صدام بين وكالة الطاقة الذرية وإيران في اجتماع مجلس الأمناء.. بسبب منع مفتشين

رئيس المجموعة العربية بالوكالة لـ«الشرق الأوسط»: سنقدم مشروع قرار جديد ضد إسرائيل رغم وجود معارضة

مندوب إيران لدى وكالة الطاقة الذرية علي أصغر سلطاني لدى وصوله إلى اجتماع مديري الوكالة أمس لبدء جولة من المفاوضات بشأن النشاط النووي الإيراني (إ.ب.أ)
TT

قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو، أمس، إن حظر إيران دخول مفتشين نوويين من ذوي الخبرة إلى أراضيها يعوق عمل الوكالة في الجمهورية الإسلامية، لكن طهران رفضت الاتهام رفضا قاطعا. وأكد أمانو من جهة ثانية أيضا أن وكالته تبحث تقريرا لجماعة إيرانية معارضة يفيد بأن لديها دليلا عن موقع جديد سري لتخصيب اليورانيوم في إيران.

وفي مؤشر على رغبة في استمرار العمل بالوكالة في وقت تشهد فيه العلاقات توترا مع طهران، قال دبلوماسيون إن أمانو عين خبيرا كبيرا في الشأن الإيراني ومطلعا على أعمال الوكالة في منصب كبير المحققين فيها. وسيخلف هيرمان ناكيرتس الذي يشرف على عمليات التفتيش في إيران ودول أخرى في الشرق الأوسط وفي جنوب آسيا وأفريقيا أولي هاينونين في رئاسة الإدارة بالوكالة التي تتحقق من أنه لا يجري تحويل مسار البرامج النووية للدول بحيث تخدم أغراضا عسكرية. وقال دبلوماسي على هامش اجتماع مغلق لمجلس محافظي الوكالة المكون من 35 عضوا، حيث أبلغ المدير العام للوكالة يوكيا أمانو المندوبين بتعيين ناكيرتس، «لم يكن هناك أي اعتراض» على التعيين.

واستقال الفنلندي هاينونين من منصبه كرئيس لإدارة الضمانات العالمية في يوليو (تموز) لأسباب شخصية بعد نحو 30 عاما في الوكالة النووية التي تتخذ من فيينا مقرا لها. وسيتولى ناكيرتس، (59 عاما)، منصب كبير المفتشين وسط خلاف علني بسبب رفض إيران دخول بعض المفتشين. وزاد الخلاف من القلق الدولي إزاء البرنامج النووي الإيراني الذي تخشى قوى غربية من أن يكون هدفه تطوير قنابل ذرية، بينما تنفي إيران هذا الأمر وتقول إنه يهدف إلى توليد الكهرباء فحسب.

وحظرت إيران في يونيو (حزيران) دخول مفتشين سبق لهما العمل في البلاد وأبلغتهما أنه لا يمكنهما العودة. ولم يكشف عن جنسيتيهما. كما ألغت طهران دخول مفتش رفيع المستوى من الشرق الأوسط في 2006 وسبق أن اعترضت أيضا على تعيين عدد آخر من المفتشين. وقال أمانو: «علمت بأسف شديد بقرار إيران الاعتراض على تكليف مفتشين أجريا عمليات تفتيش في إيران في الآونة الأخيرة». واتهمت إيران المفتشين بتقديم «معلومات خاطئة» عن برنامجها النووي. لكن أمانو عقد اجتماعا لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المكون من 35 دولة أمس وأعلن فيه ثقته الكاملة بـ«مهنية ونزاهة» المفتشين.

وقال الدبلوماسي الياباني المخضرم طبقا لنسخة من كلمة ألقاها في الاجتماع المغلق: «لم توفر إيران التعاون اللازم للسماح للوكالة بالتأكد من أن جميع المواد النووية في إيران تستخدم في أنشطة سلمية». وأضاف: «اعتراض إيران المتكرر على تكليف مفتشين من أصحاب الخبرة بدورة الوقود النووي والمنشآت في إيران يعيق عملية التفتيش». وقال علي أصغر سلطانية سفير إيران لدى وكالة الطاقة الذرية للصحافيين: «أرفض بشكل قاطع هذا البيان» الذي أصدره أمانو والذي يفيد بأن طهران تعوق نشاط التفتيش. وأضاف سلطانية، الذي انتقد أحدث تقارير الوكالة بشأن إيران ووصفه بغير المتوازن ويضر مصداقيتها، أن الوكالة تحت تصرفها 150 مفتشا يمكن إرسال أيهم إلى إيران.

وذكر التقرير أن إيران تمضي قدما في نشاطها النووي في تحدٍّ لعقوبات أشد، وعبر عن إحباط متنام مما تراه الوكالة تقاعسا إيرانيا عن التصدي للمخاوف بشأن الأبعاد العسكرية الممكنة لأنشطتها. ولإيران الحق في رفض بعض المفتشين بموجب اتفاقها الخاص بمنع الانتشار النووي مع الوكالة. لكن دبلوماسيين غربيين قالوا إن الاعتراضات المتكررة تعرقل عمل إدارة الضمانات النووية لأن المفتشين سيخشون من إجراءات انتقامية إذا أبلغوا بصراحة عن بعض أوجه النشاط النووي الإيراني.

وإذا واصلت إيران رفض المفتشين، فقد تواجه عواقب دبلوماسية في وكالة الطاقة الذرية التي أحال محافظوها ملف إيران إلى مجلس الأمن عام 2006، بسبب السرية النووية وغياب التعاون الكامل. وتدهورت العلاقات بين إيران والوكالة منذ تولي أمانو رئاسة الوكالة في ديسمبر (كانون الأول). ويتخذ أمانو نهجا أكثر تشددا بشأن إيران من سلفه محمد البرادعي، قائلا في تقارير إلى المجلس منذ ذلك الحين إن إيران تحاول تطوير صاروخ مسلح نوويا حاليا وليس في بعض الفترات في الماضي فحسب. وتتهم إيران أمانو بإصدار تقارير مضللة ومسيسة بشأن برنامجها النووي.

إلى ذلك، قال أمانو إن وكالته تبحث تقريرا لجماعة إيرانية معارضة يفيد بأن لديها دليلا عن موقع جديد سري لتخصيب اليورانيوم في إيران. وأشار أمانو إلى أن الوكالة ليس لديها معلومات كاملة عن حجم البرنامج النووي الإيراني. وحث طهران على تنفيذ قواعد الوكالة التي تلزمها إبلاغ الوكالة قبل أن تبدأ في أي أعمال إنشاء في منشأة جديدة. وقال أمانو في مؤتمر صحافي في فيينا: «نحن على علم بهذه المعلومات من معارضين إيرانيين من خلال تقارير إعلامية، ونحن الآن نقيم هذه المعلومات. لكننا في هذه المرحلة ليس لدينا أي شيء نطلعكم عليه أكثر من ذلك». وأضاف أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تحصل على معلومات قبل ذلك من الجماعة المعارضة بشأن تأكيداتها.

وقال معارضون إيرانيون منفيون الأسبوع الماضي إن المعلومات أتت من شبكة مصادر داخل إيران تتبع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وحركة مجاهدين خلق، وهي جماعة مسلحة معارضة للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وذكروا أن الغرض من الموقع هو أن يكون منشأة لتنقية اليورانيوم على عمق كبير أسفل جبل قزوين على بعد نحو 120 كيلومترا غرب طهران وأنه اكتمل بنسبة 85 في المائة. وقال مسؤولون أميركيون يوم الخميس إنهم يعلمون بأمر المنشأة منذ سنوات وليس لديهم ما يدعوهم إلى اعتقاد أنها نووية. ونفت إيران اتهامات المعارضين. وتقع منشآتها الرئيسية للتخصيب قرب مدينة نطنز بوسط إيران. وكشفت إيران قبل عام عن وجود محطة ثانية يجري بناؤها داخل قبو جبلي قرب قم بعدما أبقتها سرا لسنوات.

من جهة ثانية، أبدت وفود دول كثيرة، في مقدمتها وفود الدول العربية، غضبها واستياءها من تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الملف النووي الإسرائيلي الذي جاء في ثلاث صفحات لا أكثر شملت في مجملها تفاصيل لأسماء ومهام المسؤولين الإسرائيليين الذين التقاهم أمانو أثناء زيارته التي قام بها لإسرائيل الشهر الماضي.

وكان التقرير قد أثار مزيدا من الانتباه لخلوه من أي إدانة أو شكوى من السياسة النووية التي تنتهجها إسرائيل، مقتصرا على مجرد «دعوتها» إلى المسارعة بالانضمام إلى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية وضرورة فتح منشآتها لرقابة الوكالة.

الجدير بالذكر أن مدير عام الوكالة كان قد أقر في مؤتمر صحافي عقده ظهر أمس، بحقيقة أنه لم يشهد أي تغيير في السياسة الإسرائيلية عقب زيارته لها وأن الوضع لا يزال كما هو دون تغيير، رافضا أن يتخيل الموقف في حال لم توقع إسرائيل على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية حتى عام 2012 التاريخ المحدد لانعقاد المؤتمر الخاص بخلق منطقة شرق أوسط خالية من السلاح النووي.

من جهة ثانية، علمت «الشرق الأوسط» أن المجموعة العربية (16 دولة)، مدعومة بتأييد عدد أكبر من الدول الأفريقية والإسلامية والآسيوية، تصر على تقديم مشروع قرار جديد إبان انعقاد الدورة رقم 54 للمؤتمر العام للوكالة الأسبوع القادم، شبيه بالقرار السابق الذي أجازته الدورة الماضية للمؤتمر العام والذي ألزم مدير عام الوكالة ببحث القدرات النووية الإسرائيلية ورفع تقرير عنها وتضمينها كبند من بنود اجتماعات مجلس المحافظين، وذلك رغم المحاولات الصريحة المناوئة لهذه الخطوة العربية التي تهدف أساسا إلى تأكيد بقاء قضية القدرات النووية الإسرائيلية حية وتحت الأضواء وإلا انتفت وتلاشت لعدم توقيع إسرائيل على اتفاقية حظر الانتشار النووي.

وفي هذا الصدد، أكد لـ«الشرق الأوسط» السفير محمود حسن الأمين، مندوب السودان لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورئيس المجموعة العربية لهذه الدورة، إصرار المجموعة على طرح مشروع القرار رغم ما يواجهه من معارضة قوية تقودها وفود مناصرة لإسرائيل. وقال: «مشروع القرار ليس مقصده التنديد بإسرائيل أو انتقادها أو إدانتها، كما أنه لا يتحدث عنها كعدو ولا يطرح الموضوع في إطار الصراع العربي - الإسرائيلي، وإنما هو بصدد إجازة قرار يرفض ازدواجية المعايير بالوكالة، كما يؤكد مبدأ عالمية اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية وأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة بمنطقة الشرق الأوسط غير الموقعة على تلك الاتفاقية»، مشيرا إلى عدالة مبادئهم، مما يدفعهم إلى الإصرار عليه حتى ولو تكالبت قوى لإسقاطه، ومشيرا أيضا إلى أنهم يعملون وبشدة لإجازته، لا سيما في ظل فهم جيد لقضيتهم وتجاوب كبير مع مبادئهم.

من جانبه، كرر المندوب الأميركي لدى الوكالة، السفير غلين ديفيز، في حديث للصحافيين عقب جلسة أمس، دعوته للسفراء العرب لعدم طرح مشروع قرارهم والمسارعة بسحبه، داعيا إياهم لعدم تسييس عمل الوكالة ودفعها في إطار خارج صلاحياتها وصلاحيات اتفاقات الضمان، مصرا على أن المجموعة العربية يجب أن تحصر تفكيرها وجهدها في ما يمكن أن يقرب الأطراف كافة بدلا من شق الصفوف بانتقاء إسرائيل ولومها، مما سيقلل من إمكانات مشاركة إسرائيل في المؤتمر العالمي المزمع عقده 2012 لبحث إمكانات العمل من أجل منطقة شرق أوسط خالية من السلاح النووي.