مفكرون وأساتذة فلسفة مصريون لـ«الشرق الأوسط»: أركون.. دور كبير في التأويل العقلي للتراث وإعادة الاعتبار للعقل

TT

رحل يوم أول من أمس في العاصمة الفرنسية المفكر العربي الكبير محمد أركون، بعد معاناة طويلة مع المرض. وقد ولد أركون عام 1928 في بلدة تاوريت الجزائرية، وأكمل تعليمه الثانوي في مدينة وهران، ثم الجامعي في الجامعة الجزائرية، مختصا بالفلسفة. وانتقل بعدها إلى باريس حيث حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون.

اشتغل أركون طوال حياته على إعادة قراءة التراث العربي والإسلامي من خلال منهج حديث، وخاصة في كتبه الكبرى: «ملامح الفكر الإسلامي الكلاسيكي»، و«دراسات في الفكر الإسلامي»، و«الإسلام أصالة وممارسة»، و«الفكر الأصولي واستحالة التأصيل»، وغيرها. وهي مؤلفات وضعته على قمة المشتغلين بالتراث والفكر الإسلامي، كما يجمع كثيرون. هنا شهادات وكتابات عنه:

في القاهرة استقبل مفكرون وأساتذة فلسفة خبر رحيل محمد أركون بحزن وأسى كبيرين. يقول الدكتور رمضان بسطويسي أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس: «محمد أركون أحد أهم المفكرين العرب، عكف طويلا على دراسة أسباب النهضة من خلال التراث الموروث وتحليله، وامتلك زمام المناهج الغربية بإتقان ورصانة وطبقها على التراث، كما برع في تحليل النصوص عبر المزج بين الثقافي والاجتماعي، وهو نموذج للمثقف المهموم بقضية أخلص لها وأفنى فيها عمره».

تابع بسطويسي: «بحث أركون بجد ودأب عن أسباب النهضة وشروطها ومعاييرها الجديدة، كما بحث أيضا في أسباب التخلف والتراجع والنكوص، على شتى المستويات الفكرية والإنسانية، وأخلص للثقافة العربية والغربية معا، وتأثر به كثير من المثقفين العرب عبر أعماله المترجمة من الفرنسية إلى العربية».

ومن جهته أعرب الدكتور نبيل عبد الفتاح خبير الدراسات الاجتماعية بمركز الأهرام للدراسات السياسية عن حزنه العميق لخسارة الثقافة العربية مفكرا كبيرا بحجم أركون، مضيفا: «فقد العالم العربي شخصية فكرية بارزة تعد من أهم القامات الفكرية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين، استخدم ترسانة هائلة من المناهج العلمية الحديثة التي ظهرت في إطار العلوم الاجتماعية الغربية وحاول تطبيقها على الفكر والفقه والتاريخ الإسلامي، واستخدم تلك المقاربات المنهجية في تأويل الموروث».

وبحسب عبد الفتاح، فإن أركون نبه أجيالا كثيرة إلى خريطة جديدة تماما شهدتها الفضاءات الأكاديمية الغربية في مجالات مختلفة، كما كان أبرز المشاركين والمحاورين في التفاعل بين الثقافة العربية والغربية قبل وبعد 11 سبتمبر (أيلول)، حول الظواهر الاجتماعية، ويملك استيعابا للمناهج مكنه من انتقاد بعض الحركات الاستشراقية الغربية التي ظهرت في أعقاب بزوغ حركات الإسلام السياسي الحديثة. ولفت عبد الفتاح إلى أن أركون لعب أدوارا بالغة الأهمية في تبديد الصور النمطية السائدة والخاطئة عن الإسلام والمسلمين.

وقال عبد الفتاح إن أركون أحدث رجة معرفية في العالم العربي عبر ترجمة معظم أعماله من خلال تلميذه النجيب السوري هاشم صالح، وساهم في تغيير الخريطة في مجال العلوم الاجتماعية وما بعدها، وشكل ضوءا إرشاديا في الدراسات والأفكار والنظريات التي أفادت الفكر الاجتماعي العربي المعاصر. كما شكلت أفكاره ضربات مضادة للأفكار الآيديولوجية لحركات الإسلام السياسي السائدة، وساهمت بقوة في الدفاع عن القيم الإسلامية النبيلة التي شوهها التكفيريون، وغلاة المتطرفين في الجانبين الغربي والإسلامي.

ومن جانبه اعتبر الشاعر الدكتور حسن طلب أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان أن أركون من أصحاب المشاريع الكبرى في الفكر العربي التي تعيد النظر فيما بدا أمام الجميع أنه ثابت ومقدس، وله دور كبير في التأويل العقلي للتراث وإعادة الاعتبار للعقل، مثله مثل الجابري وزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا ونصر حامد أبو زيد.

وقال طلب إن أركون استلهم واستفاد من الأدوات والمناهج الغربية في تأويل التراث، خاصة التراث الديني، فاستفاد من البنيوية مثلا بشكل كبير، دون أن ينسى أن هناك تراثا عقلانيا ثريا في حضارتنا دشنه المعتزلة وعلماء الكلام، إضافة إلى الفلاسفة الكبار مثل ابن رشد وابن سينا والفارابي، وساعده على ذلك قربه ومعيشته الدائمة في الغرب.