القضاء اللبناني يلاحق المدير السابق للأمن بجرم تهديد الحريري وأمن الدولة

مصدر لـ«الشرق الأوسط»: ارتكب جناية مشهودة لن تمر من دون عقاب

TT

اتخذ القضاء اللبناني قرارا حاسما بملاحقة المدير العام السابق للأمن العام، اللواء المتقاعد جميل السيد، بجرم تهديد أمن الدولة، والنيل من دستورها، وتهديد رئيس الحكومة سعد الحريري، والتهجم عليه، والتهجم على القضاء وأجهزة الدولة، من خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الأحد الماضي، وتوعد فيه بأنه «سيأخذ حقه من الحريري بيده، وأنه لا مشكلة لديه إذا اعتبر كلامه تهديدا». وقد كلف النائب العام التمييزي، القاضي سعيد ميرزا، قسم المباحث الجنائية المركزية استجواب السيد، بصفة مدعى عليه وإطلاعه على النتيجة لاتخاذ الإجراء المناسب.

وإنفاذا للمذكرة التي سطرها ميرزا، توجهت دورية، ليل أول من أمس، إلى منزل السيد في بيروت، لإبلاغه بنص المذكرة واستجوابه، فتبيّن أنه خارج لبنان، وموجود في باريس منذ الأحد الماضي، في انتظار صدور قرار قاضي الأمور التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان، دانيال فرانسين، في شأن طلبه الحصول على وثائق من التحقيق الدولي، في موضوع ما يسمى بـ«شهود الزور».

ولفت مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الملاحقة بدأت رسميا، وأن تهديداته الأخيرة لن تمر من دون ملاحقة، وهذه الملاحقة لا تستوجب انتظار تقديم دعوى شخصية ضده من أي من الذين طالتهم تهديداته، لأن السيد ارتكب جناية مشهودة، وكانت تهديداته لرئيس الحكومة ومؤسسات الدولة منقولة على الهواء مباشرة يوم الأحد الماضي، وجدد هذه التهديدات في تصريحات لاحقة»، مشيرا إلى أن «جميل السيد سيُستدعى للتحقيق فور عودته من الخارج، وفي حال امتنع عن الحضور فإن الأصول القانونية تستوجب إصدار مذكرة إحضار في حقه، وسيطلب من الأجهزة الأمنية إحضاره قسرا». وكان وزير العدل، إبراهيم نجار، طلب من النيابة العامة تحريك دعوى الحق العام في حق السيد بسبب «تهديده رئيس مجلس الوزراء، سعد الحريري، وأمن الدولة».

في هذا الوقت أوضحت مصادر متابعة لـ«الشرق الأوسط»، أن «الشروع في ملاحقة السيد سيرتب تداعيات قضائية وسياسية، ويطرح علامات استفهام عن الطريقة التي ستتصرف بها الدولة في هذه القضية»، وإذ سلمت المصادر بـ«أحقية الملاحقة وقانونيتها»، سألت: «ماذا ستفعل الدولة إذا ما تمرد السيد على القرارات القضائية ولم يمتثل لها؟ وهل يمكن إحضاره بالقوة وهو المعروف بأنه يتمتع بحماية أمنية رسمية وغير رسمية؟ ما هي نتائج قرار توقيفه إذا حصل هذا التوقيف، باعتبار أن السيد إحدى أبرز الشخصيات المقربة من القيادة السورية، وتحديدا من الرئيس بشار الأسد؟ وماذا سيكون موقف حزب الله من هذا التطور وهو الذي سارع إلى القول إنه يتفهم ما طرحه السيد في مؤتمره، موضع هذه الملاحقة؟».

إلى ذلك كشفت مصادر مقربة من اللواء جميل السيد لـ«الشرق الأوسط»، أن الأخير «وصل إلى ما كان يريده من خلال الدعوى التي تحركت ضده»، وأشارت إلى أن «السيد، ومنذ خروجه من السجن، كان يحاول نقل المعركة من المواجهة الإعلامية إلى المواجهة القانونية، وقد تعمد في مؤتمره الصحافي رفع السقف عاليا، ليستدرجهم إلى القضاء»، ولفتت إلى أن «خصوم السيد يجيبون عليه في الشكل، من دون أن يتجرأوا على مواجهته في المضمون».

وفي سياق متصل، أكدت الناطقة الرسمية باسم المحكمة الدولية، فاطمة العيساوي، أن «قرار قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان، دانيال فرانسين، في شأن تسليم اللواء جميل السيد المستندات عن (شهود الزور) مرتقب صدوره في منتصف الأسبوع المقبل».

أما في المواقف المدافعة عن المحكمة الدولية، التي هي محور المعركة السياسية في لبنان، فقد أكدت عضو تكتل لبنان أولا النائبة بهية الحريري «التمسك بالمحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، من دون استباق قراراتها بأي نوع من أنواع التأويل، وترك الأمور للمحكمة للقيام بدورها، بعيدا عن المهاترات التي تشهدها الساحة الداخلية»، مشددة على أن «المطلوب هو العدالة وليس الثأر ولا الانتقام».

ورحب أمس عضو كتلة المستقبل، النائب عمار حوري، بـ«إمكان قيام النيابة العامة باستجواب المدير السابق للأمن العام اللواء جميل السيد»، وقال: «هذا أمر من الطبيعي أن يتم»، وأشار إلى أن «تنفيذ أمر الاستجواب هو من شأن القضاء، الذي يعرف كيف يتصرف بأساليبه وطرقه القانونية».

رأى عضو كتلة المستقبل، النائب هادي حبيش، أن «القضاء اللبناني تأخر في التحرك باتجاه إصدار مذكرة جلب لجميل السيد»، لافتا إلى أنه «عندما وجه السيد تهمة الإجرام إلى مدعي عام التمييز (سعيد ميرزا) في مؤتمره الصحافي الأول، كان الاتهام مباشرا لأعلى سلطة قضائية في البلد، وكان على القضاء التحرك منذ ذلك الوقت، وجلبه للتحقيق معه». وقال: «هذه الخطوة أتت، ولو متأخرة، ولكن كان يجب أن تأتي، والمطلوب اليوم أن تكون هناك حدود لكل لبناني يتجرأ على أن يُهدد عبر الإعلام مدعي عام التمييز أو رئيس الحكومة، أو أن يصدر بيانا يسيء فيه إلى رئيس الجمهورية».

أما رئيس حزب الوطنيين الأحرار، النائب دوري شمعون، فرأى أن «التفسير الوحيد للهجمة على المحكمة الدولية، من قبل النائب ميشال عون وحزب الله، هو أن هناك جماعة تعتبر أنه يمكن أن تطالهم المحكمة، ويحاولون إسقاطها». وتعليقا على المذكرة التي أصدرها القاضي ميرزا في حق اللواء السيد الموجود في فرنسا، قال شمعون: «إذا كانت الدولة لا تستطيع توقيف شخص مثله، فعلى الدنيا السلام، ولنحوِّل الدولة إلى قبائل، وكل شخص يدبر حاله»، لافتا إلى أن «السيد ربما يكون عنده أخبار كثيرة، وهو الوحيد الذي يملكها، وهروبه من لبنان ليس بداعي الخوف من أن يتم توقيفه من قبل الدولة، بل خوفا من اغتياله»، مشددا على «ضرورة أن تبرهن الدولة على وجودها، وهي الوحيدة القادرة على تدبير شؤون الناس».

ولفت حزب الكتلة الوطنية إلى أن «الكلام الحاقد والتهديدي الذي سمعناه من اللواء جميل السيد، يذكر بأنه كم كان صادقا تحرك جمهور ثورة الأرز للإطاحة بالنظام الأمني السابق وأسياده، فاللواء السيد يريد أن يستبدل مؤسسات الدولة والقضاء برغباته وحقده»، وقال: «أما الأغرب من هذا كله فهو التردد والخجل اللذان يحكمان تحرك النيابة العامة والسلطة التنفيذية التي وجهت إليهما أقصى الاتهامات، فترددهما يفقد الدولة مصداقيتها وهيبتها، فهنا ليست مصداقية بعض الأشخاص على المحك، بل النظام القضائي بكامله».