مظاهرات الاحتجاج على التضخم توقف مظاهر الحياة في مدينة هندية

تعتبر رموزا للاختلال الوظيفي وليس للحيوية السياسية

TT

توقفت مظاهر الحياة في هذه المدينة المتغيرة التي يقطنها 15 مليون فرد يوم الثلاثاء الماضي. تم إلغاء الرحلات الجوية في المطار. وكانت الشوارع، التي تعج في العادة بحركة السيارات والبشر، خاوية تقريبا. وأغلق الآلاف من أصحاب المتاجر، مثل زيد خان، أبواب متاجرهم في تقيد بطقس هندي مألوف، وهو إضراب الإغلاق.

دعا إلى هذا الإغلاق الاتحادات العمالية، وذلك من أجل الاحتجاج على التضخم والخصخصة، لكن هذه الأنواع من الإضرابات أصبحت متكررة للغاية، لدرجة أن التفاصيل أصبحت غير مهمة بالنسبة إلى خان، الذي أصبح، شأنه شأن غيره، ينظر إليها على أنها أكثر من مجرد مصدر إزعاج، حتى لو كانت مكلفة.

وقال خان: «هذا لا يساعد الناس على الإطلاق. إننا نفقد نشاطنا التجاري. ويحدث ذلك بصورة متكررة. يحدث مرات كثيرة في بعض الشهور».

تُعتبر القليل من الحقوق الديمقراطية أكثر أهمية في الهند، أو أكثر ضرورة باعتبارها صمام تنفيس للضغوط المجتمعية، بالمقارنة بحق الاحتجاج. لقد حصلت الهند على استقلالها عن بريطانيا بقوة حملات العصيان المدني التي أطلقها غاندي، وتباهت الهند بكيف أن هذه الحركة المسالمة للحرية أنشأت أكبر ديمقراطية في العالم.

لكن في الوقت الذي تمزقت فيه السياسة الصاخبة في الهند بصورة مطردة مع انتشار الأحزاب السياسية، فإن إضراب الإغلاق أصبح على نحو متزايد إحدى صور الازدراء وخيبة الأمل لدى الشعب. تستغل الأحزاب السياسية، التي تتسابق في مجال سياسي مزدحم، هذه الإضرابات لاستعراض قوتها أو بناء قوة خاصة عن طريق إثبات أنها تستطيع إغلاق مدينة أو حتى دولة بأكملها.

واليوم، ينظر الكثير من الهنود إلى هذه الإضرابات على أنها رموز للاختلال الوظيفي وليس للحيوية السياسية. وعلى خلاف الأشكال الأخرى من الاحتجاج، تستطيع إضرابات الإغلاق التسبب في خسائر اقتصادية ضخمة، غالبا ما تصيب العمال العاديين الذين يتم الدعوة إلى هذه الإضرابات باسمهم. وكتب سوهيل سيث في صدر الصفحة الأولى في صحيفة «تليغراف»، أكبر صحيفة في المدينة، في الصباح التالي للإضراب قائلا: «لم يعد إضراب الإغلاق رمزا لغضب الشعب. ولم يعد يمثل حالة الإحباط لدى المحكومين. وبدلا من ذلك، أصبح رمزا لضعف حكومتنا».

ولم ينجُ أي ركن من أركان الدولة من هذه الإضرابات، حيث تم إجراء هذه الإضرابات، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، في جميع أنحاء الطيف الاجتماعي في الهند، بداية من المتمردين الماويين في الريف إلى الأفراد الذين يرشون المبيدات الكيميائية لقتل الحشرات في نيودلهي. وفي إحدى أرقى جامعات نيودلهي، أوقف الأساتذة المحاضرات لمدة أسبوع للاحتجاج على الخطط الرامية إلى التحول إلى نظام الفصل الدراسي.

وفي الشهر الحالي، في ولاية راجستان، توقف الأطباء في المستشفيات الحكومية عن معالجة المرضى، تعبيرا عن غضبهم بشأن حادثة وقعت في الشرطة المحلية، وأوقفوا الإضراب الأسبوع الماضي بعد التعرض للانتقاد على الصعيد الوطني لوفاة بعض المرضى.

بيد أن الأحزاب السياسية هي الجهات التي تستطيع شل مدينة كبيرة، أو حتى الدولة بأكملها. ففي شهر فبراير (شباط) الماضي في العاصمة المالية للبلاد، مومباي، دعا أحد الأحزاب اليمينية، شيف سينا، إلى الإغلاق لمنع عرض أحد الأفلام، وهي الخطوة التي جرى تفسيرها على أنها تحد لحكومة حزب المؤتمر. وأرسل قادة حزب المؤتمر آلاف الضباط من شرطة مكافحة الشغب بتكلفة عامة عالية لضمان عرض الفيلم.

وفي شهر يوليو (تموز)، نظمت أحزاب المعارضة، بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا، إضرابا على مستوى البلاد، للاحتجاج على رفع الحكومة لأسعار الوقود. وبعد النجاح في إغلاق معظم المحلات في البلاد، أعلنت أحزاب المعارضة النصر، في الوقت الذي نظر فيه ناقدون إلى الإضراب على أنه جهد له دوافع سياسية بذله حزب بهاراتيا جاناتا لإثبات حضوره الوطني. وقدرت مجموعات الأعمال الخسائر التي تعرض إليها الاقتصاد بنحو 650 مليون دولار، مع تحمل محدودي الدخل، الأكثر عرضة للتضخم، الجزء الأكبر من هذه الأعباء.

وفيما وراء هذه الإضرابات، كان لهذا الإغلاق صدى داخل البرلمان الهندي، حيث تسببت المقاطعات وانسحاب أعضاء المعارضة من الجلسات إلى تأجيلات متكررة للمناقشات خلال الجلسة الأخيرة للبرلمان. وحذرت ميرا كومار، رئيسة مجلس الشعب بالبرلمان، من أن «اتجاه مقاطعة الجلسات لأيام متواصلة ينذر بالخطر، وما لم يتم إيقافه سيقود في النهاية إلى عواقب غير متوقعة».

وأصدرت المحكمة العليا في الهند أحكاما ضد هذه الإضرابات، وفي بعض القضايا فرضت غرامات على الأحزاب السياسية لدعوتها إلى مثل هذه الإضرابات. وعلى الرغم من ذلك، استمرت الإضرابات. ولا يقول الناقدون إن الهند تحتاج إلى الحد من الاحتجاجات، وهذه الخطوة تبدو غير محتملة، نظرا لأهمية حرية التعبير والمعارضة في النظام الديمقراطي في الهند.وتتباهى الهند بقاموس خاص بها في الاحتجاجات: حيث إن هناك احتجاج الاعتصام (وفي بعض الأحيان الإضراب عن الطعام)، والمسيرة الاحتجاجية، ومحاصرة الحكومة أو المكتب السياسي، والكثير من صور الاحتجاج الأخرى. بيد أن إضراب الإغلاق الذي يدعو إلى إغلاق الشركات والهيئات الحكومية والمقاطعة العامة للعمل، يتسبب في أكبر قدر من الاضطراب، ويبدو أنه فقد التأييد الشعبي.

* (خدمة: «نيويورك تايمز»)