المفوضية الأوروبية تنتقد باريس لاستهدافها الغجر.. وتهدد بجرها إلى المحاكم

المناخ السياسي والاجتماعي يتلبد في فرنسا.. وساركوزي يفقد شعبيته

عائلات من غجر الروما في مطار مارينيانس الفرنسي في طريقهم الى رومانيا أمس ضمن عملية ترحيل جماعي أثارت احتجاجات لجنة حقوق الانسان في الأمم المتحدة (رويترز)
TT

تتراكم الغيوم الداكنة فوق قصر الإليزيه هذه الأيام بسبب تكاثر الملفات «المزعجة» للرئاسة، ليس أقلها الاتهامات المتبادلة بين فرنسا والمفوضية الأوروبية بسبب استمرار باريس بترحيل الغجر باتجاه رومانيا وبلغاريا. وجاءت «فضيحة» تسخير المخابرات الداخلية للكشف عن الجهة التي سربت معلومات عن فضائح وزير العمل الحالي والمالية الأسبق أريك فيرت، والحرب المفتوحة بين الرئاسة وصحيفة «لوموند» المستقلة لتزيد من ثقل الأجواء الداخلية، بينما التعبئة النقابية لم تتراخَ احتجاجا على مشروع الحكومة لتغيير سن التقاعد.

ولاكتمال الصورة، تتوجب الإشارة إلى استمرار تدهور شعبية الرئيس ساركوزي. وآخر الأخبار المقلقة له أن استطلاعا للرأي نشرت نتائجه مؤخرا بيّن أنه لم يعد المرشح الأفضل لليمين لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، إذ إن رئيس الحكومة فرنسوا فيون يتقدم عليه كثيرا ما يعقد مهمته ورغبته في إجراء تعديل وزاري واسع نهاية الشهر القادم أو بداية نوفمبر (تشرين الثاني).

وجاءت الاتهامات القاسية جدا وغير المسبوقة بحق فرنسا من قبل المفوضة الأوروبية فيفيان ريدينغ المولجة شؤون العدالة والحقوق الأساسية بمثابة صدمة لفرنسا، إذ اتهمتها صراحة بالتصرف بحق الغجر كما تصرف النظام النازي بحق اليهود والغجر أيام الحرب العالمية الثانية. ورأت ردينغ اللوكسمبورية الأصل أن فرنسا تمارس سياسة تمييزية تقوم على العرق بسبب التعميم الصادر في 5 أغسطس (آب) الماضي عن وزير الداخلية بريس هورتفو، وهو يطلب من الأجهزة الأمنية ومن مسؤولي الشرطة تعطيل مخيمات الغجر وترحيلهم بالاسم. وذهبت ريدينغ إلى تهديد فرنسا بملاحقتها قانونيا أمام المحاكم الأوروبية بسبب هذه السياسية التي لا تحترم القوانين الأوروبية التي تتيح للغجر التنقل والإقامة لكونهم مواطنين أوروبيين بعد انضمام رومانيا وبلغاريا إلى الاتحاد الأوروبي.

وما يزيد من وقع الصدمة على باريس أن المفوضية الأوروبية بكليتها «تضامنت» مع ريدينغ، حيث أعلن الناطق باسم المفوضية أنها «تتكلم باسمها». ويشارك الرئيس ساركوزي اليوم في قمة القادة الأوروبيين في بروكسيل، ولا يستبعد أن تثار هذه القضية داخل الاجتماعات أو على هامشها.

وأمس، ردت باريس على «إهانات» ريدينغ فقالت مصادر الإليزيه إن أقوالها «غير مقبولة». أما وزير الدولة للشؤون الأوروبية بيار لولوش الذي شارك في أكثر من اجتماع الأسبوع الماضي مع ريدينغ، فقد اعتبر أن اللهجة التي استخدمتها «لا يجوز اللجوء إليها مع بلد كبير كفرنسا». غير أن ريدينغ لا تبدو راغبة في التراجع عما كالته من اتهامات، بل إنها طلبت من لفرنسا رسميا في رسالة وجهت إلى وزير الهجرة وشؤون الهوية الوطنية أريك بيسون أن تزودها «بكل التوضيحات الممكنة» عن التعميم موضع الجدل الذي ترى فيه استهدافا للغجر لكونهم غجرا. وتأتي انتقادات المفوضية بعد انتقادات عنيفة قبل أيام لفرنسا في البرلمان الأوروبي في إطار موجة الاحتجاج الداخلية والخارجية التي شملت الأمم المتحدة والبابوية والجولتين المعنيتين بشكل رئيسي، وهما رومانيا وبلغاريا. وكان مفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي السويدي توماس هماربرغ قد قارن هو الآخر بين الخطاب الفرنسي إزاء الغجر والخطاب النازي إزاءهم وإزاء اليهود.

داخليا، ما زالت «الحرب» مستعرة بين الرئاسة وصحيفة «لوموند» التي أكدت إدارتها أنها تنوي تقديم دعوى ضد الرئاسة التي تعتبر أنها المسؤولة عن انتهاك قانون حماية المصادر الصحافية، وتحديدا صحيفة «لوموند» في التحقيقات التي نشرتها عن تتمات ما يسمى قضية «بيتنكور - فيرت». وكانت «لوموند» نشرت مضمون التحقيق الذي أجرته الشرطة مع مدير ثروة ليليان بيتنكور الذي أكد أن وزير المالية السابق أريك فيرت هو الذي طلب توظيف زوجته، بينما كان الوزير المذكور يؤكد العكس. وتشمل القضية اتهامات بعمليات تمويل غير مشروعة لحملة ساركوزي الرئاسية عام 2007 التي كان فيرت المسؤول المالي عنها، لكونه مسوؤل المالية في حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، وهو المنصب الذي اضطر إلى الاستقالة منه بسبب الضغوط القوية التي واجهها.

وتأني تتمات هذه القضايا في ظل عاملين متوازيين: تراجع شعبية الرئيس، والتعبئة الشعبية المناهضة لمشروع إصلاح نظام التقاعد الذي صوت عليه مجلس النواب بعد ظهر أمس في قراءة أولى. ويعول ساركوزي على هذا المشروع لإظهار التزامه بتنفيذ وعوده الإصلاحية، غير أن التعبئة النقابية والشعبية المناهضة له، وهو ما ظهر من خلال مليوني متظاهر إلى الشوارع في السابع من الشهر الحالي، يظهر أن الرغبة الرئاسية لا تتلاقى مع المزاج الشعبي، فضلا عن أن المعارضة الاشتراكية واليسارية والخضر اغتنمت الفرصة للانقضاض على سياسة ساركوزي الاقتصادية والاجتماعية.

ويبدو الأخير في حالة وهن سياسي، وهو ما تعكسه استطلاعات الرأي التي تفيد بشيئين مزعجين للرئاسة: الأول أن ساركوزي يمكن أن يخسر المنافسة إذا ما حصلت غدا بوجه سكرتيرة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري، أو بوجه مدير صندوق النقد الدولي دومينيك شتروس - خان. والثاني أنه لم يعد «بطل» اليمين، بل العكس تماما، إذ إن رئيس الحكومة يتقدم عليه كأفضل مرشح عن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية. وقد حصل فيون على 50 في المائة من المؤيدين لترشيحه، بينما لم يحصل ساركوزي إلا على 18 في المائة. كذلك فإن 71 في المائة من الذين استفتوا يرون أن سياسته الاقتصادية «سيئة»، ما يعكس تراجعا للثقة التي كان يمنحه إياها الفرنسيون لجهة قدرته على مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يعانون منها.