الفيضانات تعوق الجهود الباكستانية ضد المتمردين

بعد انشغال الجيش بأعمال الإنقاذ والإغاثة

TT

تسبب الدمار الذي ألحقته الفيضانات الأخيرة في باكستان وجهود الإغاثة التي جرى تنفيذها منذ ذلك الحين من جانب الجيش الباكستاني في إجباره على تغيير خططه للتصدي لمسلحي طالبان و«القاعدة»، حسبما أعلن مسؤولون عسكريون باكستانيون.

وفي هذا الصدد، قال ضباط في الجيش إن القوات التي كانت تقاتل ضد مسلحين إسلاميين في وادي سوات على مدار العامين الماضيين ستضطر إلى البقاء لستة شهور إضافية عما كان مخططا له من قبل. وأوضح الميجور جنرال أثار عباس، المتحدث الرسمي باسم المؤسسة العسكرية، خلال محادثة هاتفية أجريت معه، أن بعض العمليات الهجومية جرى تحويلها إلى أخرى دفاعية لتعزيز المكاسب التي تحققت بالفعل.

وفي الوقت الذي لا يبدو فيه أن التغييرات الأخيرة تتضمن أي إجراءات تقليص كبرى في استراتيجية مكافحة التمرد، فإنها تعد المؤشر الأول على الضغوط التي خلفتها الفيضانات على عاتق القوات المسلحة الباكستانية التي تنتشر بالفعل على مساحة مفرطة في الاتساع في إطار جهودها للتعامل مع حركة تمرد خطيرة. وأرجأت المؤسسة العسكرية الباكستانية بالفعل عمليات في وزيرستان الشمالية، التي تعد المحور الرئيسي للحركات المسلحة و«القاعدة»، مبررة ذلك بأن قواتها منتشرة بالفعل على مساحة واسعة على نحو مفرط.

كما اضطرت القوات المسلحة إلى توجيه 72000، بينهم قوات خاصة تتبع الجيش والأسطول، إلى المشاركة مع «مجموعة الخدمات الخاصة» للاضطلاع بأعمال الإنقاذ والإغاثة من الفيضانات، بجانب توفير الأمن اللازم للمروحيات الأميركية التي انضمت إلى جهود الإغاثة.

وتصر المؤسسة العسكرية الباكستانية أنه لم تتم إعادة توجيه الكثير من الجنود البالغ عددهم 147000 المنتشرين في الإقليم الواقع شمال غربي البلاد نحو المشاركة في أعمال الإغاثة، وأن العمليات المستمرة ضد عناصر مسلحة في المنطقة الحدودية لم تتأثر بجهود الإغاثة. ولا يزال الجنود مستمرين في تنفيذ عمليات هجومية في الكثير من المناطق، مثل منطقتي أوراكزاي وخيبر، حسبما صرح الجنرال عباس.

ومع ذلك، تسببت الفيضانات في قطع خطوط الاتصالات والإمدادات للجيش والسكان المدنيين في مناطق مثل وادي سوات، وأجبرت الجيش على تحويل الطائرات المروحية للمشاركة في جهود الإغاثة، حسبما اعترف الجنرال. وأضاف: «لقد اجتذبت اهتمام الجيش لأسباب مختلفة».

من ناحيته، عمد الجيش إلى التحرك لتأمين المكاسب التي حققها خلال الشهور الأخيرة أمام الشبكات المسلحة في وزيرستان الجنوبية وباجور وأوراكزاي. وأكد الجنرال أنه سيمضي قدما في جهوده لحرمان المتمردين من مساحة للمناورة. وأضاف: «في بعض المناطق التي نفذ فيها الجيش عمليات هجومية، اتخذ المتمردون مواقف دفاعية».

ونفى الجنرال عباس معرفته بأي خطط محددة لنشر قوات في وادي سوات، عدا أن الجيش يبني أربعة مواقع عسكرية دائمة في المنطقة. إلا أنه خلال زيارة لهم مؤخرا إلى كلام، وهو منتجع جبلي صغير على الطرف الشمالي من الوادي، أعلن ضباط باكستانيون أنهم سيرجئون خططا للانسحاب.

كان الجيش يخطط لتقليص العمليات العسكرية ونقل مهام حفظ النظام إلى قوة شرطية كبيرة بحلول أكتوبر (تشرين الأول)، حسبما صرح كولونيل نديم أنور، نائب قائد لواء الجيش المنتشر في وادي سوات. الآن، أرجئ تنفيذ هذه الخطة لمدة ستة شهور على الأقل حتى الربيع أو الصيف القادمين، حسبما ذكر أنور ومسؤولون أمنيون آخرون.

المعروف أن الوادي جرى تطهيره في معظمه من المسلحين بعد حملة عسكرية استمرت عامين واتخذت في بعض الأحيان طابعا وحشيا. ورغم ذلك، يستمر تسلل عناصر مسلحة إلى داخل الوادي واستعراض وجودهم. وخلال الأيام التالية مباشرة لزيارة صحافيين من «نيويورك تايمز» لكلام، الذين استقلوا طائرة مروحية أميركية كانت تنقل مساعدات عبر الوادي، هاجم مسلحون مدرستين في المنطقة، حيث فجروا إحداهما وأضرموا النيران في الأخرى.

ولا تزال وحدة تتبع الجيش الباكستاني تتخذ من مدينة كلام مقرا لها، ماضية في تنفيذ عمليات لمكافحة التمرد، بما في ذلك تنفيذ دوريات ليلية في المناطق الجبلية المحيطة لمراقبة أي عودة للمسلحين. وقال أحد جنود القوات الخاصة: «نحن نعلم أماكنهم المفضلة».

بيد أنه في الوقت ذاته تتولى الوحدة إدارة جهود إغاثة واسعة النطاق، مع تدفق يومي مستمر للمروحيات التي تنقل مساعدات إنسانية إلى الداخل وسكان إلى خارج المنطقة. كما يدير الجيش أيضا معسكرا يتألف من خيام يوفر ملاذا لقرابة 4000 مشرد، بجانب تسجيل وتوزيع المساعدات الإنسانية لعدد أكبر بكثير من المتضررين بالفيضانات، وتنظيم 300 عامل للبدء في تطهير أكثر من ميلين من الطرق غطتها الأتربة والصخور بسبب انهيارات أرضية.

جرى إرسال كولونيل نديم من قاعدة اللواء في ماردان للإشراف على جهود الإغاثة في كلام، حتى لا تتعطل عمليات مكافحة التمرد. أيضا، أرسلت مجموعات من مهندسي الجيش إلى الأجزاء الدنيا من الوادي للعمل على استعادة خطوط الاتصالات وبناء جسور مؤقتة وإعادة فتح الطرق.

كان وادي سوات واحدا من أوائل المناطق الباكستانية التي ضربتها الفيضانات ويعد من أكثرها تضررا. ورغم عدم وجود حماس محلي تجاه وجود الجيش، على ما يبدو - مثلا، أعرب سكان محليون عن خوفهم من الحديث إلى المراسل في وجود مسؤولين عسكريين - فإن الكثيرين هناك يدينون بحياتهم لوجود الجيش.

بعد أربعة أيام من الرياح الموسمية العاتية، كان ضباط الجيش أول من لاحظوا مؤشرات الخطر عندما جابهوا انهيارين أرضيين على درجة غير عادية من الضخامة تسببا في قطع الطريق الرئيسي أسفل كلام في 28 يوليو (تموز).

مع ارتفاع منسوب مياه النهر بصورة ملحوظة، أمر الجيش بإجلاء نحو 6000 سائح باكستاني من فنادق على امتداد ضفة النهر، بجانب إجلاء سكان المدينة من المنازل والمتاجر على الضفة الأخرى. بحلول التاسعة مساء، ثار غضب النهر واكتسح جسر المدينة وفندقا يتألف من 4 طوابق على ضفته، بالإضافة إلى عدد من المنازل والمتاجر. وبلغت قوة اندفاع المياه مبلغا غير مسار النهر إلى الأبد.

بعد شهر، تولى مهندس يتبع الجيش تنظيم بناء جسر معدني مؤقت بالاعتماد على عشرات العمال المدنيين. وعلى الجانب الآخر من النهر، عمل رجال بدأب لإعداد الإسمنت وتجهيز قاعدة قوية للجسر. وعبر أبناء قرى قريبة حاملين أكياس الدقيق الجسر سيرا على الأقدام.

وقال أفسال خان (25 عاما)، مزارع: «لا يصل طعام إلى هنا، حيث انهارت جميع الجسور. ولا توجد منشآت، بينما يحاول الجميع الدخول إلى أعماق الوادي». واحتشد خان مع مئات الرجال الآخرين كانوا يأملون في الدخول إلى عمق الوادي على متن مروحية أميركية لشراء إمدادات لأسرهم.

وأقام مهندسو الجيش بالفعل جسورا مؤقتة على الجزء الأدنى من الوادي ويأملون في افتتاح طريق غير ممهد في غضون شهر تسمح بمرور السيارات الخفيفة. لكن كولونيل نديم يعتقد أن الأمر قد يستغرق شهرا، أو أكثر، لإعادة فتح الوادي أمام شاحنات النقل العادية. ومن شأن ذلك ليس إعاقة العمليات العسكرية فحسب، وإنما أيضا ترك آلاف المزارعين - العاجزين عن نقل ما ينتجونه عبر الوادي إلى السوق أو جلب العناصر الزراعية الضرورية لهم - معتمدين على المساعدات.

في تلك الأثناء، تبدي طالبان عزمها على المضي قدما في حملة أعمال العنف التي تشنها، وتبدو مهتمة باستهداف أهداف سهلة، اعتمادا على خلايا نائمة لإعداد سيارات مفخخة وشن هجمات انتحارية، بدلا من الدخول في صدامات مسلحة مباشرة مع الجيش، حسبما ذكر الجنرال عباس. وأضاف أنه وقع الكثير من التفجيرات الانتحارية الخطيرة في عدد من المدن، لكن المسلحين لم يشنوا أي هجمات برية كبيرة منذ وقوع الفيضانات.

* خدمة «نيويورك تايمز»