية الهان في أركان الساحة في الوقت الذي تدفق فيه الويغوريون يحملون سجاد الصلاة من جميع أرجاء المدينة لأداء صلاة العيد. وتجمع الكثيرون قبل شروق الشمس عند مساجدهم المحلية، ثم ساروا مع إمامهم الذي يرتدي عمامة بيضاء إلى مسجد (عيدكاه).

وبدأت الصلاة عند الساعة السابعة والنصف صباحا، وانطلقت تكبيرات الإمام من المسجد إلى مكبرات الصوت في الساحة. وفي وقت واحد ركع آلاف الرجال، ثم سجدوا على الأرض في خضوع واستسلام لله عز وجل.

وانتهت شعائر صلاة العيد بعد نصف الساعة. وعاد الرجال إلى شوارعهم وحواريهم. وحان وقت الاحتفال بالعيد في المنزل مع الأسرة، ليتناولوا الوجبة الأولى في النهار بعد شهر كامل من الصوم.

وابتسم أحد الويغوريين ابتسامة عريضة لرجل فرنسي يسير إلى جانبه. وقال باللغة الإنجليزية: «اليوم يوم عيد. لا يوجد أي صينيين في الشوارع».

* خدمة «نيويورك تايمز»